العدد 1801 - السبت 11 أغسطس 2007م الموافق 27 رجب 1428هـ

باراك والصراع على الضفة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي الجديد إيهود باراك بشأن مصير الضفة الغربية المحتلة في السنوات المقبلة أثار الكثير من الجدل وردود الفعل. الإدارة الأميركية قالت إنه لا يعكس وجهة نظر حكومة إيهود أولمرت. فواشنطن وجدت في كلام باراك محاولة للالتفاف على دعوة جورج بوش إلى عقد «مؤتمر دولي» في الخريف المقبل. وحكومة أولمرت الضعيفة تجاهلت التصريح في محاولة منها للتهرب من الإجابة عن أسئلة سياسية تتعلق بالاحتلال ومدى استعداد تل أبيب لتقديم تنازلات تتصل مباشرة بالمستعمرات والاستيطان وجدار الفصل العنصري.

تهرّب حكومة أولمرت يكشف عن وجود سياسة خفية تختلف عن تلك المعلنة. فالحكومة التي يقودها حزب «كاديما» الشاروني تعاني أزمة ثقة يرجح أن تتفاقم كلما اقترب موعد «المؤتمر الدولي» وما يتطلب من إجراءات ميدانية لإنجاحه. كذلك يرجح أن تنفجر تلك الأزمة حين يقترب موعد الانتخابات العامة التي أعطت حزب «الليكود» بقيادة بنيامين نتنياهو أرجحية نسبية في مواجهة حزب «العمل» الذي يقوده الآن باراك.

حزب «كاديما» بعد حربه الفاشلة على لبنان في الصيف الماضي تراجعت شعبيته إلى أدنى المستويات ولا يتوقع أن يستعيد مكانته في الأشهر المقبلة. حتى لو نجح أولمرت في تحسين سمعة حزبه فإن الترجيحات تضعه في المرتبة الثالثة بعد «الليكود» و «العمل» وربما في الموقع الرابع أو الخامس وبعد التجمعات والحركات القومية و «الأصولية» ومجموعات المهاجرين الروس.

في كل الأحوال لن يعود حزب شارون إلى ما كان عليه سابقا ولا توجد فرصة أمامه لإعادة احتلال المرتبة الأولى التي حققها في الانتخابات الأخيرة. ولهذا السبب يمكن فهم تصريح باراك من الجانب السياسي، فهو مزايدة انتخابية تصعيدية ضد خطاب «الليكود» المتطرف باعتبار أن المعركة المقبلة ستكون بين الحزبين التقليدين والفائز فيها سيأخذ المبادرة لتشكيل الحكومة الجديدة. وبما أن الانتخابات العامة ستقع مواقيتها في نهاية عهد بوش فإن الأسلحة السياسية التي ستستخدم في إدارة المعركة لن تكون من النوع الذي يناسب إدارة واشنطن الجمهورية. وكلام باراك التصعيدي جاء ليعطي إشارة سياسية في سياق يتجاوز عهد بوش وتطلعاته. فهو وجه طلقات نارية لا تؤثر على توازنات حكومة أولمرت وتوجهاتها الضائعة فقط وإنما تتجاوز مرحلة أولمرت وبوش لبلوغ استهدافات أبعد زمنيا.

باراك شكك في إمكان نجاح «المؤتمر الدولي» ووصف الاحتمال بالحلم. كذلك استبعد انسحاب «إسرائيل» من الضفة خلال ثلاث أو خمس سنوات. وأيضا ركز على ضعف محمود عباس (أبومازن) وعدم قدرته على ضبط الوضع الأمني. وربط كل هذه التوقعات بالمسألة العسكرية وتهديد الصواريخ الفلسطينية الصنع للأمن الإسرائيلي.

كلام باراك واضح في غاياته القريبة والبعيدة. فهو لا يراهن على تسوية في «المؤتمر الدولي» ويستبعد الانسحاب من الضفة لا في عهد بوش ولا في فترة رئاسة عباس التي يتوقع لها أن تنتهي بعد أقل من ثلاث سنوات. فالتسوية في رأيه حلم صيف ولن تكون قبل مرور سنوات يرجح أن تشهد تحولات كثيرة تبدأ في واشنطن وتمر في تل أبيب وتنتهي في الضفة وربما المنطقة كلها. وتأجيل التسوية في تصريح باراك إلى فترة خمس سنوات مقبلة لأسباب أمنية (صواريخ فلسطينية) وسياسية (تبدلات في حكومة تل أبيب ورئاسة عباس) يعطي فكرة عن توجهات إسرائيلية تبتعد كثيرا عن أوهام تسوية يرى البعض أنها ستحصل في الخريف المقبل.

باراك لم يستبعد التسوية في «المؤتمر الدولي» فقط وإنما استبعد الانسحاب ليس في عهد بوش وإنما في نهاية عهد الرئيس الأميركي القادم الذي سيُنتَخب في نوفمبر/ تشرين الثاني 2008. وإذا كان الانسحاب يستبعد باراك حصوله قبل العام 2012 فمعنى ذلك أن تل أبيب لاتزال تراهن على عامل القوة والتفوق والاحتلال في تعاملها مع الموضوع الفلسطيني. حتى يصل العالم إلى ذاك التوقيت تكون «إسرائيل» اختلقت المزيد من الذرائع لتأجيل الانسحاب إلى موعد آخر ربما يقع في مهلة أخرى تمتد إلى نهاية 2020.

ضربات استباقية

كلام باراك الذي استفز إدارة واشنطن سدد قذائفَ مباشرة ضد مجموعة أهداف قريبة وبعيدة. فهو زايد على خطاب «الليكود» المتطرف، وتجاوز صلاحيات رئيس الحكومة الحالي أولمرت، وسخر من «المؤتمر الدولي» واحتمال توصله إلى تسوية مؤقتة، واستبعد الانسحاب في عهد بوش ونهاية الرئيس الذي سيتولى الإدارة من بعده، كذلك استبعد أن تُعقَد تفاهمات في ظل رئاسة عباس لأسباب مختلفة منها ما يتصل بالأمن (صواريخ) ومنها ما يتصل بضعف سلطة عباس وعدم قدرته على ضبط الضفة في مواجهة «حماس».

النقطة الأخيرة مهمة؛ لأنها تتجاوز حدود الضفة جغرافيا وتؤشر إلى وجود قراءة إسرائيلية لتوازنات السلطة الفلسطينية في الفترة المقبلة. فتل أبيب تشكك في قوة «فتح» ولا ترى أنها تملك مؤهلات تعزز مواقعها للتنافس مع «حماس». وهذا يعني أن باراك (الرجل القوي في حكومة أولمرت والمنافس الأقوى لنتنياهو) يرجح أن يتكرر سيناريو غزة في الضفة وبالتالي فإن تل أبيب ستضطر آنذاك إلى التفاوض مع «حماس» لإدارة السلطة وترتيب الاحتلال.

تصريح باراك يتضمن الكثير من الضربات السياسية الاستباقية ويعتمد سلسلة فرضيات محتملة للتهرب من الإجابة عن سؤال يتعلق بمصير الاحتلال ومستقبل الضفة وفكرة «الدولتين» التي يكررها بوش في تصريحاته.

خطورة كلام باراك لا تقتصر على النقاط التي أراد استهدافها في تصريحه التصعيدي. فالكلام يمكن إهماله لو اقتصر على حزبه (العمل). وإنما أفكار باراك الاستباقية جاءت في سياق تصريحات أخرى صدرت عن جهات أميركية وإسرائيلية مختلفة أكدت كلها ما ذهب إليه وزير الدفاع الجديد. فهناك الكثير من التعليقات الصحافية الأميركية التي أشارت إلى ضعف عباس وعدم قدرته على إدارة السلطة الفلسطينية مقابل قوة «حماس» واحتمال نجاحها في تَكرار سيناريو غزة في الضفة خلال فترة وجيزة لا تزيد على الأشهر الستة المقبلة. والتعليقات الصحافية الأميركية جاءت في عشرات المواضع والمواقع ولم تكن بعيدة جدا عن تحليلات وقراءات متشابهة أو متطابقة في الصحف الإسرائيلية.

التركيز على ضعف عباس وقوة «حماس» واحتمال تَكرار سيناريو غزة في الضفة يشير إلى أن معركة تل أبيب ليست في القطاع وإنما في تلك الأراضي التي تعتبرها «إسرائيل» تشكل الدرع الأمني والسياج (الجدار) الذي يحمي أراضي 1948 من هجمات صاروخية. وكلام باراك يصب في إطار توجهات واضحة أسفرت عنها تعليقات وتحليلات أميركية وإسرائيلية بشأن ضعف عباس وعدم جدوى الانسحاب أو التفاهم مع سلطة هزيلة يتوقع أن تنهار في مواجهة دموية أو سياسية محتملة مع «حماس». فالتصريح جاء للتهرب من مسئولية إفشال «المؤتمر الدولي» وتحميلها الطرف الفلسطيني بذريعة أنه ليس مؤهلا وغير قادر على ضمان مستقبل تسوية تتضمن الانسحاب من الضفة الغربية.

الانسحاب مرفوض، والتسوية مؤجلة، والسلطة الفلسطينية ضعيفة، و «حماس» قوية، وأمن «إسرائيل» مهدد بالصواريخ... كلها عناوين سريعة للقول إن فرص السلام أو الدولتين في «المؤتمر الدولي» في الخريف المقبل مجرد أحلام وسحابة صيف. وبما أن كل الأمور مستبعدة من الآن حتى خمس سنوات مقبلة فمعنى ذلك أن الصراع على الضفة الغربية انفتح بين الاحتلال والسلطة الفلسطينية بقيادة عباس ومن يأتي بعده.

الصراع على الضفة هو الأساس ويحتل أولوية في الاستراتيجية الإسرائيلية. ففي الضفة ركزت تل أبيب مستعمراتها ومستوطناتها وفيها تقع المدن المقدسة (القدس والخليل) وعلى حدودها الأردن ونهر الأردن والعمق اللوجستي والديموغرافي (السكاني). وبما أن الضفة أولا وقبل القطاع فإن الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي خلال السنوات المقبلة سيتركز عليها. وفي ضوء نتائج معادلاتها السياسية والميدانية ستقرر الكثير من المعارك والتسويات.

كلام باراك الذي استفز واشنطن فيه الكثير من المعاني تبدأ بالصراع على هوية الضفة وتنتهي بتهرب تل أبيب من استحقاقات تسوية وعد بوش بتمريرها في «المؤتمر الدولي».

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1801 - السبت 11 أغسطس 2007م الموافق 27 رجب 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً