العدد 1841 - الخميس 20 سبتمبر 2007م الموافق 08 رمضان 1428هـ

البحث عن مانديلا فلسطيني

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

قبل بضعة سنوات طلب مني مسئول إسرائيلي رفيع المستوى أن أخبره كل ما أستطيعه عن كيف يمكن للفلسطينيين أن يجدوا مانديلا خاص بهم. سؤاله كان مثيرا للاهتمام ومناسبا، ولكنه كان مزعجا كذلك لأن سكان جنوب إفريقيا البيض لم «يجدوا» مانديلا فعليا. استغرقت شهورا عدة قبل أن أحصل على الجواب. دعوني أرى فلسطينيا أنتم على استعداد للخسارة أمامه وسأريكم مانديلا الفلسطيني.

صديقي كان قد نسي حقيقة أن مانديلا والمؤتمر الوطني الإفريقي فازوا في جنوب إفريقيا. العامل الحاسم في ما يسمى بالمعجزة هو أن الجنوب إفريقيين البيض قبلوا، بطريقة أو بأخرى ولدرجات مختلفة، هذه النتيجة وحولوها، إن لم يكن إلى نصر فإلى شيء آخر غير الهزيمة، بالتأكيد.

لقد كُتب الكثير عن العوامل الكثيرة التي دفعت العملية قدما، ولكن أحدا لا يستطيع أن ينكر أن القيادة - قيادة مانديلا - لعبت دورا حاسما. على رغم أن حريته عُرضت عليه مرات عدة إذا ما تنازل عن النضال فقط ضد نظام الفصل العنصري، فقد كانت صفقة لا يوافق عليها إلا خائن باع وطنه. مانديلا كان مصنوعا من مادة أكثر صلابة ورفض تقديم تنازلات أساسية سعى الإفريقيون البيض للحصول عليها.

قرار رئيس جنوب إفريقيا ديكليرك الإفراج عن مانديلا من دون شروط جاء تجاوبا مع حالة التململ التي جعلت الدولة غير قابلة للحكم. كان ديكليرك يأمل أن يشرك مانديلا في عملية مطولة من التفاوض يمكن من خلالها الضغط عليه لتقديم بتنازلات حيوية حاسمة. إلا أنه وبعد العديد من الأخذ والعطاء كان ديكليرك هو الذي قام بالتنازلات الأساسية وليس مانديلا.

كيف حدثت هذه التغيرات العجيبة؟ الإجابة المعيارية في العلوم السياسية هي أن ديكليرك وجد نفسه على منحدر زلق حيث ظن أن كل تنازل كان الأخير الذي يحتاجه لجعل مانديلا يوافق. إلا أن هذه التفسير لا يبرر بعد لماذا وافق ديكليرك في النهاية على التنازل عن السلطة للمجلس الوطني الأفريقي خصوصا أن دولة جنوب إفريقيا لم تكن على حافة الانهيار.

من الصعب دائما النظر داخل عقلية قائد سياسي في اللحظة الحاسمة. بغض النظر، أعتقد أن تغيرا جذريا حدث في الطريقة التي رأى فيها ديكليرك مانديلا. فقد أتى ديكليرك إلى السلطة وهو يظن أن مانديلا كان هو الإفريقي الوحيد الذي يمكن أن يعطي التنازلات الضرورية لإبقاء جنوب إفريقيا البيضاء طافية. ولكنه أصبح يرى مانديلا بالتدريج على أنه الإفريقي الوحيد الذي يمكن أن يعطي البيض مستقبلا يستطيعون العيش معه.

من سيقودنا إلى هناك؟

لم يدع مانديلا فرصة تمر من دون التحدث عن مكان الجنوب إفريقيين البيض في جنوب إفريقيا الجديدة. أكد مرة بعد أخرى أن حكم الغالبية لم يعنِ السيطرة على الأقلية البيضاء من قبل الغالبية السوداء. باحثا عن «أرضية وسط بين مخاوف البيض وآمال السود» أرسى مانديلا قواعد السلام. «نحن لا نريد إلقاءكم في البحر» لأنه لن يكون هناك سلام ما لم يسمع الجنوب إفريقيين البيض كلماته ويصدقوها.

قدم مانديلا في كل عبارة تقريبا رؤيته للمستقبل يقدَّر فيها الجنوب إفريقيين البيض ويحترمهم. هؤلاء الذين سمعوه شعروا بأنهم وعائلاتهم ومجتمعهم يمكنهم أن يحصلوا على حياة مأمونة في ما كان يصفه. بدلا من تقديم تنازلات قد تبرز الماضي كان مانديلا يقدم مستقبلا إلى الكثيرين الذين بدأوا يشكون في أن لهم مستقبلا.

يتوجب على الإسرائيليين أن يجدوا مانديلا فلسطينيا. إلا أن المانديلا الذي هم بحاجة لأن يجدوه ليس هو القائد الذي سيصنع التنازلات التي يسعون إليها وإنما واحد يستطيع تقديم التنازلات التي يقولون إنهم لا يستطيعون القيام بها له. مانديلا كان من هذا النوع من القادة لأن أعماله المتكررة وكلماته التي لا لبس فيها أثبتت مستقبلا يستطيع الجنوب إفريقيين البيض أن يتبنوه دونما خوف.

مانديلا يقدم للقادة اليوم تحديين اثنين. أولا، كيف نجد الشخص، على الطرف الثاني، الذي نستطيع تقديم التنازلات التي تشعر أنه لا يمكننا تحمُّل تقديمها، إليه؟ ثانيا، وهو الأهم، كيف نستطيع أن نصبح الأشخاص الذي يمكن للطرف الآخر تقديم تنازلات لهم يقولون إنهم لا يستطيعون تقديمها. الأمران مهمّان ولكن الأمر الثاني حاسم في وقت يقف فيه كل من الطرفين إلى الوراء منتظرا من الآخر القيام بالأعمال الصعبة الضرورية لدفع عملية السلام إلى الأمام.

لم يتعثر السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين لأن أحدا لا يستطيع تصور التسوية النهائية. يعرف كل مراقب مفكر أن الصفقة الوحيدة الممكنة هي صورة مقربة لمعادلة كلينتون. ليس السؤال هو ما الذي نحتاجه، فهذا أمر معروف. السؤال الحقيقي هو من الذي سيقودنا إلى هناك؟

* مدير مركز ستانفورد لحل النزاع والتفاوض، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 1841 - الخميس 20 سبتمبر 2007م الموافق 08 رمضان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً