العدد 1741 - الثلثاء 12 يونيو 2007م الموافق 26 جمادى الأولى 1428هـ

محاربة الفقر تبدأ برؤية سياسية ديمقراطية

صلاح الدين حافظ comments [at] alwasatnews.com

لايزال حديثنا عن الفقر والفقراء مستمرا منذ الأسبوع الماضي... ومازلنا نقول: إن أخطر مُهددات الأمن القومي، هو الفقر المتزايد، والذي وصل إلى نسبة 50 في المئة على الأقل، وفق أبحاث المركز القومي للبحوث الاجتماعية، وهو هيئة مصرية رسمية.

اليوم نتحدّث عن علاقة الفقر بالحرية، أو عن علاقة الأزمة الاقتصادية الاجتماعية الطاحنة بالإصلاح السياسي الهادف لتحقيق الديمقراطية... الفقر والحرية هل يجتمعان... يتعايشان ويتآلفان، أم يحدث العكس؟!

نعتقد أن محاربة الفقر تبدأ أساسا بوجود رؤية سياسية ديمقراطية، صحيح أن للرؤية الاقتصادية ضرورات مهمة وفاعلة، لكنها وحدَها لا تكفي أبدا لمحاربة الفقر وإنقاذ جحافل الفقراء، وثمة معادلة معروفة للجميع، وهي أن الفقر وضعف التنمية يؤديان حتما إلى غياب الديمقراطية وشيوع الاستبداد متحالفا مع الفساد، والعكس صحيح!

وفي حالتنا هذه فإننا نلاحظ أنه على مدى السنوات الأخيرة وحتى اللحظة، لايزال حديث الإصلاح السياسي والتطوّر الاقتصادي ساريا، بصرف النظر عن النتائج الفعلية، إلا أنه للأسف لم يكن متعادلا أو متوازيا مع الشارع في برنامج الإصلاح الاقتصادي، القائم على الخصخصة وبيع القطاع العام وتخلّي الدولة عن كثير من مسئولياتها الرئيسية، وخصوصا الرعاية الاجتماعية والصحية والتعليمية، ناهيك عن تركها لآليات السوق (العرض والطلب) تلعب دورها في تحديد الأسعار، فإذا بأسعار الخدمات والسلع الرئيسية تنفلت كالوحش الكاسر، لتزيد العبء على متوسطي الدخل والفقراء، الذين يعانون الآن من تقليل الدعم ثم التخلّي عنه فيما بعد!

وهنا يكمن صميم الأزمة الراهنة التي تعصف بالمجتمع، حين يتحالف الفقر مع البطالة والإحباط والتطرّف وصولا للإرهاب، بينما على الناحية الأخرى يتحالف الفساد مع الاستغلال مع الإثراء غير المشروع، في حزمة واحدة تهدد استقرار مجتمع قديم، أنتج عبر القرون طبقة متوسطة واسعة، كانت دوما صاحبة التوازن «رمانة الميزان»، وصاحبة القرار السياسي والبرنامج الاقتصادي الاجتماعي، على رغم وجود الشريحة الثرية!

فأين هذه الطبقة المتوسطة الآن، وما هو دورها السياسي الاقتصادي في رسم وتوجيه السياسات العامّة للدولة، أي في صياغة الرؤية السياسية الوطنية!

للأسف لقد تفككت هذه الطبقة وتبعثرت أشلاؤها، انضمت شريحتها الكبرى للفقر والفقراء، على رغم كل ما يقال عن الإصلاحات الاقتصادية، وعن حماية محدودي الدخل، وبالتالي تراجع دورها وتأثيرها السياسي.

ولاشك أن تحمل هذه الطبقة، مع العمال والفلاحين ومهمشي المدن والريف، لعبء برنامج الإصلاح الاقتصادي الراهن، بكل ما يمثله من ضغوط عاتية، مع غياب الرؤية السياسية لتطوير المجتمع، ومع تباطؤ الإصلاح الديمقراطي، قد أدى إلى احتقان واسع، أفضى بدوره إلى غياب سياسي إرادي وتغييب قسري لمعظم هذه الطبقة، وتراجعها عن لعب دورها، مثلما أدى إلى صعود الدور السياسي المؤثر في صوغ البرامج الاقتصادية والسياسية، لشريحة الأثرياء الجدد من فئة رجال الأعمال المتغلغلين في ثنايا السلطة التنفيذية والتشريعية والإعلامية!

ومن البديهيات القول، إن زواج السلطة والمال، في غياب نظام ديمقراطي ورقابي حقيقي وشفاف، يؤدي مباشرة إلى تدعيم تحالف الفساد والاستبداد، على حساب مصالح الطبقات الفقيرة والمحدودة الدخل، يكفي أن تعرف أن مصر تحتل المرتبة رقم 64 من بين 99 دولة في معدلات الفساد، وفقا لتقرير منظمة الشفافية الدولية عن العام 2006.

وها نحن نرى بعض تجليات هذا الخلل الكبير، ممثلا على سبيل المثال في ظهور ما صار يعرف بالمجتمع البديل والدولة الموازية، التي تحتل المكان الشاغر الذي تركته الدولة الأصلية، بعد انسحابها من كثير من مسئولياتها السياسية والاجتماعية والخدمية.

فعلى الجانب الاجتماعي، عرفنا العلاج الاستثماري باهظ الكلف، بديلا للعلاج الحكومي الذي تتخلى عنه الدولة خطوة بخطوة، وعرفنا التعليم الخاص من الحضانة إلى الجامعة، بديلا للتعليم الرسمي، الذي يتهم بالتخلّف والفساد، من دون محاولة جذرية لإصلاحه، وعرفنا هيمنة القطاع الخاص على أكثر من 80 في المئة من الاقتصاد الوطني، بديلا لدور الدولة السابق وحقها بل واجبها في رسم السياسات الاقتصادية لصالح الغالبية، وليس لصالح الأقلية وحدها.

وعلى الجانب السياسي المرتبط بالجانب الاجتماعي الاقتصادي، رأينا كيف نجحت جماعات سياسية، مثل: جماعة الإخوان المحظورة قانونا، في بناء أرضية شعبية واسعة، على أنقاض الأرض التي انسحبت منها الدولة، ولم يأتِ نجاحها السياسي الأخير، حين احتلت 88 مقعدا في الانتخابات البرلمانية العام 2005 بنسبة 21 في المئة من مقاعد البرلمان، إلا بفضل مشروعها الاجتماعي الاقتصادي، الذي نفذته في الريف والعشوائيات وبين الفقراء، مثل تقديم الخدمات الصحية والعلاجية، والتعليمية والشبابية والرياضية والمنح المالية وكلّها بأسعار رمزية وكفاءة مهنية، بينما برامج الدولة تنسحب وتتراجع، والأسعار تغلي والبطالة تتزايد، وتحالف الفساد والاستغلال ينخر كالسوس في البناء المجتمعي كله!

وفي حين أدى تزايد الفقر وتراكم الثروة في أيدي أقلية القلة، إلى مزيد من الغضب والاحتقان والتطرّف، أدى الصدام السياسي بين الحكومة من ناحية، والإخوان والمعارضة والفقراء والغاضبين من ناحية أخرى، إلى تقسيم المجتمع تقسيما حادا، بين الحكم والمعارضة، بين الأغنياء والفقراء، بين الطامحين والمطحونين... وصار الأمن القومي الحقيقي على المحك يدور من أزمة إلى أزمة خصوصا في ظل الضغوط والتدخلات الأجنبية «الأميركية خصوصا»، التي تستغل الموقف لصالحها!

وفي حين تُقدم الدولة وبتسارع شديد على الاستمرار في برنامج الإصلاح الاقتصادي الراهن، بكل آثاره السلبية على جموع الناس، وخصوصا آثاره على توسيع دوائر الفقراء، فإنها في الحقيقة تتباطأ في المضي قدما في تنفيذ برنامج إصلاح سياسي ديمقراطي حقيقي، ولم تكن التعديلات الدستورية الأخيرة التي جرت في مارس/ آذار 2007، بالدافع المؤثر حقيقة، أو حتى المبشر بمزيد من الإصلاح السياسي والتطوير الديمقراطي في المستقبل القريب!

وصار معروفا عند كثيرين من عامّة الناس، باستثناء الحزب الحاكم والسلطة التنفيذية، أن هدف هذه التعديلات، هو إحكام قبضة هذه السلطة التنفيذية وحزبها على الأمور، وإقصاء القوى المعارضة خصوصا جماعة الإخوان، التي رأت فيها خطرا في الحاضر والمستقبل، والاستمرار في الهيمنة على إدارة الانتخابات، والتحكم في الحريات العامة والخاصة، وفق ما جاء به تعديل المادة 179 من الدستور!

وإذا كانت الشريحة الثرية والباحثة عن مزيد من الثروة والسلطة، قد نجحت في إتمام زواج السلطة والمال، ورأت في التعديلات الدستورية هذه، دعما لتصاعد نفوذها وتراكم ثرواتها، فإن الفقراء والمهمشين يرون في كل ما يجري سياسيا واقتصاديا، حربا ضدهم، وبالمقابل ترى غالبية المثقفين والمهنيين، أن هذا الاحتقان سيؤدي إلى صدام حتمي، يدمر ما بقي من تماسك في المجتمع، ويساعد بالتالي على سرعة تطبيق نظرية «الفوضى الخلاقة» التي صدّرتها لنا إدارة الرئيس الأميركي بوش وعصابة المحافظين الجدد، بهدف هدم كيان مجتمع قديم بتقسيمه في المستقبل، على غرار ما يجري في العراق والصومال والسودان... إلخ!

ولأن الأمر بهذه الخطورة الحاملة لكل هذه التهديدات، فإن من واجبنا أن ننبّه ونحذّر وندق جميع أجراس الإنذار، لعلنا نستدرك سريعا، ونفيق من الغيبوبة والعناد والغي، ونصحح الأخطاء الجسيمة، التي أدت إلى إنزال نصف المجتمع على الأقل، إلى ما تحت خط الفقر، والتي أطلقت العنان لتحالف الاستبداد مع الفساد، ولتحالف الفقر مع التطرف والاحتقان مع نذر الطائفية!

فما البديل إذا؟...

لا حلول سحرية، ولا بدائل معلبة، لكن الانطلاق الحقيقي والشجاع في هذه المواجهة العصيبة، يبدأ بإقامة نظام تعددي ديمقراطي سليم، يؤسس دولة القانون، ويضعها تحت الرقابة والمحاسبة والمساءلة، ويقر استقلال القضاء وتداول السلطة واحترام الآراء المتعددة والمختلفة، ويطلق حرية الصحافة والرأي والتعبير.

مثل هذا النظام الديمقراطي وحدَه القادر على طرح رؤية سياسية اقتصادية اجتماعية وطنية تعتمد التنمية الشاملة بمشاركة القطاع الخاص، وإعادة تأهيل القوة البشرية الهائلة، مع تحديث المنظومة الثلاثية المعروفة، وهي: التعليم والثقافة والإعلام...

ربما يكون الكلام سهلا والتنفيذ صعبا، لكن الوضع يستدعي المبادرة الجريئة المبنية على أسس علمية وواقعية، تعيد تشكيل معادلة «الحرية والعدالة الاجتماعية»، من دون الخضوع المطلق لإملاءات الخارج وإغراءاته أو ضغوطه...

أم أن هذه المعادلة، أصبحت مثالية بعيدة المنال، كما يدعون!

خير الكلام

من ديوان الشعر:

ألقاهُ في اليمّ مكتوفا وقال له

إياكَ إياكَ أن تبتلَ بالماءِ

إقرأ أيضا لـ "صلاح الدين حافظ"

العدد 1741 - الثلثاء 12 يونيو 2007م الموافق 26 جمادى الأولى 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً