العدد 1788 - الأحد 29 يوليو 2007م الموافق 14 رجب 1428هـ

«الهنجرانية»... يحترفون سرقة الذهب ويحترمون حقوق الجيرة

عالم غريب يحكمه قانون خاص

«الهنجرانية» عالم غريب غامض، سري للغاية يحكمهم قانون خاص وعادات وتقاليد غريبة في الزواج والطلاق والعمل... يمتهنون في حياتهم كل سبل العيش الإجرامية الخطيرة، وعلى رغم تكرار القبض عليهم إلا أنهم يخرجون من السجن لمزاولة النشاط نفسه... كلمة التوبة مرفوعة نهائيا من قاموسهم اللغوي... إغراء المال وقوانين الطائفة فوق الجميع كلهم ملتزمون بهذه القواعد ولا يجرؤ أحد على خيانتها. البنات عندهم لهن وضع خاص مهرهن أعلى من بنات الأثرياء على رغم دمامة وجوههن وفظاظة أسلوبهن، والرجل عندهم يختلف عن كل الرجال يجلس في البيت يجمع حصيلة اليوم من المسروقات، وفي نهاية الليل لابد أن يعيش أحلى لحظات حياته مع هذا الوجه الدميم... خلافاتهم بسيطة لأنهم يحترمون الجد الأكبر «زعيم العصبة» وينفذون أوامره بلا نقاش أو جدال فهو الأب الروحي لهم جميعا... لذلك فهو حقا عالم غريب جدا... تبحر وكالة الصحافة العربية داخله وقوفا على طقوسه ونقلا لحقائق هذا العالم.

بحسب الدراسات الاجتماعية المهتمة بطائفة الهنجرانية، يرجع تاريخ هذه الطائفة إلى القرن الخامس الميلادي عندما تولى «بهرام شاه» عرش بلاد «فارس»، وكان يحب رعاياه ويكرس لهم نصف اليوم للراحة والحفلات والنصف الآخر للعمل، وقد صدم عندما علم أن الفقراء لا يجدون من يرفه عنهم بعد يوم العمل وأنه ليست لهم لذة في الحياة سوى شرب العسل، بينما الأغنياء يحتسون الخمر أثناء استمتاعهم بسماع الموسيقى ومشاهدة الراقصات، فطلب من والد زوجته في «الهند» أن يرسل له اثني عشر ألف موسيقي للترفيه عن الفقراء والمساكين فأرسلهم له، وعندما وصلوا أقسموا أمامه على إسعاد الفقراء في حفلاتهم، وفي مقابل ذلك أعطى «بهرام شاه» لكل منهم قطعة أرض زراعية وحمارا وثورا وكمية من الحبوب تكفي الزراعة، ولكنهم أكلوا ثيرانهم والحبوب ولم يقوموا بالعمل المكلفين به من إسعاد الفقراء، وعندما تضوروا جوعا أكد لهم الشاه أنه لم يتبق لديهم سوى الحمير والآلات الموسيقية، وطلب منهم الرحيل عن بلاد فارس بعد رفضهم لإسعاد الشعب الفارسي، ليخرجوا حاملين آلاتهم على حميرهم، وفعلا قرروا الخروج والبحث عن مكان آخر يعيشون فيه، وتنقلوا كثيرا ونبتت بداخلهم رغبة في الإقبال على الحياة بلا حدود ولا قيود، وتلك الرغبة صاحبها سعي للانتقام من هذا العالم الذي ظلمهم كثيرا.

أسطورة «هنجرانية»

وتذكر الدراسات أن الهنجرانية توزعوا بعد خروجهم من بلاد فارس، إذ وصل جزء منهم واستقر به المقام في بلاد «كردستان» و»القوقاز» و»الأناضول» و»بلاد الشام» و»مصر» والباقون استمر بهم الترحال والتنقل حتى استقر بهم المقام في بعض البلاد الأوروبية، كـ «اليونان» و»المجر» وألمانيا»، وفي هذه الأثناء تولدت لديهم فكرة عقائدية وهي أنهم أصلا أولاد «قابيل» ابن «آدم» عليه السلام، الذي كتب عليه الترحال بعد أن قتل أخاه «هابيل» ودعا عليه آدم بذلك.

ومنذ ذلك الوقت عرفت مصر الهنجرانية وتمركزوا في أطراف عاصمة البلاد «القاهرة» وبرزت رحلتهم مع الحياة في مصر بالعمل في مجال التجارة بيعا وشراء بالأسواق وقد اكتسبوا من خلال التجارة خبرة في معرفة الشخص الغني من الفقير، والذي يحمل معه نقودا من عدمه، ووجدوا أن طريق السرقة أسهل بكثير من أي عمل آخر، وبدلا من الخسارة في البيع والشراء يمكنهم الحصول على المال الوفير وبأقل مجهود.

وكانت بداية استقرارهم في منطقة القاهرة الكبرى معبّرة عن سعيهم للعيش في مناطق مزدحمة متماسكة اجتماعيا، إذ قرروا بناء على رؤى الكبار أن يستقروا في بيوت خاصة بهم، وكانت هذه البيوت في مناطق «امبابة» و»ميت عقبة» و»المطرية» و»الإمام الشافعي» و»عزبة الوالدة» و»عزبة الهجانة» وبدأوا يتعرفون على العالم المحيط، ومع مرور الوقت بدأ الجيران يتعرفون عليهم ويوقعون معهم اتفاقات الحماية خلاصا من شرهم، وباتوا معروفين لدى الناس، ولا يخجلون من النداء عليهم بالهنجرانية، بل يفخرون بهذا الوصف وكأنه رمز للعزة، ويحرصون على العلاقات الإنسانية بينهم وبين جيرانهم، مثل واجبات العزاء في المآتم والتهنئة في المناسبات السعيدة.

قانون خاص

تتخذ هذه الطائفة لنفسها نظاما خاصا وقانونا مختلفا فيما بينهم يتعاملون به، وأول بند في القانون هو السرية التامة في شئونهم وعدم إفشاء أسرارهم لأحد، وعدم الاعتداء على حق أي هنجرانية في المكان، الذي خصصته لسرقة ضحاياها، فهناك تقسيم جغرافي تم وضعه من «الجد الأكبر» أو زعيم «العصبة»، كما يطلق عليه وكل أسرة لها مكان مخصص للسرقة وفي حالة اعتداء هنجرانية على منطقة هنجرانية أخرى، يتم تقسيم الغنيمة عليهم، وفي حالة تكرار ذلك يتم دفع الحصيلة كلها لصاحب المكان بالكامل، ولا يمكن أن يحدث ذلك مرة أخرى، ولم يقتصر بهم الأمر إلى ذلك فقط، بل أن الأطفال أيضا يتم تقسيم العمل عليهم ليكونوا أداة لشغل الضحية أو سرقته، وهناك ما هو أغرب وأخطر من ذلك، إذ إنه عندما يتم القبض على سيدة هنجرانية وبجوارها صديقتها، فلا يمكن بأي حال من الأحوال الإبلاغ عنها مهما يكن الأمر، حتى لو تعرضت للتعذيب لعدة أشهر.

وكذلك معروف عن أفراد هذه الطائفة أنهم يحلون مشكلاتهم الخاصة فيما بينهم ولا يلجأون إلى القضاء أو أقسام الشرطة، فيذهب المجني عليه إلى زعيم «العصبة»، ويقدم له شكواه سواء شفهية أو مكتوبة، ويبدأ هو في التحقيق فيها، واستدعاء الجاني ويحكم الزعيم فيما بينهما، ويتم تنفيذ القرار من دون منافشة من الخصوم.

أما في الخلافات مع غيرهم من البشر وفي قضاياهم فهم عصبة قوية بالمال والشباب ولديهم القدرة على خوض أشرس المشاجرات والمعارك، كما أن لديهم مستشارا قانونيا وهو من خبراء القانون وأشهرهم سمعة يقوم بالدفاع عنهم في قضايا السرقة والمخدرات.

طقوس الزواج

طقوس الزواج في مجتمع الهنجرانية لها شكل غريب فأول أصول الزواج تبدأ في الحديث عن الفتاة التي يقع عليها الاختيار، وهي غالبا بنت العم أو الخال، ويقوم العريس بعرض الأم على زعيم الهنجرانية، ويحدد العريس المهر، الذي يزيد ويفوق الخيال، فقد يصل إلى 500 ألف جنيه ولا يقل في أي حال من الأحوال عن 100 ألف جنيه، وكل عروس لها ثمن في سوق الهنجرانية، ويتم تحديده ليس على أساس جمالها أو رشاقة جسدها أو نصاعة بياضها أو نعومة شعرها، فكل هذا ليس له تقديرا أو أهمية للعريس، ولكن أهم شيء والمقياس الحقيقي هو حصيلة السرقة اليومية والدخل السنوي من السرقة، وعلى هذا أيضا يتحدد مهرها وتقوم أسرة العريس بجمع كل ما لديهم من مال، وفي بعض الأحيان يقترضون من أجل دفع المهر المعلوم، حتى تدخل العروس في عش الأسرة، والتي سينعمون بدخلها على مدار السنين، وهذا بخلاف ما يقدمه العريس من شبكة قيمة جدا وهي غالبيتها من الذهب المسروق.

عرس أسطوري

يتم الزفاف في عرس أسطوري يقوم الهنجرانية بإعداده، إذ تتم دعوة كل المسئولين في المكان الذين يقطنون به ويتم إعداد الذبائح وإقامة الولائم ووسط زغاريد الهنجرانية، ترقص أجمل الراقصات على أنغام الموسيقي وأعمدة دخان المخدرات، التي تغطي مكان العرس وفي أفراحهم كل شيء مباح، ويتم توزيع الحشيش والبانجو على المدعوين بكميات هائلة تحية لهم وهناك كثير من تجار المخدرات يقدمون التهنئة في صورة كميات من الحشيش والأفيون والبانجو، وبعد السهرة الجميلة يقوم العريس بشرب الحشيش مع عروسه في غرفة النوم، وتبدأ هي بإعداد الشيشة له ورص الحجر حتى يشعر العريس بسخونة الجسد، ويصعد إلى السرير ليعيش ليلة العمر.

وفي الصباح تنطلق الزغاريد لزيارة العروس، ويتم إعداد وليمة لأسرة العريس والعروس في عش الزوجية، وبعد 7 أيام تبدأ العروس في تسلم العمل أي منطقتها التي تسرق فيها، وتزاول عملها ويظل الرجل بالبيت نائما حتى تعود الزوجة بالحصيلة، ويقوم بتسلمها ووضع النقود في الخزينة، وكذلك المشغولات الذهبية، وهكذا تستمر الحياة الزوجية، وفي حالة المشكلات الزوجية وهي غالبيتها مادية أو جنسية يتم حلها أولا عن طريق الأسرة، وفي حالة فشلها يتم عرضها على زعيم الهنجرانية، وإذا وصل الموضوع إلى الطلاق فيتم تقدير المبلغ، الذي ستدفعه الزوجة لطليقها حتى تصبح طليقة، وفي أحيان كثيرة يتم رد المهر للعريس مرة أخرى.

علوم السرقة

أطفال الهنجرانية لا يعرفون المدارس أو الجامعات وكل هدفهم في الحياة تعلم كيفية السرقة وتصنيع المخدرات وتجهيز الشيشة للأب، الذي ينتظر زوجته بفارغ الصبر، وهناك أساتذة للسرقة في الهنجرانية يقومون بتدريس علوم السرقة، وكيفية الهرب بعدها وطرق مشاغلة المجني عليه أثناء السرقة، وكيفية تحديد الضحية قبل الاقتراب منها، والأسلوب المتبع مع كل ضحية، وكيفية قص المشغولات الذهبية للضحايا من الأسواق بخفة يد ومن دون أن تشعر بأي شيء، ولم يصل الأمر إلى ذلك بل إنهن اخترعن طرقا جديدة للتخفي والتمويه، إذ يدخلن السوق بملابس وفور الانتهاء من السرقة تخرج (أشارب) مختلف لونه تماما عما كانت ترتديه وعباية وتزررها بسرعة حتى لا تتعرف عليها الضحية.

وغالبية الهنجرانيات يقمن بوضع عدة «أشاربات» في حقائبهن للتمويه، وفي أحيان أخرى تقف إحداهن ومعها ملابس في انتظار إتمام العملية، وبعدها تسلم زميلاتها ملابس أخرى حتى يصعب القبض عليها، وكل منطقة لها طريقة وأسلوب مختلف في السرقة.

شهور السرقة

وهناك أشهر معينة تزداد فيها السرقة والعمل المتواصل، مثل: شهر رمضان والأعياد ودخول المدارس، وبعضهن يمتد نشاطهن إلى الخارج تقوم بالسفر لأداء فريضة الحج والعمرة وهناك يقمن بسرقة المعتمرين والحجاج وتتعقب السلطات المصرية هؤلاء وتمنعهن من السفر في غالبية الأوقات، لأن كثيرا منهن مسجلات وممنوعات من السفر للخارج، والبعض الآخر من الهنجرانية يعمل في تجارة المخدرات وتصنيعها وهؤلاء قلة جدا.

والرجل في الأسرة الهنجرانية له وضع مختلف فمهمته في الحياة هي تربية الأولاد والجلوس في البيت للراحة وشرب الحشيش، استعدادا لقضاء السهرة اليومية مع زوجته، إذ إنهم يعشقون الجنس ومن أجله يتعاطون الحشيش والأدوية المنشطة جنسيا. وفي حالة القبض على أي هنجرانية تكون المسئولية على الزوج فيقوم بمتابعة محاكمتها وإرسال كل ما تطلبه السجينة، كما أن هناك صندوقا للتكافل الاجتماعي لجميع الهنجرانية، ويصرف للسجينة مرتبا شهريا، وكذلك زوجها حتى تستمر الحياة، إذ إن دخل الصندوق يكون من تبرعات الهنجرانية، والمبالغ الذي يقررها «زعيم العصبة» على كل سيدة تسرق وهؤلاء يعيشون في منزل كبير يتكون من عدة طوابق في معيشة جماعية لا يدخلها غيرهم ولا يمكن أن يسكن أحد في عقاراتهم حتى لا يكشف أسرارهم الدفينة ولغتهم في التعامل مع المجتمع، الذي يعيشون فيه.

العدد 1788 - الأحد 29 يوليو 2007م الموافق 14 رجب 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 9:03 م

      انا مواطن مصرى من سمام الطبقه الشعبيه

      كل النا اعرفو عن الهنجرنيه ان هومه خيرهم على ناس كتيره فى البلد والناس ده مستوات كتيره في البلد ولو هنكلم هانزعل ناس كتيرة ياريت لو نكلم ونقول الرد الصح نقول غير كده وليناكلام تاني برجاء الرد على نفس الموقع ده

    • زائر 2 زائر 1 | 7:09 م

      أنا سكنة جمبيهم

      علي فكرة مش كلهم زى بعضيهم فيهم ناس وحشة أوى وفيهم أشخاص صعب يكون في حد مثلهم وعلي فكرة فيهم كتير أوى رجال شغالة ومتجوزين مش من العائلة خالص

اقرأ ايضاً