العدد 1755 - الثلثاء 26 يونيو 2007م الموافق 10 جمادى الآخرة 1428هـ

ليس الأمر هو الدين

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

أحد الافتراضات الأساسية الأكثر انتشارا في الطرح السائد عن التكامل الأوروبي المسلم هو أن التديُّن المسلم يشكل خطرا على أوروبا. لذلك أطلقت نتائج عدة استطلاعات أجريت أخيرا أجراس الإنذار في أوروبا التي يسودها التوتر والتي ما فتأت تهتز من تفجيرات مدريد ولندن. على سبيل المثال أظهرت نتائج استطلاع أجرته مؤسسة «بيو» أنه إذا أعطي الاختيار للمسلمين البريطانيين والفرنسيين والألمان لأن يتم التعريف بهم من خلال هويتهم المسلمة قبل تبعيتهم لتلك البلاد يختار غالبيتهم عقيدتهم الدينية. ويعتبر البعض هذه النتائج كإثبات على خطورة تكييف الفروقات الدينية، وطالبوا بأن يفرض على المسلمين في أوروبا التنازل عن هويتهم المسلمة.

يناقش هؤلاء الذين يؤمنون بعدم إمكان التوفيق بين الهويتين الغربية والمسلمة بأن التدين المسلم، والذي يعبَّر عنه بالرموز الدينية والتزمّت الأخلاقي، هو وصفة لجاليات مسلمة منعزلة بشكل متزايد، وتغريب معمق عن الهوية الوطنية الأوروبية. هذه الجاليات المعزولة، بحسب ذلك الحوار، هي «حفر امتصاصية» للتطرف والتشدد. التكامل، الذي يعرّف بأنه الالتزام بثقافة الغالبية، يُنظر إليه إذا على أنه إجراء أمني حيوي.

إلا أن دراسة جديدة أجرتها مؤسسة غالوب ترسم صورة مختلفة كليا، على رغم أن المسلمين في عواصم أوروبية ثلاث متدينون إلى درجة عالية، فإن ذلك لا يؤدي إلى عدم التسامح تجاه الأديان الأخرى أو إلى الافتقار إلى الولاء الوطني أو التعاطف مع الأعمال الإرهابية.

وعلى رغم أن التدين يعتبر أحيانا بأنه يؤدي إلى نظرة شمولية للعالم ورأيا سلبيا تجاه غير المؤمنين، فقد وجدت دراسة غالوب توجها معاكسا. فقد تبين أن المسلمين في باريس ولندن، وهم الأكثر تدينا من نظرائهم من الجمهور العام، يتقبلون المسيحيين بشكل أوسع مما يتقبل الجمهور العام المسلمين. المسلمون في هذه العواصم على استعداد، وبنسبة تزيد على عشرة أضعاف، لأن يعربوا عن آراء إيجابية تجاه «الأصوليين المسيحيين» والكاثوليك مقابل آراء سلبية. من ناحية أخرى كان الجمهور العام في فرنسا وبريطانيا من حيث المبدأ على استعداد مماثل للإعراب عن آراء إيجابية بشكل مماثل للآراء السلبية تجاه المسلمين، بينما ترتفع احتمالات أن يعرب الجمهور الألماني عن آراء سلبية تجاه المسلمين بنسبة أربعة أضعاف مقارنة بآراء إيجابية. كما تبين أن المسلمين على استعداد كذلك لمساندة حق غير المسلمين لإبراز رموزهم الدينية مثلما يدعمون حق المسلمين بالقيام بذلك.

كذلك فإن احترامهم الكبير لدينهم لم يحد من ولاء المسلمين الوطني. بدلا من ذلك تظهر البيانات أن الهويات الدينية والوطنية هي مفاهيم متكاملة وليست متنافسة، الأمر الذي يُفشل الافتراضات الأساسية التي ترتكز عليها فكرة الإسلام ضد الغرب. لا يعرب هؤلاء المسلمون المقيمون في المدن عن انتماء قوي لدينهم فحسب وإنما هناك احتمال بأن يعربوا عن انتماء قوي، مثلهم مثل الجمهور العام، للدولة التي يقيمون فيها. وهناك احتمالات أعلى قليلا بأن يفعل المسلمون من سكان مدينة لندن ذلك مقارنة ببقية المسلمين في المملكة المتحدة.

ومما يتحدى الحكمة التقليدية السائدة كذلك أن مستوى عاليا من التدين المسلم وما يتبعه من وجهات نظر أخلاقية محافظة لم تترجم إلى شعور بالتهديد من طرف «الغرب الذي يعيش في الخطيئة» وبالتالي إلى رغبة من قبل المسلمين بالانكماش والتقوقع بهدف الحفاظ على هويتهم. بدلا من ذلك هناك احتمال أقل قليلا بأن يشعر المسلمون في كل مدينة أوروبية، مقارنة بالجمهور العام، بأن الذين يتبعون ممارسات دينية تختلف عن ممارساتهم يشكلون تهديدا لأسلوب حياتهم، وهناك احتمال أكثر بقليل بأن يقول هؤلاء بأنهم يفضلون العيش في حي مختلط.

بغض النظر عن ذلك فإن الأمن هو جوهر قضية التكامل: هل الجاليات المسلمة بشكل مميز ثقافيا هي أكثر تسامحا بشكل نسبي تجاه العنف، وبالتالي تملك قابلية كامنة لأن تكون، كبيئة اجتماعية، أكثر عرضة للتطرف؟ الإجابة سلبية بحسب البيانات. على رغم أن العالم مازال بعيدا عن إجابة مؤكدة عن سبب تحول إنسان ما إلى الإرهاب فإن نتائج دراسة غالوب تنفي الاعتقاد السائد بشأن التحول إلى التشدد والتطرف، وتظهر أن الجاليات المسلمة هي على استعداد، مثلها مثل غيرها، لرفض النشاطات الإرهابية. المسلمون في هذه المدن الأوروبية الثلاث على الأقل على الاستعداد نفسه، مقارنة بالجمهور العام، لإدانة الهجمات الإرهابية على المدنيين وعدم تبرير استخدام العنف أخلاقيا، حتى ولو كان ذلك لسبب «نبيل».

إضافة إلى ذلك، وبعد تحليل بيانات استطلاعية تمثل أكثر من 90 في المئة من السكان المسلمين عالميا، لم تجد مؤسسة غالوب أية علاقة متبادلة بين مستوى التدين عند شخص ما والتعاطف مع الأعمال الإرهابية. الفرق الحقيقي بين هؤلاء الذين يتغاضون عن الإرهاب، أو يشجعونه والغالبية العظمى التي تشجبه، ينبع من اختلافات سياسية وليست دينية أو ثقافية.

وتقترح هذه النتائج أن الاستمرار في الدفع باتجاه الالتزام الثقافي كمصل مضاد للتطرف والتشدد يخطئ الدوافع الحقيقية للتطرف ويخاطر بعزل الغالبية المعتدلة.

من الأمور الحيوية أن يبدي صانعو السياسة والقانون بعض الاهتمام ببيانات كهذه في أوروبا وغيرها لتجنب تحويل أزمة تكامل وهمية إلى أزمة حقيقية.

*مديرة معهد غالوب للدراسات الإسلامية ومؤلفة مشاركة مع جون إسبوزيتو لكتاب قيد النشر ،عنوانه «من يتكلم لصالح الإسلام: الإنصات لأصوات مليار مسلم»، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 1755 - الثلثاء 26 يونيو 2007م الموافق 10 جمادى الآخرة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً