العدد 1834 - الخميس 13 سبتمبر 2007م الموافق 01 رمضان 1428هـ

القيــادة هي عمــل كل فــرد

تأملات في الفكر الاستراتيجي

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

يسود الاعتقاد بأن القيادة تخص أشخاصا بعينهم يولدون بها، وهذا ما يتعارض مع اعتبارين مهمين:

الأول: عدالة الله سبحانه وتعالى الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم على أساس المساواة بين البشر.

الثاني: منطق الحياة العملية والدراسات التطبيقية التي أجراها العلماء والباحثون، ووجدوا أن القيادة موجودة في الكثير من البشر في مختلف المواقع.

وبناء على ذلك خلص فريق من الباحثين والخبراء وفي مقدمتهم «كوزيس» و»بوزنر» في كتابهما القيم (القيادة هي التحدي) إلى أن القيادة هي عمل كل فرد في كل مجال.

كما ذهب ديل كارنيجي وهو من أوائل العلماء الذين اهتموا بالجانب النفسي للأفراد وعلاقتهم إلى الاتجاه نفسه قبلهما في كتابه (أكتشف القائد الذي بداخلك).

ولهذا ظهرت عدة شعارات في مقدمتها:

1-اجعل عقلك متفتحا وقابلا للتغيير طوال الوقت. لا يمكنك تحقيق التقدم من دون مراجعة أفكارك وآرائك باستمرار (ديل كارنيجي).

2-إن القيادة تستدعي التعلم في الوظيفة مع الإرادة القوية والقلب المفعم بالأمل للاستمرار في العمل وبذا يمكنك قيادة الطريق (كريستيان فوكس - ممثل الصليب الأحمر في كينيا).

3-ليس هناك نقص في الفرص أمام الأفراد للقيام بأعمال عظيمة، إنه يمكنهم ويجب أن يقوموا بذلك (ماري بث كاهل - شركة ائتمان).

ولكن من أجل الاضطلاع بمهمة القيادة لابد من التخلص من عدة أساطير مرتبطة بها:

الأولى: أسطورة أن القيادة حكر على قلة من الناس، والتساؤل هل أنت مولود قائد أو أنك صنعت قائدا؟ والإجابة الصحيحة نعم، إن كل القادة يولدون لآن كل البشر يولدون، وهذا ما نشاهده في مختلف المجالات.

الخرافة الثانية: إن القيادة مرتبطة بمنصب أو وظيفة معينة، وإنه ما أن تصل هذا المنصب حتى تصبح قائدا. وهذه الخرافة جزء من خرافة أكبر تتعلق بالبطولة والأبطال للحيلولة بين الناس وبين تعلمهم القيادة أو حصولهم على منصب أو وظيفة ما، والحقيقة أن مراقبة القيادة عبر السنين تظهر أنها ترتبط بمهارات وقدرات يمكن تعلمها وأنها تكون موجودة في مختلف المواقع. ولعله من الملفت للنظر أن السؤال عن القيادة لا يطرح بالنسبة للإدارة، إذا أن تعلم الإدارة في الكليات الكثيرة أصبح أمرا مستقرا لتطوير مهارات وقدرات المدير الإداري في مجال الأعمال. وفي تقديرنا أن هذا يمكن أن يتحقق لو طورنا مفهوم تعليق القيادة في المدارس والجامعات، فكل فرد يمكن أن يكون قائدا في موقعه ولهذا فإن مسئوليتنا الجماعية أن نحرر ونطلق القائد الذي بداخلنا من عقاله. ولا مراء في أن الإيمان والإدراك بقدرات الأفراد العاديين على القيام بأعمال خارقة واستثنائية لا حدود لها، ولكن يجب ألا نخدع الإنسان بإمكان تحقيق أهداف مستحيلة، بنفس ما ينبغي إلا نخدعهم بأنه ليس في مقدورهم التميز والتفوق.

والقائد الفرد يمكنه أن يحدث الاختلاف في الحياة، وقد ذهب إلى ذلك المؤرخ آرثر ستشليسنجر بقوله «إن مفهوم القيادة ذاته يتضمن افتراضا بأن الأفراد يمكنهم أن يحدثوا أثرا في التاريخ».

وإن كان ليس هناك قبول عام لهذا التوجه، فالحتمية والقدرية مازالت تسيطر على مفهوم الكثيرين، ويذهب بعض علماء الإدارة إلى أن القادة لهم تأثير محدود على المؤسسة، وأن العوامل الداخلية والخارجية هي التي تحدد مدى نجاحها. ويذهب فريق ثالث إلى أن دور القائد هو دور رمزي وليس جوهري، في حين يذهب فريق رابع منهم «بوزنر» و»كوزيس» على العكس وأن القيادة يمكن أن تتوافر بشكل متنوع في المديرين والأفراد والمتطوعين ورجال الدين والإدارات الحكومية والمدرسين ومديري المدارس والطلاب وغيرهم. وإن المهم هو استخدام الممارسات الخمس النموذجية للقيادة.

وهذه الممارسات الخمس هي:

الأولى: شق الطريق من خلال توضيح الشخص لقيمه الذاتية والعمل بها.

الثانية: بلورة رؤية مشتركة ويلهم بها أتباعه.

الثالثة: يطرح التغيير بالبحث عن الفرص والطرق والأساليب الإبداعية للتغيير والنمو والتحسن.

الرابعة: تمكين الآخرين من العمل والتصرف ويشركهم في السلطة والمسئولية.

الخامسة: إرضاء قلوب أتباعه من خلال رعايتهم ومشاركتهم عاطفيا وتشجيعهم بالطرق كافة.

ولعل أول خطوات القيادة هي قيادة النفس، وتنمية القيادة هي تنمية النفس، فالفنان لديه الريشة والقماش، والموسيقار لديه الآلات الموسيقية، والمهندس لديه الكمبيوتر، والقائد ليس لديه إلا ذاته بمعنى إطلاق قدراته وإمكاناته الكامنة، والتعلم عملية ضرورية في القيادة، فهناك القواعد العامة والركائز ذات الصلة بالقيادة وهناك تجارب الآخرين، ولابد من استيعاب ذلك وهضمه وتمثله بما يتناسب مع الشخصية الذاتية لكل قائد. ويذهب البعض إلى أن القيادة في حد ذاتها ليست لها صلة بالأخلاق، بمعنى أنها محايدة ولكن القادة في ممارساتهم إما أن يكونوا أخلاقيين أو لا أخلاقيين، ولكن من وجهة نظري أن هناك بعدا أخلاقيا مهما في القيادة، لا ينبغي أن ينظر إليه القادة أو المرؤسين باستخفاف، ولهذا فإن أولى الممارسات للقائد هي أن يبدأ بالبحث عن ذاته وقيمه ومبادئه ومثله، وإدراكه بنفسه، وإيمانه بها سيجعل الآخرين يشعرون به ويتبعونه أو العكس.

إن الزعيم الأميركي الأسود «مارتن لوثر كنج» كان شغوفا بالتاريخ والبحث عما إذا كان مفهوم الحب في المسيحية يمكن أن يكون قوة دافعة في العالم وتحول إلى داعية للسلام، ولكن إيمانه بالحب اهتز عندما قرأ كتابات نيتشه التي تمجد الحرب والقوة والعنصر الذي يجب أن يقود الجماهير. وعندما قرأ تعاليم غاندي أعادت إليه الثقة في مبادئ المقاومة غير العنيفة وعندما قرأ السيرة الذاتية لغاندي وجد الزعيم الهندي قاوم كثيرا ضد نفسه لمنعها من ميول ونوازع الكراهية والغضب والعنف. وبعد أن استطاع مارتن لوثر كنج حل الإشكالية في داخل نفسه اعتنق فلسفة اللاعنف. والمغزى هنا أن القائد عليه أن يحل الإشكاليات الأخلاقية والقيمية في ذاته أولا، قبل أن ينطلق نحو الرؤية والتبشير بها، فالقادة يأخذوننا معهم إلى مناطق لم نكن نفكر فيها، ولكن ليس هناك طريق سهل ومعبد نحو المستقبل غير المعروف، هناك فقط التيه، وعلينا أن نكتشف أولا ما داخل ذاتنا كأساس للانطلاق نحو المستقبل والعالم الخارجي من خلال نقاط استرشاد وخريطة وبوصلة حتى لا نضيع في التيه وبيداء قاحلة. والسؤال المطروح أنه أحيانا يمكن للمرء أتباع الممارسات الخمس للقيادة، ومع ذلك يتم فصله من عمله؟ نعم، ذلك لأن هذه الممارسات لا تقدم بالضرورة ضمانا أكيدا للقيادة في جميع الأوقات ولجميع الناس. ولا يستطيع أحد أن يدعي أن اتباع المرء لعدد معين من المبادئ أو النظريات أو القوانين تحقق له النتيجة الأكيدة، لأن الحياة الاجتماعية مليئة بالمفاجآت، التي لا يمكن حصر احتمالاتها على وجه الدقة واليقين. ولا شك أنه في حالات معينة يمكن أن تنقلب الفضيلة إلى الرذيلة، كما هو القول المشهور إن الفضيلة هي وسط بين حالتين كلاهما رذيلة، فالكرم على سبيل المثال هو الوسط بين البخل والإسراف، والذكاء هو الوسط بين العبقرية والجنون وهكذا. وتحدى النظام القائم، وفقا لمبادئ ممارسات القيادة بالتحدي، إذا زاد عن حد معين يمكن أن يدمر صاحبه. والمبادرة ضرورية للتعلم والتحسن المستمر ولكن إذا زاد عن الحد يمكن أن يتحول إلى تهور والدواء الذي يشفي العليل يمكن أن يقتله إذا زادت الجرعة أكثر من اللازم وهكذا. ولعل من أسرار النجاح في الحياة للقائد هو ضرورة أن يكون متفائلا وواثقا من رؤيته ومن المستقبل، وأن يغرس هذه الثقة ويعززها في أتباعه ومرؤسيه، ومن دون الأمل لا مجال للحديث عن الشجاعة من أجل المبادرة والدفاع لتحقيق الأهداف.

وعندما سئل الجنرال «جون ستانفورد» - الذي خاض حرب فيتنام وشارك في حرب الخليج وتقاعد العام 1996م - عن سر النجاح أجاب بكلمة واحدة، هي (الحب). وقد أظهر استطلاع رأي الكثير من القادة أن (الحب) هو القيمة الأساسية التي ظلت معهم طيلة حياتهم وضمنت لهم النجاح وساعدتهم على مواصلة العمل لساعات طويلة بلا سأم ولا ملل على رغم التعب والمعاناة. وبهذا فعلى كل قائد أن يتمسك بمفهوم الحب لمبادئه ورؤيته ولخدمة مؤسسته أو وطنه أو شعبه.

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 1834 - الخميس 13 سبتمبر 2007م الموافق 01 رمضان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً