العدد 1749 - الأربعاء 20 يونيو 2007م الموافق 04 جمادى الآخرة 1428هـ

رجال الأمن في البحرين وإنفاذ القانون (2)

فريدة غلام إسماعيل comments [at] alwasatnews.com

في المقال السابق تطرقنا إلى بعض صكوك حقوق الإنسان الدولية ذات الصلة بانفاذ القوانين ومن بينها المبادئ الأساسية المعتمدة من قبل الأمم المتحدة المتعلقة باستخدام القوة والأسلحة النارية من جانب الموظفين المكلفين بانفاذ القوانين.

هذا المقال سيتناول مدونة الأمم المتحدة لقواعد سلوك الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين لأهميتها في تبني رؤية مجتمعية متحضرة للتعامل مع حقوق الإنسان، الإنسان بوصفه إنسانا له كرامة واحترام، وليس جزءا من قطيع تتصرف فيه الدولة وأجهزتها الأمنية كما تشاء.

المدونة هذه ومبادئ الأمم المتحدة الأساسية بشأن استخدام القوة والأسلحة النارية من جانب الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين يطرحان الأسئلة المهمة مثل ما هو الاستخدام المشروع للقوة إذا ما اضطرت الشرطة لاستخدامه للحفاظ على أمن وسلامة السكان... وكما أوردنا في المقال السابق فإن التشديد كبير على أن استخدام القوة يجب ألا يتسم بالتعسف، بل يحتكم إلى مبدأي الضرورة والتناسبية لاستخدام القوة من جانب الشرطة في كل الأحوال وألا يستخدم إلا «دفاعا عن النفس أو درءا لخطر وشيك يهدد بالموت أو الإصابة الخطيرة».

مدونة الأمم المتحدة لقواعد سلوك الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين... هل يرتقي سلوك جهازنا الأمني إليها؟

اعتمدت هذه المدونة ونشرت من قبل الأمم المتحدة في 17 ديسمبر/ كانون الأول 1979وتتألف من ثماني مواد بتعليقات توضيحية على كل مادة. وسنورد بعض المواد التي نراها تنتهك باستمرار في البحرين وخصوصا في الآونة الأخيرة…

(المادة 2) «يحترم الموظفون المكلفون بإنفاذ القوانين، أثناء قيامهم بواجباتهم، الكرامة الإنسانية ويحمونها، ويحافظون على حقوق الإنسان لكل الأشخاص ويوطدونها».

(المادة 3) «لا يجوز للموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين استعمال القوة إلا في حالة الضرورة القصوى وفي الحدود اللازمة لأداء واجبهم». ( المادة 5 ) «لا يجوز لأي موظف من الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين أن يقوم بأي عمل من أعمال التعذيب أو غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، أو أن يحرض عليه أو أن يتغاضى عنه، كما لا يجوز لأي من الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين أن يتذرع بأوامر عليا أو بظروف استثنائية .... لتبرير التعذيب أو غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة».

( المادة 6) «يسهر الموظفون المكلفون بإنفاذ القوانين على الحماية التامة لصحة الأشخاص المحتجزين في عهدتهم، وعليهم، بوجه خاص، اتخاذ التدابير الفورية لتوفير العناية الطبية لهم كلما لزم ذلك».

(المادة 7) «يمتنع الموظفون المكلفون بإنفاذ القوانين عن ارتكاب أي فعل من أفعال إفساد الذمة. وعليهم أيضا مواجهة جميع هذه الأفعال ومكافحتها بكل صرامة».

(المادة 8 ) «على الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين احترام القانون وهذه المدونة. وعليهم أيضا، قدر استطاعتهم، منع وقوع أي انتهاكات لهما ومواجهة هذه الانتهاكات بكل صرامة. وعلى الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين، الذين يتوفر لديهم ما يحملهم على الاعتقاد بوقوع أو وشك وقوع انتهاك لهذه المدونة، إبلاغ الأمر إلى سلطاتهم العليا وكذلك، عند اللزوم، إلى غيرها من السلطات والأجهزة المختصة التي تتمتع بصلاحية المراجعة أو رفع الظلامة».

أترك التعليق للقراء للمقارنة بين مضامين هذه المدونة الراقية والحضارية وبين ما يشهده الناس العزل من تصرفات رجال الأجهزة الأمنية في تفريق تجمعات التعبير عن الرأي في البحرين المرخصة وغير المرخصة.

احترام المادة (3) في مدونة السلوك وتحقيق مستقل... مطالب منظمة هيومن رايتس ووتش

في أعقاب ضرب واعتقال كل من علي سعيد الخباز وحسن يوسف حامد، يوم الاثنين 21 مايو/ أيار الماضي في منطقة السنابس وبعد تفريق شرطة مكافحة الشغب مجموعة من الأشخاص في وقفة احتجاجية على سلوك الشرطة في الليلة السابقة، أرسلت المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمنظمة هيومن رايتس ووتش بتاريخ 31 مايو رسالة إلى جلالة الملك وقبل ذلك في 25 مايو رسالة إلى وزير الداخلية وهي الرسالة الأولى الموجهة إليه، تصف فيها الانتهاكات التي لاقاها هؤلاء المواطنين في تباعد شديد عن روح المدونة والمادة (3) تحديدا حول الضرورة والتناسبية في استخدام القوة.

لقد أثبتت صور المعتقلين ممارسات الضرب المبرح والتعذيب الذي تعرضا إليهما، هم وغيرهم، كما يرجح. أما المعلومات عن مكانهما وحالتهما فقد أخفيت عن ذويهما وأهلهما الذين ذهبوا يجوبون المستشفيات ومراكز الشرطة ، وبدل أن يدلي رجال الشرطة بالمعلومات إلى الأهل المذعورين، قاموا بتفريقهم بعيدا عن المركز باستخدام الشغب مجددا. أنظروا الاحترام والالتزام بالمبادئ المهنية.

وحتى بعد أن أبلغ المسئولين بوزارة الداخلية أهل الخباز عن وجوده بمستشفى العسكري بعد ثمانية أيام وسمحوا بالزيارة، رفضوا اطلاع الأسرة على تقرير الإصابات التي ألمت به. ثم حظروا أية زيارات أخرى.

الرواية الرسمية هي أن الخباز سقط وأصيب في وجهه ثم قاوم الاعتقال وإصاباته إنما ممن حذف الحجارة على الشرطة، وأن معاملة الشرطة للخباز كانت إنسانية. حالة حامد يوسف لم تكن أحسن، فقد أُصيب بكسر في الفك وتكسرت إحدى أسنانه في دلالة على انخراط رجال الأمن في ممارسة التعذيب والتمادي غير المبرر في استخدام القوة. رسالة المنظمة سردت في مهنية عالية كيف يتعارض سلوك رجال الأمن في البحرين مع مضامين قانون حقوق الإنسان الدولي ومدونة الأمم المتحدة السلوكي الخاص بمسئولي تطبيق القانون، مؤكدة أنه «لا يحق لمسئول عن تطبيق القانون أن يرتكب أو يحرض على أو يجيز، أي من أفعال التعذيب أو أي معاملة قاسية، أو غير إنسانية، أو حاطة من الكرامة، أو عقاب».

التحقيق المستقل في الانتهاكات حق ومطلب شعبي

نظرا لأن الناس لم يعدوا يثقون باللجان الرسمية أو تفسيرات المسئولين الرسمية، مقابل الحقيقة التي يرونها بأم أعينهم على الأرض، ومثلما طالبت منظمة هيومن رايتس ووتش، ينبغي تشكيل مجلس مستقل في البحرين للتحقيق في مزاعم ومشاهد استخدام العنف المتزايد والشرس من قبل أجهزة الأمن، التي يفترض فيها حماية الناس لا تعذيبهم. وحتى يحقق هذا المجلس هدفه في إنصاف الناس وإرساء مبادئ السلوك السليم من قبل أجهزة الأمن، ينبغي أن يكون تحت إشراف مستقل معروف بنزاهته وحياده ويمتلك الصلاحيات والميزانيات المطلوبة، فلا يحجب عنه شيئ من الوثائق، ولا يتخلف عن الشهادة فيه أحدا من المسئولين... وينبغي أن تعلن كافة التوصيات والنتائج للعامة بما فيها الملاحقات القضائية الجنائية والإجراءات الجديدة المقترحة لحفظ النظام ورعاية المواطنين.

أتساءل أنسرد أحلاما ؟!

ربما هو حلم الآن ولكن مآل الأحلام النيرة التحقق عندما نرعاها جماعيا...

إقرأ أيضا لـ "فريدة غلام إسماعيل"

العدد 1749 - الأربعاء 20 يونيو 2007م الموافق 04 جمادى الآخرة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً