العدد 1766 - السبت 07 يوليو 2007م الموافق 21 جمادى الآخرة 1428هـ

خليج توبلي... هل يحميه التدخل السريع من كارثة محققة؟

هيثم مناع comments [at] alwasatnews.com

فرض ما سمي «كارثة خليج توبلي البيئية» نفسه موضوعا بيئيا مقلقا بامتياز خلال الأسبوعين الماضيين، وتدخل وتجادل بشأنه عدد من المعنيين بدءا من مجلس الوزراء والمسئولين من الوزارات والهيئات ذات العلاقة والسياسيين والبيئيين وأعضاء المجالس البلدية، وحتى رجال الدين في منابر يوم الجمعة. وبدأت الأزمة بنشر «الوسط» في صفحتها الأولى لظاهرة نفوق عدد كبير من أسماك «الجواف» على سواحل جزيرة النبيه صالح وسند وجرداب، ما أعاد الانتباه إلى التلوث الحاصل لخليج توبلي وغياب الرقابة البيئية عليه كمحمية طبيعية تتعرض لضغوطات كبيرة من الردم والأنشطة الصناعية المختلفة وتتلقى حمولات عالية من التلوث يتسبب بها القطاع الخاص والحكومة على السواء.

وكذلك أثيرت قضايا التقلص الكبير الذي حصل لمساحة هذا الخليج الحيوي للبحرين من 28 كيلومترا مربعا إلى 13.5 كيلومترا مربعا حاليا، أي فقدان ما يعادل نصف مساحته بسبب الدفن من قبل الاستملاكات الخاصة، وعدم التحرك الفعال للجهات المسئولة، وتواني الجهات الحكومية المسئولة والمقصرة في وقف التجاوزات والتدهور الحاصل في الخليج في الفصل التشريعي السابق، كما تم طرح بعض الحلول المؤقتة قصيرة المدى، مثل: تنظيف المواد المترسبة في الخليج وفتح الأجزاء المغلقة تحت جسر سترة ومعبر النويدرات لضمان انسياب حركة المياه وتجددها في خليج توبلي، بالإضافة إلى وجود حلول بعيدة المدى، مثل البدء في إعداد خطة استراتيجية وطنية شاملة لقطاع الصرف الصحي في مملكة البحرين سيتم الانتهاء من إعدادها في النصف الأول من العام 2008، وغيرها من الموضوعات ذات العلاقة.

وبعيدا عن الجانب السياسي الشائك نوعا ما لهذا الموضوع، فإن أهم ما يمكن ذكره في مجال هذا المقال هو نتائج الدراسة الميدانية العاجلة التي نفذتها «جمعية البحرين للبيئة» بالتعاون مع فريق متخصص من قسم المختبر بالهيئة العامة لحماية البيئة والحياة الفطرية بعد نشر «الوسط» لخبر نفوق الأسماك (الجمعة الموافق 22 يونيو/ حزيران 2007)، والتي بينت بأن هذه الظاهرة هي ليست الأولى التي تم مشاهدتها، وبأن هذا النوع من الأسماك يمتاز بسلوك مشابه لسلوك أسماك «الميد»؛ أي يسبح في جماعات كبيرة (من 400-500 سمكة في السرب) في المياه الساحلية الضحلة، وتتحرك هذه الأسماك بالقرب من القاع وتتغذى على العوالق الهائمة عن طريق شفط المياه والرمال. كما بينت نتائج التحاليل الكيميائية للمياه التي تصرف في الخليج من محطة توبلي لمعالجة مياه الصرف الصحي انخفاضا كبيرا في تركيز الأكسجين الذائب بما لا يسمح بالعيش للأحياء البحرية، وارتفاع تركيز الأمونيا والنيتريت والنيترات، وجميعها مؤشرات للفضلات البشرية، بمعدل 20 ضعفا معدلها الطبيعي.

وترى الدراسة أنه على الأرجح أن تكون هذه الأسماك النافقة قد مرت على المنطقة التي تصرف فيها المياه من المحطة للتغذية وتعرضت لهذه المياه الملوثة. كما أشارت الدراسة إلى أن من أهم الأسباب التي تؤدي إلى تلوث خليج توبلي وتفاقم مشكلة التلوث البيئي له هي الردم البحري وأنشطة القطاع الخاص، مثل غسل الرمال، وتصريف مياه الصرف الصحي.

وبحسب إفادة وزير الأشغال والإسكان في أبريل/ نيسان الماضي لمجلس النواب، فإن معدل كميات مياه الصرف الصحي (الناتجة عن أغلب مناطق الاستهلاك البلدي في مملكة البحرين) المتدفقة إلى محطة توبلي يبلغ نحو 185 ألف متر مكعب في اليوم، وتتم معالجة نحو 100 ألف متر مكعب يوميا منها معالجة ثلاثية يتم إعادة استخدامها في الري الزراعي، بينما يتم معالجة الباقي معالجة ثنائية فقط (نحو 85 ألف متر مكعب يوميا) ويتم تصريف هذه الكميات في خليج توبلي. علما بأن ذلك يتم تبعا للاشتراطات البيئية العالمية لتخفيف مخاطر التهديد للصحة العامة والحياة البحرية والتي تتطلب هذا المستوى من المعالجة على الأقل قبل التصريف في البيئات المائية.

وعلى رغم من الكلفة العالية والمخاطر البيئية العالية المصاحبة لعملية التخطيط للنظام المركزي لمعالجة مياه الصرف الصحي وإعادة استخدامها المتبع حاليا في المملكة (انظر «مركزية معالجة مياه الصرف في مملكة البحرين... كلف عالية ومخاطر بيئية»، جريدة الوسط، العدد 1325،23 أبريل 2006)، إلا أن المملكة وضعت خطة طموحة بناء على هذا النظام القائم لمعالجة كل الكميات المتدفقة معالجة ثلاثية والاستفادة منها في الري التجميلي والإنتاجي بحلول العام 2011، حيث يحتوي برنامج عمل هذه الخطة على تحسين وتطوير وتوسعة مرافق المعالجة الثنائية والثلاثية والتعقيم لتكون قادرة على معالجة التدفقات الداخلة إلى المحطة من مياه الصرف الصحي لتصل إلى 200 ألف متر مكعب/اليوم (73 مليون متر مكعب/ العام) بحلول العام 2011، ونقل وتوزيع المياه المعالجة إلى المزارع الواقعة في المناطق الشمالية والغربية من المملكة لاستخدامها في الري.

إلا انه، وكما هو معروف فإن هناك قصورا في عملية التخطيط للمشروع، وتواجهه الكثير من المشكلات، من أهمها عدم تنفيذ بعض الأعمال المرتبطة ببعض بصورة متزامنة، ورفض بعض ملاك الأراضي استخدام المياه المعالجة، وعدم تفعيل التشريعات والقوانين ذات العلاقة لتحقيق أهداف المشروع (انظر «ما لم يذكره التقرير بشأن مشروع إعادة استخدام المياه المعالجة»، جريدة الوسط، العدد 1591، 14 يناير 2007)، ويصبح من غير المجدي من وجهة النظر الاقتصادية رفع مستوى المعالجة إلى المعالجة الثلاثية في ظل عدم وجود مستخدمين لها، وخصوصا أن هناك قفزة عالية في الكلفة تصل إلى الضعف ما بين المرحلة الثنائية والثلاثية، إذ تبلغ كلفة المتر المكعب من المياه المعالجة ثانويا نحو 0.16 دولار أميركي مقارنة بـ 0.32 دولار أميركي للمتر المكعب من المياه المعالجة ثلاثيا.

لذا، وفي ظل هذه المعطيات، فإنه من المتوقع أن تستمر عملية التصريف للمياه المعالجة ثنائيا في خليج توبلي لفترات قد تتجاوز العام 2011، ما سيؤدي إلى استمرار مشكلة التلوث البيئي لخليج توبلي، بالإضافة إلى أن استهلاك المياه البلدية في ازدياد متسارع يفوق المتوقع بسبب الكثير من العوامل مثل الزيادة السكانية والأنشطة التنموية والإسكانية غير المتوقعة والتي لم تؤخذ في الحسبان عند إعداد خطة المشروع، ولا توجد أي أشارات للعمل على تخفيض هذه المعدلات، الأمر الذي قد يؤدي إلى تجاوز الكميات المتدفقة لطاقة محطة المعالجة المركزية هذه وخصوصا في فصل الصيف، وتصريف مياه غير معالجة في الخليج. وتشير تراكيز الملوثات العالية في مياه الصرف الصحي المعالجة ثنائيا والصور التي تم نشرها للأجزاء القريبة من محطة المعالجة إلى احتمال حدوث هذا الأمر؛ أي تصريف مياه معالجة ثنائيا ذات كفاءة معالجة منخفضة.

وعليه، لا بدّ من النظر في الخيارات المتاحة لتقليل التلوث خارج الخطة الحالية للمشروع، ومراجعة الخطة الحالية وتعديلها في ضوء المتغيرات المستجدة وإلحاق هذه الخيارات بها لتحقيق أهداف المشروع. ويبدو أن خيار التغذية الصناعية للمياه المعالجة ثلاثيا في الخزان الجوفي يمثل أحد الحلول التي يمكن النظر لها بجدية لرفع كفاءة وفاعلية المشروع لتحقيق أهدافه، ويمكنها القضاء على الكثير من المعوقات والمشكلات التي تواجهه، مثل عدم الاستفادة من رفع الطاقة الإنتاجية الثلاثية لمحطة المعالجة، ورفض بعض ملاك الأراضي استخدام المياه المعالجة، وتقليل صرف المياه المعالجة ثنائيا في خليج توبلي، بالإضافة إلى تحقيق الأهداف المتعلقة بالمحافظة على مخزون المياه الجوفية المستنزف.

من جهة أخرى، تقوم مصانع غسل الرمال في خليج توبلي، بالإضافة إلى تلويثها للخليج، باستخدام المياه الجوفية في عملياتها، والتي هي مستنزفة أصلا وخصوصا في المناطق الشرقية من مملكة البحرين. وإذا كان المسئولون لا يستطيعون وقف هذه المصانع من العمل ونقلها إلى أماكن أخرى بعيدة عن الخليج في الوقت الحاضر، فقد يكون من الأجدى حاليا أن يتم وقفهم عن استخدام المياه الجوفية في عملياتهم وإلزامهم باستخدام المياه المعالجة ثلاثيا في غسل الرمال التي تتناسب نوعيتها مع المياه المطلوبة لغسل الرمال، وخصوصا أن هذه المصانع تقع بالقرب من محطة المعالجة، بل، وإذا وجدت الإرادة السياسية، يمكن فرض تسعيرة على استخدام هذه المياه لاسترجاع بعض من كلف المعالجة الثلاثية.

كما أنه من الضروري النظر إلى تطبيق الأدوات الاقتصادية كعامل مساعد في تقليل حمولات التلوث التي يتعرض لها حليج توبلي، وتطبيق مبدأ «الملوث يدفع» كمبدأ بيئي مهم وفعال ومتبع في الكثير من الدول المتقدمة لتخفيض مستويات التلوث الصناعية ولحث وتحفيز هذه الجهات الملوثة، الخاصة والحكومية، لتحسين أنظمتها البيئية، والاستفادة من المبالغ المتحصلة في إعادة تأهيل الخليج وإدارته البيئية.

إن ما حدث حتى الآن في خليج توبلي؛ أي نفوق الأسماك، قد يكون بمثابة إنذار مبكر لكارثة بيئية حقيقية قد يصعب معالجتها بالأسلوب التقليدي في التعامل مع هذا النوع من المشكلات العميقة التي تعاني منها المملكة، فتحديد جهة مسئولة عن الخليج وإعطائها كامل الصلاحيات لتحقيق ذلك بالتعاون مع الجهات المعنية الأخرى، والمبادرة بإيجاد الحلول الناجعة وسرعة التطبيق، وفوق ذلك كله وجود الإرادة السياسية، هي من العوامل الأساسية المطلوبة لإعادة تأهيل الخليج إلى سابق عهده وإعطاء بيئته المحيطة الرعاية التي تستحق.

إقرأ أيضا لـ "هيثم مناع"

العدد 1766 - السبت 07 يوليو 2007م الموافق 21 جمادى الآخرة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً