العدد 1758 - الجمعة 29 يونيو 2007م الموافق 13 جمادى الآخرة 1428هـ

استحقاقات لبنانية/ إقليمية ثلاثة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

ثلاثة استحقاقات تنتظر لبنان في الأشهر الثلاثة المقبلة. وفي ضوء الاستحقاقات وتداعياتها يمكن ترسيم صورة الكيان ومستقبله. موعد الاستحقاق الأول في 5 أغسطس/ آب المقبل الذي أعلنت عنه حكومة فؤاد السنيورة ويقضي بإجراء انتخابات فرعية في بيروت والمتن الشمالي لشغل مقعدين نيابيين شغرا بعد اغتيال القاضي وليد عيدو وقبله الوزير بيار أمين الجميل. الموعد المذكور أسس خلافات قانونية ودستورية بين قوى «8 و14 آذار». فالأولى (8 آذار) تحفظت على الدعوة وبادرت إلى وضع ملاحظات عليها معتبرة إياها ليست ضرورية ولا تحتل موقع الأولويات وخصوصا أن رئيس الجمهورية غير متحمس على توقيع المرسوم. والثانية (14 آذار) أكدت على قانونية الدعوة مستندة في ذلك إلى مادة دستورية تلزم الدولة بإجراء انتخابات فرعية في حال شغر المقعد في مدة زمنية لا تتجاوز الشهرين. وألحق هذا الفريق دعوته بتهمة سياسية تنص على أن الفريق الذي يرفض أو يعطل إجراء الانتخابات الفرعية يكون في صف الطرف المجرم الذي أقدم على ارتكاب الاغتيالين بقصد تقليص عدد الغالبية النيابية لمصلحة قوى إقليمية لا تريد للدولة اللبنانية أن تنهض من جديد.

الاستحقاق الثاني موعده في 25 سبتمبر/ أيلول، وهو الذي أعلن عنه رئيس المجلس النيابي نبيه بري لانتخاب رئيس جديد للجمهورية. الموعد الثاني لا خلاف سياسيا عليه بين «8 و14 آذار». ولكن عدم الاختلاف لا يعني انتفاء وجود وجهات نظر تتصل بشخصية الرئيس وصورته ومواقفه وطبيعته وارتباطاته ووزنه في الشارع المسيحي. إلى ذلك هناك وجهات نظر دستورية بشأن الإجراءات القانونية الواجب اتباعها لانتخاب الرئيس. قوى «8 آذار» تشترط غالبية الثلثين لتأمين النصاب القانوني. وقوى «14 آذار» ترى أن الثلثين مطلوبة في الجلسة الأولى بينما الغالبية النسبية كافية في الجلسة الثانية لاختيار الرئيس.

الاستحقاق الثالث لا موعد له ويتعلق بموضوع الحكومة وتوسيعها أو إعادة تشكيلها والبرنامج الذي يجب أن تتبعه خلال الفترة الانتقالية. والخلاف على مسألة الحكومة يتفرع إلى مجموعة مستويات. فهناك موضوع التركيبة والتمثيل الطائفي والمذهبي فيها وتوزيع المقاعد بحسب أحجام الكتل البرلمانية. وهناك موضوع البيان والنقاط الواجب الالتزام بها. وهناك موضوع توقيت تشكيل الحكومة وهل يكون قبل انتخابات الرئاسة (25 سبتمبر) أم بعد اختيار رئيس جديد للجمهورية.

وبسبب الاختلاف على النقاط المذكورة تأسست وجهات نظر متضاربة بين 8 و14 آذار أدت إلى تشكيل تحالفات سياسية ساهمت في توتير التجاذبات الأهلية والاستقطابات الإقليمية وظهور نظريات «الخطوط الحمر» بعد الإعلان عن بدء الاعتصام في وسط بيروت التجاري.

الاستحقاقات الثلاثة تقرر الكثير من التطورات وربما تعدل توازنات سيكون لها دورها في رسم صورة مستقبل الكيان اللبناني. فالاستحقاقات محلية في ظاهرها (نواب، وحكومة، ورئاسة جمهورية) وفي باطنها تعكس امتدادات إقليمية ودولية ترتبط بمجموعة احتمالات قد تطرأ على ساحتي العراق وفلسطين خلال الأشهر الثلاثة المقبلة. وبسبب هذه الصلة التفاعلية بين بلاد الأرز وبلاد الرافدين وغزة والضفة يمكن أن تشهد ساحة لبنان (المكشوفة والمفتوحة) سلسلة استقطابات إقليمية ودولية سترفع من حدة التجاذبات الطائفية والمذهبية من الشمال إلى الجنوب وأكثر عنفا مما هو حاصل الآن.

استحقاقات إقليمية

بعد ثلاثة أشهر ستتضح الكثير من معالم الصورة الإقليمية وخصوصا في النقاط الساخنة الممتدة من بغداد إلى غزة. ففي العراق مثلا سيضطر الرئيس جورج بوش إلى تقديم تقرير إلى الكونغرس بشأن الخطة الأمنية في نهاية سبتمبر ومدى نجاحها. والتقرير العسكري سيتضمن بالضرورة إشارات سياسية عن النتائج المترتبة عن البقاء أو التجميع أو خروج القوات المحتلة ضمن مهلة زمنية محددة. والإشارات السياسية المفترض توضيحها في التقرير ستأتي على ذكر دول الجوار ودورها في المساعدة أو المشاركة في صنع مستقبل العراق.

وفي فلسطين أيضا ستتضح صورة الانقسام السياسي بين حكومة الطوارئ (فتح) وحكومة غزة (حماس) وتأثيرها على المفاوضات الإقليمية التي يرجح أن تتم بإشراف اللجنة الرباعية الدولية التي أوكلت إلى رئيس الحكومة البريطاني السابق طوني بلير. والموضوع الفلسطيني ليس منفصلا عن التطورات الإسرائيلية واحتمال استقالة حكومة إيهود أولمرت أو إعادة تشكيلها والدعوة إلى انتخابات مبكرة حتى تكون التعديلات منسجمة مع «الإخفاقات» التي ذكرها تقرير لجنة فينوغراد. فالتقرير يرجح أن ينشر بنصه الكامل في نهاية سبتمبر أو مطلع أكتوبر/ تشرين الأول وبالتالي ستكون له انعكاساته على موقع حكومة أولمرت ودورها.

الشأن اللبناني إذا ليس منفصلا عن تفاعلات المنطقة والاحتمالات التي تواجهها في الأشهر الثلاثة المقبلة وهي تميل عموما إلى السخونة مهما حاولت الأطراف المعنية سكب المياه الباردة عليها. فالملف العراقي يحتل أولوية في السياسة الأميركية. والملف الإيراني يحتل أولوية في السياسة الدولية. والملف الفلسطيني يحتل أولوية في السياسة العربية. وكل هذه الملفات لها أطيافها السياسية في الساحة اللبنانية التي تتشكل من تنويعات طائفية ومذهبية ومناطقية وفلسطينية (مخيمات ومنظمات موزعة بين فتح وحماس) وجوارية تلعب دورها في ترتيب التوازنات المحلية.

الاستحقاقات اللبنانية الثلاثة المطروحة على الساحة المحلية في الأشهر الثلاثة المقبلة مرتبطة إقليميا بثلاثة تطورات ينتظر تبلور صورها في الفترة نفسها. فالعراق يتصل ملفه بإيران وسورية. وفلسطين يتصل ملفها بدول الجوار الجغرافي. ولبنان يتصل ملفه بفلسطين وسورية وإيران. وفي المجموع العام هناك سياسة أميركية تشرف على إدارة الصراع وإعادة تركيبه لينسجم مع مصالحها واستراتيجيتها وموقعها ودورها وسمعتها الدولية.

لبنان إذا على موعد أول في 5 أغسطس. وثانٍ في 25 سبتمبر. وثالث مفتوح زمنيا. والاحتمال الأخير (تشكيل حكومة ثانية) بدأ يضغط بقوة على الموعدين الأول (انتخابات نيابية فرعية) والثاني (انتخاب رئيس للجمهورية). وهذا يعني زمنيا أن البلد سيشهد تطورات قد تكون دراماتيكية قبل اقتراب موعد 5 أغسطس.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1758 - الجمعة 29 يونيو 2007م الموافق 13 جمادى الآخرة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً