العدد 1721 - الأربعاء 23 مايو 2007م الموافق 06 جمادى الأولى 1428هـ

إلى أم أمل: بُوركتِ يا نبراسا في بيت الكرامة والإباء

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

المقولة المأثورة «وراء كل رجل عظيم امرأة» ربما كانت أول ضيف حميم اقترب إلى بيت هواجسي وأفكاري، وأنا أقرأ حينها ما سطرته أنامل الفاضلة مريم بنت عيسى النعيمي «أم أمل» قرينة المناضل الوطني الكبير عبدالرحمن النعيمي «شفاه الله ورعاه»، والذي نُشِرَ في «الوسط» على هذه الصفحة يوم الخميس الماضي تحت عنوان ملفت ومؤثر هو «من همس أسئلتكم نرى أبا أمل شامخا».

فإن كان عبدالرحمن النعيمي مدرسة نضالية وطنية روت بمناهلها البكر الصافية من ملوثات طائفية وفئوية وإمبريالية أجيالا نضالية أخرى، ليظل حينها متأججا حديث الشوق الممزوج بالفضول عن مفتاح تلك المدرسة، ومدبر أقرب أمورها، والشمعة الكفيلة بإضاءتها داخليا بنور المحبة والحنان، والحاضنة الغنية الدفء لأشجار وخمائل أحلامها وآمالها، والقلب الواسع الذي يلم عناصرها الداخلية التي تتشرف بحمل هذا الاسم النضالي المشرق وتوارثه كابر عن كابر.

هذه المرأة العظيمة، الزوجة والأم والمربية الفاضلة هي بلا شك كانت ولاتزال دعامة الإسناد الأكثر قربا وتجذرا في محيط «أبوأمل» الواسع والغزير بما فيه من آثار وجروح سنين طوال، تراكمت من مكابدة الشقاء والمعاناة في قيادة النضال الوطني داخليا وخارجيا ضد الظلم والجور أيا كان حامله والمعتز بإثمه، سواء أكان في «المنفى» أو ربوع الوطن العربي الكبير الذي خاض فيه «بوأمل» معترك حياته الماضية في مقتضيات صراع إقليمي ودولي متنوعة ومتعاقبة واجه عبرها مزيدا من التحديات المتواصلة التي لم يكد لها أن تنقطع!

ومر خلالها بالكثير من المنعطفات المهمة والحساسة التي ساهمت في صقل رؤاه العميقة عن وطنه الأم «البحرين» والمنطقة، كما أنها كانت مسئولة عن تخريج أجيال دفع غالبيتها الثمن غاليا، وارتفعت وارتخت على موائدها قلة قليلة تواطأت على مصالح الأوطان والشعوب.

يا سيدتي الفاضلة، بلا شك أنت متهمة لدى البعض بأنك الشاحن والمزود الأكثر حيوية وإنعاشاَ لـصلابة وصمود وتماسك «أبو أمل» أمام ملمات المحن والشدائد، وأنت شمس أمل مشرقة في قلب حر نابض يزداد به النحر اتساعا لملاقاة واستقبال المزيد من الضربات التي لا تزيده إلا شموخا وتساميا وارتفاعا، وقد هطلت عليه من كل حدب وصوب خلال مسيرته الطويلة التي لا تزال مستمرة وستتواصل بإذن الله تعالى مع عودته إلى الوطن سالما معافى قريبا.

إن تاريخ العمل السياسي الوطني لم يصنعه فقط عنفوان النضال المتفاني والمتجرد من الصغائر الشخصية، الذي وطدته ورسخته جهود ومساعي العديد من المناضلين والفدائيين في هذه الأرض البحرينية المباركة والمعطاءة، والتي لن تتوقف أبدا عن إنجاب وإنبات وتنشئة المزيد من جواهرهم وأمثالهم، ولو طمرت جميع الينابيع، وقضي على ما تبقى من شجر ونخيل، وبترت بأنصال الجشع أطراف وأعصاب ما تنادر من سواحل وشطآن لاهبة!

وهذا السرد النضالي التاريخي المتواصل والممشوق بسيرة التضحية والإخلاص، والمستضاءة شفرات أحرفه العلوية بالإيمان والقيم الإنسانية السامية، صنعته قبل ذلك أم وزوجة وعائلة ومجتمع، و»أم أمل» زهرة وشمعة ونبراس في بيت ومدرسة وورشة النعيمي للكرامة والإباء.

ومن أراد أن يدرس وينتهل من ما جاد به «بوأمل» من معين نضاله للمواطنين المستضعفين، لابد وأن يرمق هذه الجليلة البهية شامخة على مطلع هذا النبع النضالي وهي تحييه وتمنحه تحية الأمان والاطمئنان.

وإن كنت، يا أم أمل، قد كتبت في الأسبوع الماضي «صدقا ما غاب من كان لديه طفل صالح، وكيف من له هذا الكم الهائل من الأبناء والأصدقاء، ما غاب من كان لديه وطن لا يرجف فيه الأمل، لهذا أبوأمل قويا بكم... يغمض عينيه ويفتحهما وكأنه يبعث إلينا برسائل تحية لكل الأحبة»، فاسمحي لي بالرد عليك، فأقول لك ما عاش من لم يحظ بأبوة وأمومة صالحة يغرسان فيه قيم النبل والشهامة ويعلمانه معاني العزة والكرامة في الحياة، وأسمى مسمياتها، فكيف إذا لشعب حظي بأب كعبد الرحمن النعيمي وأم مثلك، وإن كنتم قد غبت عن مرآنا لفترة من الزمن تناهز الثلاثة عقود ونيف، فإن السمع قد يسبق البصر على دروب العشق الإنساني الأسمى، كما أن الروح ترتقي مدارج المودة الوطنية قبل الجسد!

قلت كعادتك المتواصلة المنبثقة من فيض سجاياك الطيبة الأصيلة، وأنت تحيين الرفاق والأصدقاء والأحباء، وتشكريهم على وقفاتهم الباسلة، ووفائهم الذي لم ينقطع عنكم منذ أيام المنفى وما بعده «كان وجودكم يزرع الأمل فينا، صدقا كان البيت «ورشة أمل» وخلية نحل تنتج عسلا نقيا صافيا» ولسان روحي البحرينية تقول طوبى لنا بكم وبأمثالكم، يا من ضرب سخاؤكم بسناكم ووضاءكم على نبتة أملنا الوطني أروع الأمثلة، رغم كوننا قد جهلنا لصفحات طوال من عمر الزمن، ولظروف ربما لا يحبذ البحرينيون ذكرها، تلك المقادير النضالية الوافرة التي سكبت على المطالب الوطنية لهذا الشعب الذي لم يؤت حقه كاملا!

وثقوا بأن المواطن البحريني المسكين منذ ذاك الأوان كان يرى فيكم ما يعيد إليه وجه وطنه المتجدد بملامح الألفة والطيبة والسماحة والنخوة الوطنية، ويسحب من شموس ابتسامتكم خيوطا تستمسك بها بأنامل روحه، لتعيد لنا الحلم البحريني المتلألئ والمتوهج بالوطنية!

فمهما فعلوا، ومهما فعلنا من فعل متواضع جم لا يقارن بنصف عشر ما قدمتموه إلى الوطن الأعز، يظل أبسط البسيط مقارنة بما تحملتموه من أجلنا ومن أجل شعب البحرين.

وعلى رغم أن معرفتي التي أعتز بها بـالمناضل الوطني عبدالرحمن النعيمي لم تتجاوز العام الواحد فإنه أنعش بداخلي الإحساس بالأمل، وغرس في مهجتي نبتته، أي نبتة الأمل، والتي لن يتسنى لها أن تنمو إلا برواء ملوحة العطش وسطوع الألم، فكان لدي في مقام الأب الروحي الذي كأن معه اتصال قبل زمن طويل!

كيف كان بمقدور هذا المناضل الوطني المرموق أن يرتقي بعوالم السياسة المنحطة بتعاسة مصالحها ومكائدها، وأشكال صراعاتها ومداهناتها والتواءاتها ومساوماتها، ويجعل منها ببراعة منقطعة النظير لحنا وطنيا بارقا تشنف وتطرب به الأرواح!

بل إن هذه الرابطة الروحية أخذت تتواصل بانجذاب يعبث في تضاريس الأزمنة والأمكنة، فما أن تطوف سيارتي مسرعة خلف مطار البحرين الدولي وبجوار قرية «قلالي» حتى أجدني منعطفا بمنتهى العفوية والتلقائية ودونما سابق عزم وتخطيط، وإذا بسيارتي تشاركني مضاضة الوجدان فتسرع الخطى ناحية تلك الطرقات حينما كان بالأمس ملتقى للأحبة والأصدقاء في حضرة شيخ المناضلين.

وتتجه صوب منزل بسيط حجما وتصميما علها تجد «بوأمل» الآن أو بعد قليل، أو لتنتظر حتى يوم آخر وقد عاد فيه سالما معافى بفضل الله تعالى، فتكون نعم المفاجأة السعيدة التي ليس أفضل منها من مفاجأة، لتنتشر البشارة في جميع أنحاء الوطن بأن «بوأمل» عاد لنا سالما معافى!

فلتعد إلينا يا «بوأمل» سالما ومعافى إلى أرض الوطن، وليباركك الرب ويبارك «أم أمل» نبراس بيت الكرامة والإباء.

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 1721 - الأربعاء 23 مايو 2007م الموافق 06 جمادى الأولى 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً