العدد 1807 - الجمعة 17 أغسطس 2007م الموافق 03 شعبان 1428هـ

أولويات علي فخرو للعمل العربي الراهن

فوزية مطر comments [at] alwasatnews.com

في محاضرة له الشهر الماضي قدم الوزير السابق والمفكر البحريني والقومي الكبير علي فخرو رؤية بشأن أولويات العمل العربي الراهن محددا إياها في خمس. الأولوية الأولى هي ضرورة نجاح المقاومة والممانعة للمشروع الأميركي الصهيوني الذي يرمي إلى تفتيت الأمة العربية سياسيا ودينيا ومذهبيا وإلى تقوية الوجود الصهيوني. والثانية تذهب لإيجاد الديمقراطية الحقيقية في بلدان المنطقة العربية. والأولوية الثالثة هي قيام جبهة عربية من القوى الإسلامية والقومية واليسارية والليبرالية والمستقلة لإفشال المشروع الأميركي الصهيوني والتغلب على مقاومة الأنظمة لإيجاد الديمقراطية الشاملة. أما الأولوية الرابعة فهي التوجه لتحقيق تصالح تاريخي سياسي سني شيعي أمام الأخطار الجسام التي تواجه الجميع. وترتبط الأولوية الخامسة بأوضاع دول مجلس التعاون وتنقسم إلى شقين هما: استثمار فوائض العائدات البترولية لإحداث اقتصاد إنتاجي ومعرفي حقيقي ودائم، وتوطين العمالة العربية في دول الخليج توطينا يساهم في إبقاء عروبة هذه المنطقة.

بداية نعرب عن احترامنا للقلق القومي الكبير الذي ينطلق منه مفكرنا علي فخرو لتحديد الأولويات، ونقدر كثيرا جهوده الدائمة في تقديم الرؤى لانتشال الأمة العربية من إشكالاتها التي لا تنتهي. وقبل أن نسوق وجهة نظرنا بشأن كل واحدة من الأولويات المطروحة، فإننا نحسب أنها - في العموم - أولويات قديمة جديدة، كان معظمها مطروحا بشكل أو بآخر منذ عقود، ولم تزل مطروحة من دون أن تطال الكثير من جزئياتها أي خطوات عملية على طريق التنفيذ. مخطط تفتيت الأمة مطروح على الأجندة الأميركية منذ حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973 في أعقاب الموقف العربي الموحد لقطع النفط عن الدول الغربية. والتوجه نحو الديمقراطية مطروح منذ بدايات حركة التحرر الوطني الديمقراطي في بلدان المنطقة. والدعوة لجبهة عربية موحدة مطروحة منذ اغتصاب فلسطين. والدعوة لتجاوز الخلافات الطائفية مطروحة منذ اعتمد المستعمر سياسة «فرق تسد» في عموم المنطقة. وقضايا الفوائض والعمالة مطروحة في دول الخليج العربية منذ الطفرة النفطية الأولى وتدفق الثروة في السبعينات الماضية.

كما أنها أولويات من الاتساع والبعد والشمول بحيث تتخطى اعتبارها أولويات للعمل العربي الراهن، هذا إن كان قياسنا للراهن يعادل الخمس أو حتى العشر سنوات القادمة. وعلى صعيد آخر فإن المحاضر لم يطرح آليات محددة للمضي قدما في تنفيذ تلك الأولويات التي نظنها ستبقى مجرد نقاط أو أفكار حبيسة، إن لم تُحدَد وتُباشَر آليات تنفيذها، وإلا فقد تُنسى وتذروها الرياح. ولعلنا هنا نتعشم تحركا عمليا يدشنه علي فخرو وأمثاله من المخلصين الذين يتجرعون هموم هذه الأمة بشكل دائم لا يتوقف.

في أولويته الأولى يخشى المفكر علي فخرو تفتيت الأمة، وما نلمسه أن الأمة قد تم فعلا تفتيتها وهي لم تكن يوما مفتتة بالقدر الذي هي عليه الآن. كما نظن أن قوة الوجود الصهيوني في أوجها اليوم، كما لم تكن في أي مرحلة سابقة والدليل هذه العربدة الصهيونية المتمادية والمسكوت عنها في غزة والضفة وما يقابلها من تواصل التنازلات الفلسطينية. من جانب آخر، صحيح أن مقاومة المحتل يجب أن تبقى هدفا نضاليا عربيا، إلا أن التساؤلات تطرح نفسها حول الدورين الإيراني والسوري اللذين يتناقض كل منهما مع نفسه بين هذه البقعة العربية وتلك. الدور الإيراني المتحالف مع سورية في مناهضة المشروع الأميركي الصهيوني وفي دعم المقاومة في لبنان وفلسطين هو ذاته الدور المتحالف مع الأميركان في تنفيذ مشروعهم التدميري في العراق! والدور السوري المتحالف مع إيران في مناهضة المشروع الأميركي الصهيوني وفي دعم المقاومة في لبنان وفلسطين هو نفسه الذي يغض الطرف عن احتلال صهيوني لأراض سورية شاسعة. ومنذ ما يربو على النصف قرن لم تبد سورية حيال احتلال أراضيها أدنى مقاومة. إنها لعبة مصالح في المنطقة يمضي فيها النظامان الإيراني والسوري، وهي المصالح ذاتها التي تضع هذين النظامين في عداد أكثر الأنظمة قمعية في التعامل مع شعوبها وأوضاعها الداخلية بل وأوضاع البلدان التي تمتد يدها لتقرر مصائرها(العراق بالنسبة لإيران ولبنان بالنسبة لسورية).

نؤيد الأولوية الثانية بشكل تام، لكننا نظن أنها لا تقع ولن تقع اليوم أو غدا في حسبان الأنظمة العربية. الأنظمة العربية قاطبة ينطبق عليها ما ذهب إليه السياسي والكاتب الكويتي أحمد الدين في محاضرة له في البحرين أبريل/ نيسان 2007) بشأن «أزمة استحقاقي الإصلاح والتنمية في دول مجلس التعاون»، حيث يرى أن العائق الأكبر أمام الإصلاح الديمقراطي في دول الخليج هو أن الأنظمة الخليجية وضعت «مشروع الحكم» كأولوية تسبق بل تتعارض أحيانا كثيرة مع مشروع بناء الدولة الديمقراطية الحديثة، وهي رؤية تنطبق - بظننا - على مجمل الأنظمة العربية.

حيال الأولوية الثالثة نتساءل هل نجحت القوى التي ذكرها فخرو في عقد تحالفات بينية على الصعيد القطري المحلي على أقل تقدير، لكي تنجح على الصعيد القومي العربي؟! لا بل إن مفكرنا علي فخرو يتفاءل فيطلبها جبهة عالمية! إن عدم قدرة أو عدم رغبة الأنظمة العربية في اتخاذ مواقف موحدة يسري أيضا لسبب أو لآخر على القوى المجتمعية غير الرسمية، فهي الأخرى أثبتت عجزها عن ذلك. بات الموقف العربي الموحد على الصعيدين الرسمي والأهلي ظاهرة صوتية بامتياز تنتهي بانتهاء صداها.

أما الأولوية الرابعة فنظن أنها فعلا أولوية معنيٌ بها العرب جميعا، وهي بحاجة لبذل أقصى الجهود باتجاه مواجهة الطائفية وتحجيمها. إلا أننا نحسب أن تحقيق نجاح محرز في ذلك لا يتأتى - في ظل وضع جد معقد وأولويات جد ملحة - بالمطالبة بالتخلي عن شعار المظلومية الذي تجذر عبر مئات السنين، ولا من خلال المطالبة بقيام مذهب جديد أو مدرسة فقهية جديدة. إن أيا من هذين المطمحين - على رغم سمو وقيمة المناداة بهما - يحتاج أي منهما إلى ما لا يقل عن مئة عام للاتفاق عليه واعتماده وفقا لمستوى وتيرة وإنجاز العمل العربي والإسلامي. الأولويات الملحة بحاجة لمقترحات وآليات ممكنة يتيحها الواقع المعاش.

الأولوية الخامسة والأخيرة واردة تماما في شقها الأول، ونحسب أن الدور الضاغط الآتي من عمل منظم لمؤسسات المجتمع المدني هو المرشح فحسب لتحريك هذا الملف باتجاه مصالح شعوب المنطقة. أما الشق الثاني فنظن أن الذهاب لحل معضلته من باب الشعور العروبي القومي يزكي رؤية علي فخرو. لكن الذهاب إليه بحسابات واقع وتداعيات العطالة الوطنية في معظم دول مجلس التعاون فيطرح بعض المحاذير قبل المضي فيه وتعميمه. كما لا يمكن هنا تجاهل اشتراطات العولمة واستحقاقات توقيع دول مجلس التعاون الخليجي على اتفاقات التجارة الحرة التي تفرض وستفرض أنماطا من العمالة الأجنبية واستحقاقاتها وتقنين التعامل معها ما يتخطى الطموح المطروح في الأولوية المذكورة. وأحسب أن هذا أحد الاعتبارات التي أولاها مجلس التنمية الاقتصادية في البحرين اهتمامه حين رسم خططه التنموية.

إقرأ أيضا لـ "فوزية مطر"

العدد 1807 - الجمعة 17 أغسطس 2007م الموافق 03 شعبان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً