العدد 1714 - الأربعاء 16 مايو 2007م الموافق 28 ربيع الثاني 1428هـ

عقدة البربرية

حين تركب القطار، ترى المسارات بالنسبة إليك في وجهتين. إما مسار «متحرك» و «إيجابي» وهو المسار الذي تسير فيه تحديدا، أما القطار الذي يسير في الجهة الأخرى من خط السير فهو مسار «سلبي»، يمثل صورة الرجوع إلى الوراء الذي خرجت أنت منه. سينتابك شعور جارف بأن القطار الآخر يتبع مسار «التموضع الخاطئ» بمعنى «الجمود» ولو كان القطار في الخط الآخر أيضا يسير بسرعة أكبر وبكفاءة نادرة.

كان لليونان أن يطلقوا لفظ «البرابرة» لمن هم خارج بيئتهم ممن يقعون في منطقة «التموضع الخاطئ» كما في القطار. وأطلق الغرب القديم أيضا لفظ «المتوحش» وصفا للآخر من الأعراق الملونة، وكذلك المسلمون أطلقوا عديد توصيفاتهم السلبية المضمون للآخر.

أعتقد أننا نحتاج وفق معادلة القطار وتوصيفات اليونان والغرب القديم والمسلمين اللامبررة، نحتاج حتى نصف الآخر بـ «السلبي» أو «البربري» أو «المتوحش» أن نكون جزءا من الصفة نفسها. فهل تفي جزئية ما نعتقد كمالها وتمامها وجمالها أن تعطينا المسوغ لنعتبر «خيارات» أو «صفات» ذلك المختلف البعيد الغريب مثالا للبربرية أو التوحش؟، وهل يمثل سفر الواحد منا تجاه بقعة ما «إيجابية» تستحق منا أن نتصور المسافر في الخط المقابل سلبيا بالضرورة؟.

قد تبدو الأمور معقدة نسبيا، إلا أن صورة من صور «الفطرة السلبية» بالتعبير النيتشوي تظهر وتتحكم فينا من دون أن ندري. لا يمثل الانزياح الثقافي اليوم نحو تصوير ثقافة الآخر بـ «الخطر» «و «السوداوية» إلا صورة مماثلة لراكب القطار «السلبي» المهووس بإيجابيته المتوهمة.

لذلك، كلما سمعت مفردة من مفردات التحذير من الثقافة الغربية إلا وكانت صورة المتكلم مماثلة لأي من تلك النعوت السلبية التي يصف بها تلك الثقافة الأخرى التي هو مهتم بمقاومتها ونقدها، فهو مخرب حين يصفها «مخربة»، ومنحرف حين يصفها «منحرفة»، وخطر حين يصفها بـ «الخطرة».

العدد 1714 - الأربعاء 16 مايو 2007م الموافق 28 ربيع الثاني 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً