العدد 2261 - الخميس 13 نوفمبر 2008م الموافق 14 ذي القعدة 1429هـ

فتاوى عنصرية تستبيح قلب فلسطين

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

في فلسطين المحتلة، نلتقي بمزيدٍ من الفتاوى العنصرية لمرجعيات الإفتاء اليهودي التي تجيز لليهود الاعتداء على منازل الفلسطينيين، والاستيلاء عليها، وسرقة محاصيلهم، وتسميم آبار المياه الفلسطينية، وقتل دوابّهم، إلى جانب فتاوى أخرى تبيح لجيش الاحتلال إطلاق النار في شكل مباشر على التجمّعات السكانية الفلسطينية.

وقد عمل المستوطنون الصهاينة بهذه الفتاوى، فقطعوا أشجار الزيتون، وجرفوا مزارع الفلسطينيين، واعتدوا على العمّال الفلسطينيين في بساتينهم وحقولهم، وخصوصا في الخليل، وعاثوا فسادا وقتلا وتدميرا في أماكن عديدة من الضفَّة الغربية ولايزالون، مستفيدين من الفرصة التي يهيئها لهم جيش الاحتلال بمنع الفلسطينيين من الردِّ على العدوان بمثله، أو حتى الدفاع عن النفس، وتذرَّع المسئولون الصهاينة بأنَّه ليس في مقدورهم حراسة بساتين الزيتون. وإلى جانب ذلك، ينطلق جيش الاحتلال بطائراته ودّباباته في عملية وحشية جديدة في قطاع غزة المحاصر، ليرتكب مجزرة جديدة على مرأى ومسمع من العالم الراضي أو الصامت.

ونحن، أمام هذا الواقع العدواني والوحشي، نسأل الأمم المتحدة وأمينها العام: ماذا صنعتم للشعب الفلسطيني؟ وهل إن واجباتكم ومسئولياتكم تقتصر على إدانة أية عملية يقوم بها هذا الشاب الفلسطيني أو ذاك كرد فعل على جرائم الصهاينة؟ ونسأل دول الاتحاد الأوروبي خصوصا، والدول الغربية عموما، التي تثير الحديث دائما عن التطرف الإسلامي: لماذا لا تتحدثون عن التطرف اليهودي وعن هذه الفتاوى العنصرية التي لا نعرف مثيلا لها في العالم كله؟

أما العالم العربي الذي لم يرفّ له جفن، ولم تنطلق منه مواقف ذات وزنٍ تدين الهجوم الأميركي على العمّال السوريين في الـ»بوكمال» السورية، فلن نطلب منه ولا من جامعته العربية شيئا، لأنه عالمٌ خاضع على مستوى الأنظمة، ومقهورٌ على مستوى الشعوب. ولكننا نقول للفلسطينيين الذين ابتلوا بعدوّ غاشم، وبأنظمة عربية متخاذلة: إن عليكم أن تعدّوا العدّة لمواجهة حملات الإرهاب الإسرائيلية بأنفسكم، وأن تقلعوا أشواك الاحتلال بأظافركم، لأنه لا جدوى من التعويل على عالمٍ عربيٍّ ماتت فيه النخوة، وعالم إسلامي تضاءلت فيه الهمم، وأعانكم الله على هذه الآلام في عالم لا ضمير له، ولا محرّك لوجدانه إلا مصالحه وأطماعه.

أميركا: هل تتوازن

الإدارة الجديدة في مواقفها؟

وفي المشهد الأميركي، نلتقي في صورة رئيس جديد يطل على العالم بعد ثماني سنوات من حكم إدارة دموية طاغية، أجازت لنفسها استباحة العالم العربي والإسلامي بحروبها الاستباقية، واستباحة العالم كله بقراراتها الفوقية، فدمّرت الاقتصاد الأميركي، وعبثت باقتصاد العالم.

إننا في الوقت الذي نعرف أنَّ الإدارات الأميركية لا يختلف كثيرا بعضها عن بعض، وخصوصا في الذهنية الإمبراطورية التي تحاول التحكّم بالعالم أمنيا وسياسيا واقتصاديا، إلا أننا نعرف أنَّ الولايات المتحدة الأميركية اليوم تختلف كثيرا عنها بالأمس، وخصوصا في بنيتها الاقتصادية والسياسية، وفي المآزق التي تعيشها، وخصوصا في أفغانستان والعراق، ولذلك فنحن نوجِّه النصيحة للإدارة القادمة بأن تتوازن في مواقفها، لأنَّ أعباء الملفَّات التي تركها جورج بوش الابن ونائبه ديك تشيني، هي أعباء ثقيلة تنوء بها أكبر الإدارات، فليس من الحكمة بمكان أن تصنع الإدارة الجديدة عداواتٍ جديدة لها في طول العالم العربي والإسلامي وعرضه، أو أن تجعل «إسرائيل» في قائمة أولوياتها، لأننا نعرف أن الهموم الأميركية باتت كبيرة جدا، الأمر الذي يفرض على القادمين الجدد وحاملي لواء التغيير أن يتواضعوا قليلا، لأن قواعد اللعبة تغيّرت عالميا وفي المنطقة.

وفي هذه المناسبة، نتوجَّه إلى العراقيين الذين يتعرَّضون لسيلٍ من التهديدات الأميركية في هذه الأيام، لدفعهم إلى التوقيع على الاتفاقية الأمنية مع الاحتلال كيفما اتفق، لنقول لهم إنَّ عليهم أن يصرّوا على الموقف الحاسم الرافض لأيِّ انتقاص لسيادتهم، وعلى عدم الإفساح في المجال أمام إقامة أية قواعد عسكرية للاحتلال، بما فيها تلك التي وافقت عليها كردستان التي تتحرك كدولة كردية مستقلة بعيدا عن الموقع الاتحادي للدولة العراقية.

كما نتوجه إلى العرب والمسلمين، لندعوهم إلى الخروج من دائرة الرهان على أية إدارة أميركية جديدة، لأنّ هذه الإدارات لا تتطلّع إلى المنطقة إلا من نافذتي النفط و»إسرائيل»، لذلك فسيبقى العالم العربي والإسلامي بالنسبة إليهم البقرة الحلوب التي تدرُّ نفطها لحسابهم، وتخضع أوضاعها الحيوية لمتطلّبات اقتصادهم، وسيواصل هؤلاء الضغط على العالم العربي والإسلامي تحت عنوان الحرب على الإرهاب ما لم يهبَّ العرب والمسلمون هبَّة الرجل الواحد لانتزاع حقوقهم، وطرد المحتل الغاصب من أراضيهم.

لبنان: انتهاكات صهيونية

متكرِّرة للأراضي والمياه

أمّا في لبنان، فنحن نلتقي بالطلعات العدوانية للطيران الحربي الصهيوني في كل يوم، وبالانتهاكات البريّة للعدو، من دون أن يُحرّك هذا العدوان ساكنا في الأمم المتحدة، ولا في تقارير أمينها العام ومندوبيه الذين لا يثيرون الحديث عن انتهاكات العدوّ المستمرة للقرار 1701، ولا شغل لهم إلاّ إثارة الحديث عن القرار 1559، في الوقت الذي تأخذ «إسرائيل» كل حريتها في الاعتداء على سورية ولبنان، وتنتهك كل القرارات الدولية في جرائمها المتواصلة، من دون أن يحاسبها أحد.

من جهةٍ أخرى، فإنَّ الأطماع الإسرائيلية بالمياه اللبنانية وسرقتها لبعض امتداداتها، لاتزال تمثل خطرا على مصادر المياه في لبنان. ولعلّ أخطر الأمور هو تعطيل مشروع الليطاني الذي جمّدته السياسات اللبنانية المعقّدة والخاضعة للخطط الدولية، ولاسيما الولايات المتحدة الأميركية، حتى تتمكّن «إسرائيل» من القول إنها بحاجة إلى مياهه التي تذهب هدرا إلى البحر، من دون أن ينتفع بها أحد.

إننا ندعو الحكومة اللبنانية إلى القيام بدراسةٍ واسعةٍ شاملةٍ من أجل القيام بتنفيذ هذا المشروع للشرب والريّ، وتطوير الزراعة للمناطق اللبنانية المحرومة الظامئة، ولاسيما منطقة الجنوب، لأن مسئوليتها هي أن تحافظ على الثّروة المائية والزراعية والنقدية والاقتصادية التي قد تؤدي إلى توفير ثروةٍ إنمائية في الجانب الاقتصادي، تكفل للوطن الوصول إلى بعض الموارد التي تساهم في التخلّص من المديونية التي كادت أن تدمِّر البلد، لأنها تأكل الإنتاج الوطني بفوائدها الساحقة. إن الحكومة التي لا تقوم بالتخطيط لمشروعاتها الإنتاجية، هي حكومة لا ترتفع إلى مستوى المسئولية عن الدولة والشعب والوطن كله.

وفي الشأن الداخلي اللبناني، يلتقي اللبنانيون، الخاضعون لأكثر من خلفية إقليمية أو دولية أو عقدة طائفية أو حزبية أو مذهبية أو شخصانية، يلتقون مجددا على طاولة الحوار، بما يُنفِّس فيه الكثيرون عن تعقيداتهم الخاصة، وبما يطلّ على نتائج المعركة الانتخابية القادمة التي قد يسعى أكثر من محور دولي وإقليمي عبرها للتقليل من خسائره فيها، أو لاستدراك مفاعيل ما يحصل في المنطقة والعالم، فيما تسعى محاور أخرى لاستثمار ذلك في حركتها السياسية وغير السياسية تجاه لبنان، في ظل حديثٍ لا ينقطع عن المال السياسي الذي بدأ يزحف إلى الجيوب اللبنانية الخاوية أو غير الخاوية قبل أن يأتي ربيع الانتخابات.

إنّنا نحذّر من الآن من ذهاب الأصوات اللبنانية إلى صناديق الاقتراع الإقليمية أو الدولية، ونقول للبنانيين إن المرحلة التي تنتظرهم هي من أصعب المراحل وأعقدها، لأننا نعتقد أن الزلزال الاقتصادي والسياسي الذي يضرب العالم في هذه الأيام ستكون له تردّداته في المنطقة وفي لبنان، لذلك فإنّ المسئولية الكبرى تقع على عاتق من هم في موقع المسئولية الرسمية قبل غيرهم، لكي يتحلّوا بالكثير من الحكمة والمرونة والإخلاص - الذي بات عملة نادرة عندنا - لاجتناب ما يزرعه الكثيرون من ألغام قاتلة، وللبدء بمسيرة البناء بعدما أكلت مسيرة الهدم الأخضر واليابس، فلم يبق إلاّ القليل.

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 2261 - الخميس 13 نوفمبر 2008م الموافق 14 ذي القعدة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً