العدد 1775 - الإثنين 16 يوليو 2007م الموافق 01 رجب 1428هـ

الضابط الجمعي بعد الاحتلال

رحلة إلى بغداد (7)

علي الشريفي Ali.Alsherify [at] alwasatnews.com

-

تحدثنا في الحلقة السابقة عن الضابط الجمعي للعراقيين خلال العقود التي تلت قيام الدولة الحديثة قبل ثمانية عقود، وما صاحبها من تنوع في الايديولوجيات كان يعكس بشكل مباشر التحول الذي شهده العراق طوال هذه العقود، لكن وعلى رغم كل ذاك التنوع كانت مسألة الارتباط بالوطن والدفاع عن وحدته واستقلاله العامل المشترك لكل الأطياف بغض النظر عن العرق والدين والطائفة، ومدى قوته عند البعض وضعفه عند آخرين.

لقد بدأ التغير الواضح في اتجاهات الضابط الجمعي للعراقيين بعد التسعينات من القرن الماضي، حيث انفصل شمال العراق (الأكراد) عن المركز وبدأ العراقيون في الجنوب (الشيعة) يشعرون بأنهم فقدوا الكثير مقابل اقل القليل، بعد أن جرت كل الحروب على أراضيهم وشرد عدد كبير منهم من مدنهم التي تحولت في كثير من الأحيان إلى ساحة للحروب المتعاقبة منذ العام 1980، فانكفأ من انكفأ باتجاه المذهب الذي كان شبه مغيب طوال أعوام الحرب العراقية - الإيرانية. وبالمقابل كان العراقيون في المناطق الغربية (السنة) ينظرون إلى ما جرى من انتفاضة شيعية في العام 1991 وتمرد نحو أربع عشرة محافظة من أصل ثماني عشرة، مؤشرا على ما اعتبره الكثير منهم بداية انهيار الدولة العراقية الحديثة التي بنيت بالأساس على قيم عثمانية - سنية، فبدأت مع هذه الفترة ملامح الضعف في القيم الوطنية باتجاه المذهب أو العرق.

بعد احتلال العراق لم يكن أمام من عاش الاضطهاد خلال بناء الدولة العراقية الحديثة بد من أن يستثمر فرصة التغيير التي بانت مع دخول القوات الأميركية بغداد، وشرع من كان ينتظر ببناء دولة جديدة تتناسب مع المعايير والقيم الجديدة القادمة مع القوات الأميركية إلى العراق ودول المنطقة، فبدأ طيفان عراقيان احدهما يمثل الأكثرية (الشيعة) والثاني (الأكراد) المستعدين لتبني النموذج الأميركي بايجابياته وسلبياته بتشكيل الدولة العراقية الجديدة، أما الطيف الثالث (السنة) فكان دوره الأساسي هو عرقلة هدف هذين الطيفين في بناء هذه الدولة التي رأى أنها ستبنى على حسابه.

أمام التوجه المشترك للشيعة والأكراد في العراق والفاصل بينهما السنة، كان الاميركان ومعهم كل الفصائل والمجاميع المسلحة يفرضون بشكل لا إرادي ضابطا جديدا محل ما تبقى من ضابط جمعي، فصنعت هذه المجاميع قيما جديدة وفق (ايديولوجيات الطائفة أو العرق أو الدين) للاحتماء من الأخطار القادمة والبحث عن الشعور بالأمان المفقود، وبرزت مع هذا التحول ضوابط جماعية جديدة، فصار الشيعة يتحدثون عن «الدفاع عن المذهب»، أما السنة فضابطهم يمثل البحث عن أية وسيلة مهما كانت لإعادة الدولة العراقية التي تأسست العام 1921 واستمرت حتى العام 2003، لكن الأكراد صار لهم ضابط آخر يجمعهم أقوى من ضوابط الطيفين الآخرين وهو أمل تأسيس دولة قومية تجمع كل الأكراد من آسيا الوسطى حتى مشارف الخليج العربي، ضابط جمعي مبني على أمل قد يتحول إلى حقيقة. لكنه يبقى عند كل الأكراد على رغم تنوع توجهاتهم ضابطا جمعيا مهما قادرا على تمثيل الجميع للدفاع عنه لأنه يمثل وطنا... أو على الأقل فكرة وطن.

إقرأ أيضا لـ "علي الشريفي"

العدد 1775 - الإثنين 16 يوليو 2007م الموافق 01 رجب 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً