العدد 1810 - الإثنين 20 أغسطس 2007م الموافق 06 شعبان 1428هـ

إدارة واشنطن بعد «الصيف الساخن»

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

هل بدأت الإدارة الأميركية تستعد فعلا للانسحاب من العراق؟ المعلومات التي تسربها الصحافة ومراكز البحث واصحاب القرار كلها تجمع على أن واشنطن دخلت في طور جديد في سياسة التعامل مع قوى المنطقة وأطرافها. وهذا الطور في حال تبلور في صيغة خطة ميدانية في الشهر المقبل يعني عمليا أن كل الكلام عن «صيف ساخن» أو «خريف حار» أو ما شابه أصبح عرضة للنقاش والتداول.

حتى الآن الأمور مبهمة وتحتاج المنطقة إلى فترة من الوقت لتظهر الصورة الحقيقية على أرض الواقع. وبين الانسحاب والهجوم هناك حقول ألغام لا بد من تجاوزها لتحاشي احتمالات انفجارها. فالوضع عموما لايزال في دائرة الخطر وهذا ما يمكن استطلاعه من متابعة تصريحات نارية تعكس أحيانا الاحساس بالقلق.

بعيدا عن سيناريوهات «الصيف الساخن» و»الخريف الحار» بدأ سيناريو الانسحاب يفرض شروطه السياسية على المعادلة الدولية وتداعياتها الإقليمية. فكل خطوة محسوبة ويمكن قراءة عناصرها من وجوه مختلفة. مثلا كيف يمكن فهم زيارة وزير الخارجية الفرنسي برنارد كوشنير إلى بغداد؟ هل هي تأتي في سياق الاعتذار من الولايات المتحدة وبداية تفاهم بين واشنطن وباريس على مرحلة ما بعد العراق؟ أم تأتي في سياق التنافس مع الولايات المتحدة بعد أن أدركت باريس أن واشنطن تمر في مرحلة صعبة وتستعد للانسحاب؟ هل هناك تنسيق أميركي - فرنسي على زيارة كوشنير أم هناك اختلاف عليها؟ فكل تحليل يدفع القراءة إلى زاوية مختلفة. فالتنسيق يعني أن الدولتين وضعتا سلسلة تفاهمات على جدول أعمال المنطقة بدءا من الملف النووي الإيراني ومرورا بالرئاسة اللبنانية وانتهاء بغزة. والاختلاف يعني عودة التنافس وربما التزاحم على إدارة السياسة في المنطقة بعد المتغيرات الميدانية التي طرأت دوليا واقليميا.

الأمر نفسه يمكن سحبه على قراءة زيارة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي إلى دمشق وهي الأولى من نوعها بعد الاحتلال الأميركي لبلاد الرافدين. فهل الزيارة إشارة خضراء لبدء الاعتراف بالنظام العراقي الجديد الذي اسسه الاحتلال وبالتالي انتقال التنسيق (تبادل المعلومات) بين دمشق وواشنطن من إطار التخابر إلى مستوى أعلى من التفاهمات السياسية؟ هذا جانب من القراءة.

الجانب الآخر يثير أسئلة تتصل بالمأزق الأميركي في العراق وحاجة بغداد إلى مزيد من التعاون الاقليمي الذي يرفع عن كاهل الاحتلال مسئوليات كثيرة تمهد له طريق الانسحاب من دون خسائر كبيرة. فهل الزيارة تعني بدء التعاون مع الاحتلال لترتيب «انسحابه المشرف» أم هي مجرد رفع عتب في اعتبار أن استمرار المالكي في رئاسة الحكومة يعتمد كثيرا على المنحى الذي سيتجه إليه «تقرير سبتمبر»؟

كل خطوة تعني أكثر من احتمال. والتفسيرات المتعارضة التي تطلق من هنا وهناك تكشف فعلا عن وجود غموض في السياسات الدولية والاقليمية تحتاج الى وقت للتبلور. وأساس الغموض كان ولايزال يأتي من تلك الفوضى السياسية التي تمر بها الإدارة الأميركية منذ الانتخابات التشريعية النصفية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2006.

الفوضى السياسية الأميركية هذه يمكن الاستدلال عليها من خلال متابعة الكثير من العناوين الداخلية والدولية والاقليمية والعراقية. داخليا لم يحدد الرئيس جورج بوش أجوبته النهائية بشأن الكثير من الملفات الساخنة وتحديدا مسألة الانسحاب من العراق، وأسلوب التعامل مع الملف النووي الإيراني، وموضوع لبنان وفلسطين وما يقال عن «مؤتمر دولي» في الخريف المقبل.

بين الداخل والخارج

المسألة الداخلية الأميركية إذا أصبحت تدور على محاور دولية. وهذا الجديد في سياسة التنافس بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري يمكن سحبه على طبيعة العلاقة مع أوروبا والمتغيرات التي طرأت على القارة في السنتين الماضيتين. كذلك يمكن الاطلال منها لرؤية ذاك التوتر الغامض في أبعاده الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية.

اضطراب الاضداد داخل وحدة الإدارة الأميركية يعطي إشارات ضوئية متعاكسة أحيانا. ولكن الاضداد يرجح ان تستقر نسبيا في ضوء نتائج «تقرير سبتمبر» في الشهر المقبل. فالتقرير لا بد له من أن يرجح هذا الاتجاه أو ذاك في مسيرة الإدارة التي دخلت الآن طورها الزمني الآخير. بوش أمامه مدة زمنية لا تزيد عن 18 شهرا وهي تشكل الشوط النهائي في سياسة ايديولوجية هجومية ساهمت في توليد ديناميات سلبية تحتاج إلى فترة طويلة لاحتواء تداعياتها. والتداعيات لا تقتصر على الغزوات العسكرية وانما تجرجر ذيولها على الانسحاب.

الانسحاب كالهجوم أحيانا لأنه يؤسس قواعد تجاذب يؤدي إلى نوع من خلط للأوراق ويجدول برنامج القوى في سياق سلسلة أولويات قد تقلب الثانوي إلى رئيسي والرئيسي إلى ثانوي. وأحيانا وهذه نقطة غير متوقعة قد تؤدي إلى تشكيل تحالفات جديدة تنقل الصديق إلى موقع الخصم أو العدو وربما يتحول فيها الخصم أو العدو إلى صديق أو حليف. وتحت سقف هذه القراءة العامة يمكن أن ننظر إلى زيارة كوشنير إلى بغداد في وقت تخطط لندن للانسحاب من البصرة، كذلك يمكن أن نفهم الطبيعة السياسية لزيارة المالكي إلى دمشق عشية صدور «تقرير سبتمبر».

السياسة حمالة أوجه. وكل خطوة يمكن فهمها في سياقات مختلفة وخصوصا أنها تأتي في ظروف قلقة تطغى عليها أجواء ملبدة ولدتها تلك الفوضى السياسية التي تعصف منذ نوفمبر الماضي بالإدارة الأميركية.

الانسحاب أصبح من الاحتمالات المطروحة بقوة على جدول أعمال بوش في الفترة المتبقية من عهده. والانسحاب كالهجوم أي أنه سيولد ديناميات سياسية في دائرة جغرافية استراتيجية وحيوية وغنية بالغاز والنفط وثرية بالرسالات الدينية وما تعنيه وتمثله من رموز واشارات في الذاكرة التاريخية.

طبعا الانسحاب الأميركي ليس قرارا نهائيا وانما بات من الاحتمالات المطروحة بقوة لأسباب كثيرة منها محاولة لتخفيف الضغط الداخلي على إدارة واشنطن. ولكن للانسحاب الأميركي شروطه الدولية وكلفته الاقليمية وتداعياته الاستراتيجية لأنه يعتبر في معادلة القوة نقطة مهمة في ترجيح الميزان لمصلحة هذه الكفة أو تلك. فالقرار المتوقع ليس بسيطا فهو يعتبر الأخطر والأهم منذ نهاية حرب فيتنام مع فارق واضح في النتائج المحتملة. في السبعينات خسرت أميركا موقعا ولكنها نجحت في تجاوزه حين جددت قواها الداخلية لتستعيد لاحقا حضورها الدولي. الآن اختلفت المعادلة. فالموقع يرجح ألا تخسره نهائيا ولكن أميركا نفسها باتت في موقع دولي يتأرجح بين القدرة على المحافظة على قوتها وبين قوى صاعدة في آسيا وأوروبا تمتلك قدرات كثيرة تسمح لها بالتنافس وربما الفوز في سباق معادلة القوة.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1810 - الإثنين 20 أغسطس 2007م الموافق 06 شعبان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً