العدد 1817 - الإثنين 27 أغسطس 2007م الموافق 13 شعبان 1428هـ

المقاومة وحدها هي التي تخيفهم!

محمد علي الهرفي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

أحد كتاب «الشرق الأوسط» كتب قبل أيام مقالا سخر فيه من حركة «حماس» ومن رئيسها إسماعيل هنية الذي أطلق عليه وصف «رئيس دولة غزة» ووصف «رئيس الانقلاب» كما أكثر السخرية من قول إسماعيل هنية «إن هناك مؤامرة دولية لإفشال حماس من أجل إفشال النموذج الإسلامي في الحكم»، وتساءل ساخرا: إذا كانت حماس عاجزة عن تأمين الكهرباء وكذلك الحاجات الأساسية للمواطنين فهل هذا النموذج يخيف أحدا؟

ثم ادعى بعد ذلك أن «إسرائيل» تعيش هانئة بعد تولي حماس الحكم إذ كانت «السيارات الانتحارية» - بحسب وصفه - وكذلك «النساء المفخخات» تقوم بإزعاج «إسرائيل» وإن هذا الإزعاج توقف بالكامل ما سبب سعادة لـ «إسرائيل»!

من حق كل واحد أن ينتقد حماس فهي ليست معصومة من الأخطاء، وقد كتبت أكثر من مرة منتقدا دخولها في متاهات السياسة ومتمنيا لوأنها بقيت في مكانها السابق حركة مقاومة شعبية حتى يتم تحرير الشعب الفلسطيني من الاحتلال، ولكن ليس من حق أحد أن يقول في «حماس» ما ليس فيها بسبب أن منهجها في مقاومة الاحتلال لا يعجبه ويريد لها ولسواها أن تستكين لكل الضربات التي تواجهها وتقبل بالاحتلال وكل مساوئه من دون أن تتحرك لفعل أي شيء لمقاومته.

المقاومة - وحدها - أثبتت دائما وفي كل العصور أنها السبيل الوحيد لإخراج المحتل وإعادة البلاد لأصحابها، والمقاومة اليوم تثبت الشيء نفسه سواء في فلسطين أو العراق أو لبنان، وكم أتمنى أن يقوم السوريون بالدور نفسه لتحرير «الجولان» من الاحتلال، فالجولان سيبقى محتلا إلى الأبد ما لم يتحرك السوريون لتحريره بالقوة، فالمفاوضات أثبتت فشلها في تحرير الأوطان لأن المحتل الذي دفع الكثير من ماله ورجاله لن يقبل بالعودة من حيث أتى من دون تحقيق المكاسب التي أتى من أجلها، والكلام - وحده - لا يجعله يتراجع عن أهدافه مهما كثر الكلام ومهما امتدت السنوات في أحاديث المفاوضات.

الفلسطينيون فاوضوا في «أوسلو» وتنازلوا كثيرا - ومازالوا - ومضت السنوات طويلة متثاقلة فماذا كانت نتيجة المفاوضات؟ زيادة الأراضي المحتلة والمستوطنات وقتل مستمر للفلسطينيين، وحديث لا أكثرعن دولة فلسطينية وهمية لا يمكن لليهود أن يسمحوا بقيامها مهما كان هزالها.

والمحتلون الأميركيون لن يخرجوا من العراق إلا بالمقاومة، وها هم الآن يترنحون بسببها، ولو سكت العراقيون عن الاحتلال لما فكر الغزاة بالخروج منها أبدا.

سخرية «صاحبنا» من ادعاء هنية خوف الصهاينة من حماس واتجاهها الإسلامي يستحق السخرية فإذا لم تكن «إسرائيل» خائفة من حماس منذ اللحظة الأولى لفوزها في الانتخابات فلماذا كل هذا الحصار الذي قامت به وحشدت له كل أنصارها ومازالت تمارسه - مع أنصارها - حتى هذه اللحظة؟ لماذا تضغط «إسرائيل» - وأنصارها - لإنهاء حماس وإخراجها من الحكم؟ ولماذا هللت «إسرائيل» - وأنصارها - عندما أعلن «عباس» عن تشكيل حكومة جديدة لا تشارك فيها حماس؟ ولماذا فتحوا خزائنهم وقلوبهم للحكومة الجديدة؟ إذا لم يكن كل ذلك خوفا من حماس فماذا يكون إذا؟

منهج «حماس» في المقاومة هو الذي يخيفهم، والسيارات المفخخة هي التي ترعبهم، ومثلها «النساء المفخخات» والصواريخ التي تهكم منها الكاتب كما تهكم منها سواه ممن لا يرى المقاومة ويفضل عليها الاستسلام.

دعوني أحيلكم إلى التقرير الذي كتبه المكلف بإعداد تقرير عن الحرب الإسرائيلية اللبنانية إلياهو فينوغراد، فقد انتقد التقرير صمت حكومة أولمرت على تزايد قوة حزب الله، لأنها لو لم تصمت - بحسب رأيه - لما واجهت تلك الهزيمة التي هزت ثقة الإسرائيليين في جيشهم الذي لا يقهر!

وبعد صدور هذا القرار أكد الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية عوزي ديان وجوب شن حرب عسكرية قوية ضد حركة حماس ومنعها من مواصلة بناء قدرتها العسكرية، ومنع كل الفصائل الأخرى من إطلاق الصواريخ على التجمعات السكانية اليهودية.

أليس الخوف - وحده - يا صاحبي هو الذي جعلهم يتخذون هذا الموقف؟ لو لم تكن هناك مقاومة صادقة هل كانوا سيفكرون في اتخاذ كل الخطوات لمقاومة حماس ومن على شاكلتها؟

لو لم تكن هناك مقاومة في لبنان، ولو لم تصل الصواريخ إلى قلب دولة الاحتلال لما تقدم آلاف الصهاينة للخروج من «إسرائيل» ولما شعر الصهاينة - أيضا - أنهم مهددون في فلسطين.

هذا الشعور - وحده - كافٍ لجعل مكانة المقاومة عالية في نفوس العرب جميعا لأنه بداية الطريق لزوال الاحتلال.

المقاومة الفلسطينية هي التي أنهكت الأميركان، ومثلها المقاومة العراقية، وهذه المقاومة هي التي ستعجل بزوال أميركا أو إضعافها إلى الأبد.

ولكي يتضح دور المقاومة في التأثير على أميركا دعوني أورد جملا مما قاله كبير مفتشي الحكومة الأميركية ديفيد ووكر، إذ قال: «إن الولايات المتحدة تقف الآن على هاوية الهاوية وذلك في صورة سياسات وممارسات لا تطيقها البلاد»، وذكر منها «فساد النشاط السياسي والثقة المفرطة بالنفس إلى درجة الغرور، والمبالغة في نشر القوات في الأراضي الأجنبية والتبذير في إنفاق المال العام من قبل الحكومة المركزية».

مرة أخرى، لماذا تنفق أميركا مليارات الدولات في العراق وفلسطين؟ أليست المقاومة هي السبب في كل ذلك؟ المقاومة - التي لا تعجب البعض - هي التي جعلت أميركا تقرر إعطاء الصهاينة ثلاثين مليار دولار في السنوات العشر المقبلة... أليست المقاومة أو الخشية من مقاومات أخرى هي السبب في كل هذا الإنفاق؟! أليس الخوف من المقاومة هو الذي جعل أميركا تنفق كل هذه الأموال؟ أليست المقاومة هي التي تسببت في إضعاف أميركا كما قال كبير مفتشيها؟

المقاومة بكل أطيافها وبغض النظر عن يقوم بها هي الطريق الوحيد لتخليص المناطق المحتلة من محتليها، وهي الطريق الذي تقف معه جميع الشرائع السماوية والقوانين الأرضية.

لكن الأمل يبقى أن تنهي حماس أزمتها مع حركة فتح، والأمل أن يدرك القائمون على فتح أن مصلحتهم مع أبناء وطنهم وليست مع المحتل مهما كانت وعوده فهي كاذبة بالتجربة التي امتدت طويلا.

ليس من مصلحة فتح الإساءة إلى مواطني غزة وتأليب الأوروبيين عليهم زورا وبهتانا وتضييق كل أنواع الحصارات عليهم بهدف إضعافهم - كما يقال - ومن ثم استسلامهم لكل شروط «إسرائيل».

الفلسطينيون جميعا يجب أن يكونوا في خندق واحد مهما اختلفوا، فالعدو واحد وهو يستهدفهم جميعا حتى في هذه الأيام التي يحاول فيها إيهامهم أنه يقف مع السلطة ضد حماس وأفعاله وجرائمه اليومية شاهدة على ذلك.

حماس قامت بعمل جيد في غزة إذ ضبطت الأمن وأوقفت سفك الدماء ونهب أموال المواطنين وما شابه ذلك من اعتداءات كثيرة على المواطنين، وحماس تطالب بتطبيق قرارات مؤتمر مكة المكرمة وتطالب بالحوار مع فتح ومن واجب الدول العربية أن تقف مع حماس وأن تبادر إلى القيام بعملية صلح سريعة لتفادي أزمات سيئة لا يستفيد منها إلا الصهاينة وحدهم.

وأخيرا، فإن المقاومة - بكل أبعادها - وحتى في مقاومة ارتفاع الأسعار هي صمام الأمان للمجتمعات التي تبحث عن الاستقرار والعزة والكرامة.

إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"

العدد 1817 - الإثنين 27 أغسطس 2007م الموافق 13 شعبان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً