العدد 1815 - السبت 25 أغسطس 2007م الموافق 11 شعبان 1428هـ

الولايات المتحدة... إمبراطورية تقتلها الأشباح

من دبلوماسية السلم لدبلوماسية الحرب

عادل مرزوق Adel.Marzooq [at] alwasatnews.com

-

لم يجد الأميركيون أخيرا في حلحلة الكثير من ملفاتهم الأمنية المنفلتة للحلول الدبلوماسية «نجاعة» يستطيعون الرهان عليها في تحمل اللعبة الكونية الجديدة بعد نهاية الحرب الباردة. هنا، تبدو خيارات «العسكر» الطريق نحو الطمأنينة والسلام، الصيني صن تسو أطلق هذه المقولة، والاميركيون صدقوها.

اليوم، يبدو الأعداء - المتوسطو «الحجم» و«القوة» في الغالب - مزعجين جدا. والأميركيون مع صعوبة الولوج في خيار الإعتماد على الحلفاء التقليديين لا يجدون مناصا في ضمان أمنهم «القومي» ولو كان الخيار العسكري «الفردي» الطابع من جهة أخرى يكلفهم في كل مرة الكثير.

لماذا لا يستطيع الأميركيون اليوم انتهاج خيار التحالفات التاريخية؟، الإجابة لا تقف في حدود أن بعض حلفاء اليوم هم خطرون أيضا في ملفات أخرى، هي الأخرى مرشحة بالأساس، لأن تنفجر.

ووفق قاعدة الخلاصات النهائية، تسير الخريطة السياسية الدولية نحو عشوائية في التنظيم والتأسيس والتموضع، وتنشأ عنها في سياق متصل فوضى في السياسة الخارجية الأميركية لا يتحمل الأميركيون وحدهم أخطارها والمسئولية عنها.

في هذا السياق، يشير الباحث الاستراتيجي سيوم براون في كتابه «وهم التحكم» إلى أن الميل لخيارات الحرب لا يبرر بسبب أعداد الأطراف المؤكدة لذاتها بعداونية فحسب، بل «لأن هشاشة - النظام العالمي الجديد - صداقاته وخصوماته وسرعة تقلبها تجعلان تشكيل تحالفات يعول عليها وصيانتها ومنظمات أمنية دولية قابلة للدوام أمرا بالغ الصعوبة. الحلفاء على الصعيد العسكري يعانون من خلافات جدية بشأن كيفية محاربة الإرهاب. ثمة شركاء تجاريون قد يكونون خصوما على صعيد حقوق الإنسان وقضايا تقرير المصير العرقي. وهناك أعداء ثقافيون ودينيون يكونون حلفاء في قضايا البيئة والتنمية العالمية».

ويضيف سيوم إلى كل ذلك عاملا آخر وهو العنف المحلي الدولي، خصوصا في الأقاليم الخارجة من تحت العباءة الكولونيالية «الاستعمار»، يقول سيوم «إن جزءا كبيرا من هذا العنف موجه ضد الولايات المتحدة بسبب هيمنتها، وثروتها، وإصرارها الشديد على فرض طريقتها الخاصة أو عناصر محلية يزعم أنها مكلفة بخدمة المصالح الأميركية».

المعارك الصغرى «أصعب»

في خضم هذه الخريطة الدولية الجديدة والمعقدة لا تجد الولايات المتحدة عدوا حقيقيا وفق كلاسيكيات الصراعات الدولية التاريخية، فالقطبية الدولية التي انتهت لصالح الأميركيين خلفت من ورائها أعداء أقل قوة لكنهم أكثر خطورة وإزعاجا سواء في شق المواجهة أو في شق العمل الدبلوماسي التقليدي.

من هنا، سأشتق نتيجة مهمة، وهي أن مجمل الإخفاقات الدبلوماسية للخارجية الأميركية ليست سوى نتيجة اختلال التوازنات الدولية واختلاف لعبة التوازن الدولي من الإرتهان لقطبين مركزيين إلى عدة أقطاب، البعض منها «غير ملموس» و«غير محسوس» أصلا.

من الطبيعي إذأ، أن تفشل الدبلوماسية الأميركية في حواراتها/ اشتغالاتها/ تفاهماتها مع الأيديولوجيا الإسلامية السلفية مثلا، إذ لا تجد الأولى الكيان المادي والمحسوس للثانية.

الإختلالات هذه، تسببت في إيجاد حالة من «التراجع» الدبلوماسي والنزوح لخيار الحل العسكري في الكثير من الملفات الأمنية الشائكة في منطقة الشرق الأوسط. الأكثر من ذلك، أن لغة التلويح بالخيار العسكري أصبحت هي أيضا، أداة الدبلوماسية الأميركية في الحوار!

لا يجد الأميركيون اليوم في غير الخيار العسكري القدرة على إنهاء مجمل الأخطار التي تطوق مصالحهم الدولية. وإذا ما أضفنا لذلك متطلبات «المكنة» الاقتصادية للولايات المتحدة وهيمنة «رأس المال» الصناعي المؤثر في الإعلام الأميركي نجد في المحصلة أن خيارات «الحرب» تبدو الطريق الأقصر نحو تحقيق أعلى مستويات الرضا الداخلي، والذي لا يكاد يهدأ حتى ينقلب مرة أخرى كلما تدفقت توابيت الجنود الأميركيين لأهاليهم من العراق أو أفغانستان.

لا نستطيع أن نحدد - ولا الأميركيون على ما يبدو - ما إذا كان الخيار العسكري المنتصر أولا والمنتقد تاليا منذ الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول هو أكثر نجاعة من خيار الدبلوماسية الهادئة. إن التفكير في هذا السياق قد يحمل في طياته مخاطر كبرى، فعلى رغم الانتقادات التي طالت إدارة الرئيس بوش إلا أن أحدا من الأميركيين لا ينكر أن الإدارة نفسها أستطاعت أن تحمي الأراضي الأميركية حتى اليوم من أي اعتداء.

من جهة أخرى، بات مجموع الدول المفلسة سياسيا أو التي تمر بمشكلات اقتصادية كبرى أو التي تدار من أنظمة شمولية مشبوهة، بات يشكل «الشبح» الذي يزعج الأميركيين إلى ذلك الحد الذي تكاد الدبلوماسية الأميركية تفقد فيه تاريخية إنجازاتها التي تحققت في السنوات الماضية. وهو ما يجعل من الأميركيين في حاجة ماسة لإعادة النظر في حالة عدم الانتباه لضرورات المرحلة الجديدة سياسيا ودبلوماسيا. وهو ما يقتضي أيضا، محاولة إعادة هيكلة العملية الدبلوماسية برمتها قبل أن تقتل مجموعة من الأشباح - التي تمر بمرحلة مراهقة - الإمبراطورية الأخيرة والأقوى على هذه الأرض.

إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"

العدد 1815 - السبت 25 أغسطس 2007م الموافق 11 شعبان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً