العدد 1783 - الثلثاء 24 يوليو 2007م الموافق 09 رجب 1428هـ

حتى لا يرهبنا الإرهاب

صلاح الدين حافظ comments [at] alwasatnews.com

ذهبت إلى المغرب قبل أيام في مهمة صحافية نقابية، فوجدت استنفارا أمنيا واضحا وشديدا... عدت إلى مصر بعد اثنين وسبعين ساعة، فوجدت استنفارا أمنيا واضحا وشديدا...

وفي الحالتين كان السبب تهديدات بعمليات إرهابية مفاجئة، قد تقوم بها تنظيمات إرهابية، ويبدو أن بعض هذه التهديدات كان متوقعا، وبعضها الآخر كان ولايزال احتمالا، لكن مع الإرهاب ومنظماته العنقودية ومعتنقيه غير المعروفين لا يمكن الركون للانتظار أو التساهل، ولذلك فالشعوب تقبل التشديد الأمني «المحكوم والمقنن»، لكي تنجو من التشدد الإرهابي غير المحكوم وغير المقنن!

ومقابل قبول التشدد الأمني لمكافحة الإرهاب، وإجهاض عملياته الدامية المتوقعة أو المحتملة، فإننا نتمسك بأن يظل هذا التشدد الأمني وإجراءاته تحت رقابة القضاء والقانون وفي إطاره، بحيث لا يتحول إلى اعتداء مباشر أو غير مباشر على الحريات العامة والخاصة، أو تعليق القانون الطبيعي ليسري قانون الطوارئ، وباختصار لكي لا يصبح التشدد في مقاومة الإرهاب، سلاحا في يد السلطة التنفيذية لفرض الإرهاب على المواطن العادي، أو لتجاوز أزمة مشتعلة، أو لتمرير قانون أو تشريع أو قرار سياسي، تعرف أنه غير مقبول شعبيا في الظروف العادية!

وبداية ندرك أن العالم كله يتعرض هذه الفترة لموجة إرهابية عاتية، لها أسبابها الداخلية والخارجية، لكنني اعتقد أن الحرب الأميركية الشرسة على أفغانستان بعد هجمات نيويورك في سبتمبر/ أيلول 2001، ثم ضد العراق في مارس/ آذار 2003، إضافة إلى العدوان الطاغي على فلسطين، كان هو السبب الرئيسي في تفجير الموجات الإرهابية كرد فعل صريح.

ولقد أدى الفشل الأميركي الواضح حتى الآن، في حربي أفغانستان والعراق، إلى تشجيع المتشددين عموما، والمنظمات الإرهابية خصوصا، على المبادرة بالهجوم الانتقامي ليس فقط من أميركا، ولكن من كل ما هو غربي بما في ذلك «إسرائيل»، بل كل حليف أو صديق لأي منهم...

كما أدى فشل نظم الحكم في البلاد العربية والإسلامية، في إصلاح الأوضاع السياسية والاجتماعية الاقتصادية المتدهورة، مع ما يتبع ذلك من فقر وبطالة وغلاء وفساد وإحباط، أدى إلى اضطرابات داخلية تشتد عنفا يوما بعد يوم، ابتداء من كسر القانون وتحدي السلطة، إلى الإضرابات العمالية، وصولا في بعض الأحيان إلى الارتماء في أحضان الجماعات المتشددة والتنظيمات الإرهابية!

ولذلك لا يكفي أن نلقي عبء انفجار الإرهاب بالشكل الذي نعايشه، من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، من مذبحة المسجد الأحمر في باكستان وتوابعها، إلى إجهاض تفجيرات لندن الأخيرة، على العوامل الخارجية وحدها، ومن بينها الحروب الأميركية والصهيونية، ولكن تظل العوامل الداخلية تلعب دورها الرئيسي.

قبل سنوات قلائل، كنا نقول إن تنظيم القاعدة الأكثر عنفا وتشددا، بقيادة أسامة بن لادن وأيمن الظواهري، يتركز في أفغانستان ويتمدد عبر باكستان، ويدير بعض عملياته في دول أخرى بالوكالة... لكن الوضع اختلف الآن، وها هي التنظيمات العنقودية للقاعدة تنتشر في بلاد كثيرة، شرقية وغربية، تتوطن فيها مباشرة وتطلق عملياتها التفجيرية الإرهابية من داخلها وبأيدي أبنائها... وها نحن نعرف على الأقل أسماء التنظيمات اللآتية للقاعدة:

1- القاعدة في بلاد الرافدين، 2- القاعدة في الجزيرة العربية، 3- القاعدة في أرض الكنانة، 4- القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، 5- القاعدة في اليمن، 6- تنظيم الجيش الإسلامي في غزة المرتبط بالقاعدة، 7- تنظيم فتح الإسلام في لبنان المرتبط أيضا بالقاعدة، وغير ذلك من تنظيمات ومسميات، تمارس العنف ولا تتورع عن الوقوع في الإرهاب لفظا ومعنى ونتيجة!

وعلى رغم المبالغة في الإعلام الغربي لقوة انتشار تنظيمات القاعدة، وصولا للقول بأنها تنتشر في قلب إفريقيا وأوروبا وربما أميركا، فإن الواضح أن إغراء تبني التشدد والغلو والعنف والقتل، قد تمكن من تيارات إسلامية، رأت أنه لا سبيل أمامها لمقاومة «الغزو الصليبي والعدوان الصهيوني» سوى العنف، ولذلك تأسست «الجبهة العالمية لجهاد اليهود والصليبيين» التي تعتبر المظلة الجامعة والجاذبة لكل من يؤمن بمقاومة العدو الهاجم بالعنف المضاد!

وهذه تهمة إن كانت ملتصقة بكل هذه المنظمات الإرهابية والمتشددة، فإنها موجهة أيضا للحكومات والقوى المحلية والدولية، التي مارست الظلم والقهر والعدوان والاستبداد، فاستنفرت الآخرين لمقاومتها بالأسلحة نفسها، مستخرجين أحيانا من تأويلات الدين الإسلامي، ما يسمح لهم بممارسة كل ذلك، حتى وهي تأويلات غير صحيحة!

وها نحن نرى كيف أن الخريطة الممتدة من أفغانستان شرقا إلى بلاد المغرب العربي غربا، مرورا بالعراق ولبنان وفلسطين واليمن والصومال والسودان، تغلي بالغضب الدامي مقاومة «لثنائية الفقر والقهر»، فإذا بالتنظيمات الإرهابية تجد في هذا المناخ الغاضب الأرض الخصبة لتعمل فوقها وتنطلق بعملياتها منها، وصولا لتهديد الأمن الأوروبي الأميركي المتفاخر دائما بقوته ومنعته...

وحين تهدد هذا الأمن عمليا، لجأت أميركا وأوروبا إلى المطالبة «باتحاد العالم» لمكافحة الإرهاب، لأن النار اللاهبة طالتها فأحرقت أصابعها، لكن هذه الدول تحكم بنظم تعرف القانون والمؤسسات، فإنها وقعت في مأزق، كيف تحافظ على الحريات العامة والخاصة لمواطنيها، وفي الوقت نفسه كيف تمارس سياسات استثنائية لمكافحة الإرهاب...

من هنا أقرت الأمم المتحدة، بمبادرة أميركية أوروبية، قبل عدة سنوات مشروعا نموذجيا لقانون جديد لمكافحة الإرهاب، اهتدت به دول كثيرة، فإذا بنحو 80 دولة أصدرت حتى الآن قوانينها الخاصة في هذا المجال، لكن ظلت المعضلة الرئيسية قائمة، وهي التحديد الدقيق للجريمة الإرهابية، بحيث لا يطغى قانون الإرهاب على غيره من القوانين الأخرى، وبحيث لا يطبق قانون الإرهاب على الجرائم الأخرى، وبحيث لا يقيد الحريات العامة!

وأظن ان هذه هي المعضلة التي يدور حولها الآن جدل كبير في مصر على سبيل المثال ففي الوقت الذي يضغط فيه الرأي العام والقوى السياسية والمنظمات المدنية لإلغاء حالة وقانون الطوارئ المفروض منذ اغتيال الرئيس السادات العام 1981، تسعى الحكومة والحزب الوطني الحاكم، لإعداد قانون جديد للإرهاب «مع ملاحظة أن هناك قانونا قائما لمكافحة الإرهاب»، يحدد جرائم الإرهاب وعقوباتها ووسائل إجهاضها ومقاومتها، ويستفيد من تجارب الآخرين، فأرسلت الأسبوع الماضي، وفدا وزاريا وقانونيا إلى بريطانيا لاستلهام تجربتها!

بالمقابل تسعى الأحزاب والتيارات السياسية المعارضة، وكثير من منظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني، إلى معارضة هذا التوجه الحكومي، أو على الأقل تحجيم المخاطر على الحريات العامة، التي يمكن أن يحتويها قانون الإرهاب الجديد، غير المعروف فلسفته ونصوصه حتى الآن...

وعلى رغم اتفاق هذه الأحزاب والقوى على ضرورة الاحتشاد لمقاومة الإرهاب، بعد ما ذاقت مصر مرارته الدامية طوال الثمانينات والتسعينات، وصولا لتفجيرات سيناء الثلاثة أخيرا، إلا أن لها تخوفاتها وشكوكها في نوايا الحكومة، تأسيسا على تجارب سابقة، وأبرزها أن الحكومة فرضت التعديلات الدستورية «34 مادة» قبل شهور لتقوية قبضة حزبها على السلطة، وتحديد وإنقاص مساحة الحريات المتاحة، والدليل هو أن التعديل الدستوري المذكور قد أتاح تعليق نصوص دستورية تحمي هذه الحريات وتصون حقوق المواطنين... والحجة هي مكافحة الإرهاب...

والحقيقة أن لهذه المخاوف والشكوك مبرراتها، وهي شكوك ليست مقصورة علينا، ولكنها قائمة حتى في بريطانيا وأميركا أم الديمقراطية ونموذجها الجاذب، إذ يشكو الناس من إطلاق أيدي الأمن في مراقبة ومتابعة أخص الخصوصيات العامة والفردية، من البريد الخاص إلى مكالمات الهاتف إلى حسابات المصارف!

لكننا مع ذلك، نقول إنه ليس بقبضة الأمن الحديد، ولا بسطوة القانون وحدهما ننجح في مكافحة الإرهاب، إنما الأمر أعمق وأعقد من هذا وذاك...

إذ نؤمن أن المكافحة الحقيقية والفعالة للإرهاب، تبدأ من تجفيف منابعه الأصلية، أي بتخليص الناس من ثنائية الفقر والقهر داخليا، وإيقاف الحروب العدوانية الهاجمة علينا من الخارج...

فإن كان إيقاف حروب الخارج ليس في أيدينا وحدنا، فإن في أيدينا أن نؤدي واجبنا المنزلي أولا، بإقامة دولة العدل والقانون، التي تحمي حرية المواطن وتقر حقوقه، وتؤكد مشاركته في رسم السياسات وتولي كل السلطات عبر انتخابات حرة نظيفة، بديلا لثنائية الفقر والقهر، التي إن كبتت الحريات وسلبت المواطن حقوقه، فإنها للأسف لا تزهر إلا العنف ولا تنبت إلا الإرهاب...

فلنبدأ من هنا...

خير الكلام:

يقول الجواهري:

نامي جياع الشعب نامي حرستك آلهة الطعام!

إقرأ أيضا لـ "صلاح الدين حافظ"

العدد 1783 - الثلثاء 24 يوليو 2007م الموافق 09 رجب 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً