العدد 1781 - الأحد 22 يوليو 2007م الموافق 07 رجب 1428هـ

أجمل الأيام التي قد لا تأتي!

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

لستُ بالضرورة من المؤمنين بأن خير الأيام وأحسنها على الدوام هي الأيام الماضية، وأن ما يتلو هذه الأيام المشرقة والذهبية من أيام هي أيام تتدرج في سوءاتها وتنحدر رويدا رويدا حتى تكاد أن تبلغ ذروة السوء وقمته، فمثل هذا الشعور مهما بلغ من واقعية وموضوعية تخضع لأحكام المقارنات الملموسة والمحسوسة بين أفضليات الزمان الحالي والزمان الماضي قد يكون شعورا مبالغا فيه، إلا أنه ما أن يرتقى إلى مصاف الاعتقاد والظن وبالأحرى الإيمان، فيكون بجدارة إيمان المحبطين والمثبطين والمصدومين الذي لا يحمله غير اليائسين والمتشائمين ممن فقدوا شعلة التفاؤل بحاضر ومستقبل هذا العالم، وبالتحديد تلك البقعة الصغيرة جدا التي يقطنونها ضمن أرض الله الواسعة، وبالتالي فإن شغلهم الشاغل لا يكون إلا بالترحم على ما مضى من أيام والصلاة بحسب الطلب لأجل تمني عودتها سالمة معافاة بكامل حيثياتها وملابساتها، وهو بلا شك أمر مستحيل الحدوث ولا يؤمن به إلا المجانين والمخرفون!

وفي مثل هذا الصدد أذكر قولا شائعا للشاعر التركي الراحل ناظم حكمت لطالما كان المناضل الوطني الكبير عبدالرحمن النعيمي (شافاه الله وعافه) من أكثر المتمسكين به استشهادا في جميع المناسبات وهو «إنّ أجمل الأيام، تلك التي لم نرها بعد»، وهذا القول إنّما يدل على ضرورة التمسك والاعتصام الدءوب بحبل الأمل والإيمان بعدالة القضية مهما تكن الظروف من بالغ السوء!

برأيي المتواضع إن أجمل وأسوأ الأيام البحرينية لا يمكن أن تخرج من منظور وزاوية وأفق يرتبط بالوعي الوطني المجتمعي ومراحل تطوره، فمن دون أدنى شك وإنكار لا توجد هنالك أية مجالات للمقارنة بين تكون الوعي الوطني الشعبي وأوضاعه في خمسينات وستينات وسبعينات وحتى ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، إذ ابتدأ بازدهار وإشراق متألق في أيام هيئة الاتحاد الوطني حتى أخذ بالخفوت شيئا فشيئا إلى ما دون الجمر في وقتنا الحاضر، فإذا بجمر الأشواق الوطنية الواعية قد أصبح مستمسك أيادي وقلوب الباحثين عن فردوس الوطنية والمواطنة المفقودة كما هو وضعنا الحالي، إذ يعيش هذا الحس الراقي والمتمحور حول المصلحة العليا للوطن والمواطنين في أردأ أحواله، وذلك على الرغم من الحاجة إلى مثل هذا الحس الواعي القائم على جذور عقلانية صلبة لا إدرار عواطف سائلة وهواجس مستهيمة عشقا وتآلفا كما هي تصور ظلما وغصبا بصفتها حلما ورديا عصي التطبيع مع مجريات الواقع المتنفس من قبل فلاسفة ومفكري الطائفية العمياء والجوع العقلاني ومحبذي التهالك المصيري!

ولعلّ أصدق الأمثلة في المقاربة بين مشهدي وضع الوعي الوطني الشعبي والنخبوي ضمن سياق زمني يمتد منذ خمسينات القرن وحتى الوقت الحالي، هو مثال التجربة الدستورية والبرلمانية في مطلع سبعينات القرن الماضي والتجربة الإصلاحية الثانية بدستورها وبرلمانها المنطلقة منذ مطلع الألفية الثانية، وكيف كان الفارق النوعي على مستوى النخب وممثلي الشعب وقبلها الحس الوطني الواعي يصب لصالح التجربة الأولى من ناحية ما كان يمنحه السقف الدستوري لممثلي الشعب المنتخبين من سلطات وصلاحيات، بالإضافة إلى نوعية النخب والكوادر البرلمانية المنتخبة التي تميزت بانتمائها وتمثيلها لمختلف الأطراف والقوى الوطنية من قوى يسارية وتقدمية وقومية فإسلامية، وقد أثبتت جدية منقطعة النظير في عملها البرلماني، وهي التي قد نالت تمثيلها حينها نتاجا لعمليات إجرائية صحيحة ونزيهة شفافة وفي ظل أجواء وطنية صحية لم تتعكر بخطوات وسياسات ممنهجة تستهدف إثارة النعرات الطائفية في المجتمع وترويج غير مسبوق للإشاعات واستخدام أساليب خبيثة تضر بسمعة الدولة الأخلاقية في الإطاحة بغير المرغوب في وصولهم إلى البرلمان من العناصر الوطنية المناضلة وذات الكفاءة العالية!

فبعد أن كان برلمان 73 مقاما لائقا بصفوة ممثلي ونخب الشعب الذين لم تفرقهم حينها الدوائر الانتخابية والتقسيمات الطائفية، وهو الأمر الذي أدى إلى أن تسود في عمله الجدية والروح الوطنية العالية في الاهتمام بمختلف القضايا الوطنية الرئيسية التي تهم جميع أبناء الشعب، أتى برلمان 2002 و2006 وبرز كوكر يهيمن عليه المتمصلحون والانتهازيون الطارئون الذين يسعون لتحقيق أكبر المكاسب من المخصصات والامتيازات قبل السلطات والصلاحيات، وهم الذين يتعيشون على امتصاص الدم من حقوق أبناء الشعب في التمثيل السياسي، ومنهم من يعتاش سياسيا على إثارة تلك النعرات وتغذيتها بمزيد من الحقد الشعبوي الذي يضر باستقرار الوطن ويهدد المصلحة العليا للشعب البحريني المراد إشغاله عن قضاياه الرئيسية والمصيرية بمشكلات وأزمات جانبية مفتعلة!

هذا إن لم تكن في برلمان 2002م عناصر وكوادر أثبتت تميزها وأفضليتها عن غيرها وهي أفضل وعيا وأداء بكثير من من عناصر وكوادر برلمان 2006 التي لا تزال هذه التشكيلة البرلمانية الفقيرة حاليا تحتاج إليها!

ومن ناحية حال الهوية الثقافية البحرينية الفارقة ومكانة الجنسية البحرينية يذكر الكثير من المواطنين البحرينيين بشيء من الأسى والتحسر عما كانت تتميز به هذه الجنسية من احترام ومكانة عالية في المنطقة إبان تلك المراحل الزمنية الماضية، وعن شفافية إجراءات منحها سابقا مقارنة بالوضع الحالي المأساوي، والذي أدت لوثة التجنيس إلى ابتذال الهوية والجنسية البحرينية وتشوه الملامح البحرينية الثقافية والاجتماعية كثيرا!

في تلك الفترات الماضية حيث كانت أجمل أيام الروح الوطنية والفترات الذهبية لازدهار الوعي الوطني المجتمعي تنعم المواطنون بفيض تطلعاتهم ورؤاهم البناءة حول عملية بناء الدولة البحرينية العصرية بعد تحقيق استقلالها وعلقوا على ذلك الكثير من الأحلام والآمال المرتبطة بتحقيق الأمن والاستقرار والعيش الكريم وإحقاق قيم الحرية والمساواة، وكانوا قد أثبتوا ولاءهم وسجلوا كلمتهم السامية باستقلال البحرين وسيادتها وعروبتها.

إلا أنه وعلى امتداد تلك الفترات الزمنية التي انتقل خلالها هذا الوعي الوطني المجتمعي من أفضل عهوده إلى أسوأها على الإطلاق وربما هو مقبل على المزيد من السوء حينما لا تأت تلك الأيام الجميلة والمنشودة في المدى المنظور، فإنه أصبح في الضفة الأخرى وكأنما من قدر بعض قوى المعارضة الوطنية أن تدخل في محكمات «أقنمة» تاريخية لا فكاك منها يجري خلالها باستمرارية تقديس الأصدقاء والحلفاء والخصوم والمخالفين جميعا، وبات من الصعب إخراج جميع العناصر المذكورة من قدسية الجذب أو النبذ!

فهناك - بحسب حالة «الأقنمة» تلك - شخصية قيادية تحمل جميع الأخطاء والخطايا المرتكبة في هذا البلد من تمييز طائفي ولوثة تجنيس وغيرها دون ملامسة أسباب الواقع وملابساته، وذلك في ما يبدو أنه نوع من الكسب للمجاملة والود والعرفان من قبل حلفاء معارضة آخرين، في حين يتم أحيانا مجافاة ممارسة النقد الذاتي لخطاب المعارضة الوطنية الإصلاحية مما قد يضر كثيرا بمرونة وواقعية الخطاب السياسي الإصلاحي لهذه المعارضة ويفقدها الكثير من الفرص التي كان من شأن استثمارها بروية وعقلانية أن يعزز من موقع تلك المعارضة، ويكسبها الكثير بدلا من أن يوقعها في فخاخ يتم من خلالها التشكيك في وطنيتها وولائها بمحاكم وأعمدة التفتيش الولائية التي ينخدع بمحاكماتها الصورية قطاع كبير من الشعب الموجوع بالفقر المعيشي والسياسي!

من بين تلك المواقف هو موقف بعض قوى المعارضة تجاه حصول سمو رئيس الوزراءعلى جائزة التميّز العالمية في الإسكان والتنمية الحضرية، والتي قام قطاع منها بالتصعيد والاحتجاج على هذا المكسب الوطني وآخر اتخذ خيار «اللا موقف»، وكأنما جهود المواطنين البحرينيين بمختلف طوائفهم وأعراقهم على مر السنين في تحقيق تلك التنمية قد نسيت وتم تجاهلها، وهي الجهود الوطنية التي لا يمكن نكرانها، والتي أكد عليها سموه في تصريحاته أثناء حصوله على الجائزة.

فلم يكن يضير هذه القوى الوطنية في أن تهنىء سموه والبحرينيين كافة بهذا المكسب الوطني والعربي، وفي الوقت نفسه تدعو بأن يكون هذا المكسب خطوة أمامية تجاه السعي للتعامل المرن من قبل الحكومة والدولة مع التحديات المعيشية التي يعاني منها المواطن، والذي قد لا يشعر بأي تحسن تحققه له تلك الدعوات والتجارب الإصلاحية التنموية على مستوى معيشته عموما، كما ينبغي لمثل هذه الجائزة أن تحفز على النظر في الأحوال السكنية البائسة للعديد من المواطنين البحرينيين وتطالب بإعادة النظر في الطلبات الإسكانية المتراكمة، فالأمر ليس بمثل هذا الشقاء والصعوبة، وأجمل الأيام تلك لن تنعم بها الدولة أبدا طالما ظل حال المواطن على ما هو عليه من تردٍ معيشي مهما اختلفت المسميات والأوسمة التنموية، وهذه حقيقة ومسئولية جماعية مشتركة قد لا ننل من خلالها أي رضا أبدا، وإن تحملت بموجبها الحكومة والدولة بسبب حجم سلطاتها وصلاحياتها الجانب الأكبر من المسئولية والاهتمام والمتابعة فلا يمكن بالتالي إخراج المعارضة أيضا من دائرة المسئولية النسبية أيضا!

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 1781 - الأحد 22 يوليو 2007م الموافق 07 رجب 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً