في الوقت الذي تمكّن فيه من دخول قلوب الكثير من المواطنين والمقيمين... انتقده كثيرون أيضا! البعض وجد في فنه وتمكنه من اللهجات البحرينية، بتلونها الريفي والمدني، ومحاكاتها للواقع، خطوطا حمراء، لكنه أتقن نقل الكثير من صور مجتمعية بروح طريفة حلوة، وهو اليوم، يواجه حاجزا وهميا ممن يرفضون الابتسامة ويفتعلون المشكلات، ووسط ذلك كله، يرى أن من حقه كفنان، أن يمارس فنه بلهجته، ويركّز من خلالها على قضايا الناس وهمومهم، حتى ترتسم الإبتسامة على الوجوه، ثم تتحوّل إلى ضحكة تفرغ ما في النفس من آلام.
المونولوجيست البحريني علي مهنا، تناول من القضايا ما يمكن أن تقف الأقلام عاجزة أمامه، منتقلا في «مسجاته» وتسجيلاته ومشاهده التمثيلية، من قضية إلى موقف، ومن موقف إلى هم، ومن هم إلى ابتسامة.
تجاوز المحظور وتعالى عن إشاعات وصفته «بالهازئ»، وتفنن في تقليد صوت السيدة العجوز، والرجل «الشايب» ولم يقل براعة في محاكاة صوت الفتاة الصغيرة، مبهرا جمهوره بلهجته الأصيلة ولهجات أخرى كالعراقية واليمنية فضلا عن اللغة العربية الفصحى، ولغات أخرى كالهندية والإنجليزية، موجها أصبعا في عين منتقديه، مشددا بأن فنان القرية، ليس هو ذلك الذي يثير الضحك عليه كمتسوّل أو حرامي أو مجنون، أو «مخرخش» يقع موقع السخرية في كل مشهد! بل هو ذلك الفنان الذي يحترم لهجته ويفرض على الآخرين احترامها.
حلّ الفنان علي مهنا ضيفا على «الوسط» تقديرا وتشجيعا وتثمينا على هذا الفن الراقي الذي يقدّمه لأهل بلاده، وقد ولد من هذه الأرض الطيبة ؛ليقدم كلمة طيبة أيضا، لذلك، تمكّن من أن يضع بصمة على مستوى البحرين والخليج بفنه... بل تعدى ذلك؛ ليصل من يستمع اليه الى بريطانيا والولايات المتحدة الإميركية، وهو الآن، يصرّح بأنه في اتجاه إصدار عمل جديد خاص بالأفراح والمناسبات السعيدة باللهجات البحرينية في المدينة والقرية، في محاولة لتطييب القلوب ورسالة من رسائل نبذ الطائفية والتطرف.
في بداية اللقاء، الذي تميّز بحلاوة لقاءات أسرة «الوسط»، كان لرئيس التحرير منصور الجمري كلمة وضع فيها محاور مهمة تتعلق بمدى أهمية اللهجات في الارتباط بالتاريخ والتراث والموروث الإنساني، ضاربا المثل بحضارات وشعوب تعرضت لمحاولات قوية من أجل ازدراء لهجة قومية ما، أو جماعة ما، لكن البعض أبى إلا الحفاظ على لهجته لارتباطها بكيانه.
وأشار إلى أن اللهجات البحرينية من اللهجات المحببة، وخصوصا لهجة القرية التي تعطي بعدا إنسانيا كبيرا، موضحا أن ما يقوم به ضيفنا الفنان علي مهنا، ما هو إلا محاولة للحفاظ على رونق هذه اللهجة، داعيا إياه إلى مواصلة عطائه الفني في خدمة المجتمع من خلال ما يلتقطه من قضايا وهموم ويحوّلها في قالب فكاهي طريف.
ولأنه يتسم بالأريحية ويمثل الشعب ويعبّر عن حالة مدركا جمهوره بدقة برع في مجاله ولم يتطلب منه لبلوغ ذلك أكثر مما يملك، لذلك جاء تكريمه في «صحيفته الوسط» على حد وصف رئيس تحريرها، والذي شدد على ضرورة محافظة مهنا على شعبيته الأصيلة وبساطته القادرة على الطرق على الحديد وهو ساخن.
مهنا : تجربتي وليدة الصدفة
وفي جو تعالت فيه ضحكات الحضور بعد أن قدّم الضيف الكثير من المشاهد والمسجات الطريفة، يروي لنا مهنا بداياته والتي جاءت وليدة الصدفة بتسجيله لأولى إصداراته «سعيدو والغنمة» في بريده الصوتي والتي سرعان ما لقت صدى لم يتوقعه بعد أن تناقلها المحيطون به لتصل مكالماته إلى أكثر من 1000 مكالمة في اليوم ما حدا به إلى إصدار الثانية بعنوان «وفاة الغنمة» في محاولة لوقف سيل المكالمات ؛ لينقلب السحرعلى الساحر، وبذلك برق أمام نجم صقل موهبته لتبدأ من حينها مسيرته.
ويعترف بروح مرحه بأن إصداراته ما هي إلا وليدة الموقف ونقل للواقع من دون تزييف أو تجميل، بدأها بتقليد صوت جده ( الشايب) وخالته (العجوز) ولقي إعجابا قابله «هجوم»! فبين مستمتع «بلقفاته» برز الكثير من النقاد الذين رأوا في أسلوب مهنا استهزاء بلهجات بعض القرى، وتسطيح للقضايا المهمة، بيد أنه واجه كل ذلك واستمر في مسيرته إيمانا منه بأنه «يخدم القضية والهدف السامي وينظر لهموم المواطن» على حد وصفه.
وفي سياق ذي صلة، رأى مهنا أن المجتمع يهزأ من الفن الشعبي ويراه «درجة ثانية»، على رغم أن بعض إصداراته ألفّها كتّاب معروفون تحفظ في ذكر أسمائهم.
لم يكن تقدير المجتمع وانتقادات البعض العائق الوحيد أمامه، فللشائعات نصيب الأسد في مسيرته والتي آخرها تعاون بينه وبين الفنان الكويتي عبدالحسين عبدالرضا وقبلها إشاعة بدخوله المستشفى بعد ضرب مبرح وأخرى عن إقالته من عمله.
وردا على سؤال يتعلّق ببروز عدد من منافسيه، يشير مهنا إلى أنهم زملاء كانوا معه منذ بداية الخط، وهو سعيد بما يقدّمونه، لكنهم في كل الحالات لن «يكسروا راسي» كما قال البعض، وكنت أفضل أن يقولوا: «ظهر لك منافسون أو مقلدون»، ومازلت محتفظا بتفوقي من ناحية التقليد لأكثر من شخصية نالت انتشارا كبيرا.
وعن تعاونه مع بعض الشركات حسبما أثير منذ بداية ظهور، أكد أن مسجاته كانت تدر على تلك الشركة ما يقارب من 3 آلاف دينار شهريا، لكنها لم تتكرم حينها بإلغاء رسم العشرة دنانير على خط هاتفه النقال! لكنه هناك تشاور مع شركة اتصالات أخرى في هذا الشأن وسيتم التوصل إلى اتفاق قريبا.
بعض الإحباط وبروز مقلديه فضلا عن دخوله في دهاليز الشرطة والتحقيقات هي الأخرى أمور لم تثنه عن طموحه في المواصلة على الطريق نفسه، وفي مقابل كل ذلك لقي الترحيب والعروض في المسرح والتلفزيون بيد أنه ارتأى عدم المشاركة إلا في ما يخدم هدفه الأول وهو نقل الواقع كما هو من دون خطوط حمراء وقص ولصق، وهو يشير إلى أن «الكبار» يتابعون مسجاته واصداراته ويصغون لها (...) فيما الصغار يهاجمونه من كل صوب، من دون التفات إلى معنى الكلام، ومضمون الرسالة.
وفي ختام اللقاء، كرّم رئيس التحرير الفنان علي مهنا تقديرا لجهوده، مكررا دعوته إلى مواصلة العمل من أجل تقديم هموم المواطن في قالب يبعث السرور ويخفف على الأنفس وطأة التعب والشقاء، في الوقت الذي عبّر فيه الفنان علي مهنا عن امتنانه وتقديره الكبير لصحيفة «الوسط» وأسرة تحريرها.
العدد 1765 - الجمعة 06 يوليو 2007م الموافق 20 جمادى الآخرة 1428هـ