يُعتبر «القرقيعان» أو «القرقاعون» أو «الناصفة»، من أهم العادات الشعبية الرمضانية في بلدان الخليج، إذ تنتشر هذه العادة انتشارا واسعا في كل من البحرين والكويت والسعودية وقطر والإمارات وجنوب إيران والبصرة، وغيرها من مدن العراق، وكذلك بعض من البلدان الإسلامية.
وفي هذا اليوم الذي يصادف ليلة اكتمال البدر من شهر رمضان، والتي أيضا لا يفصلنا بها هذا العام إلا أيام قليلة معدودة، يخرج الأطفال وهم أبطال هذا المهرجان، ليجوبوا الشوارع والأزقة، مبتهجين بهذه المناسبة الرمضانية، التي توارثتها الأجيال، وهم يلبسون الملابس الجديدة، والتي قد تُخاط لهم خصيصا لهذه المناسبة، ويحملون معهم أكياسا يجمعون فيها الحلوى والمكسرات، التي يحصلون عليها من أصحاب البيوت.
وعند السؤال عن معنى كلمة «قرقيعان»، فقد ورد بأنها لفظ عامي مأخوذٌ من قرع الباب أو استخدام الأطفال بعض الأواني مثل «الطاسة» و«القدر» للقرع عليها، والقول الثاني أن أصل الكلمة مشتق من «قرَّةُ العين»، وهو ما فيه سرور الإنسان وفرحه، وسواء كان القول الأول هو الصحيح أم الثاني، فإن مبدأ القرقيعان، كما تقول بعض الروايات، يرجع إلى مولد سبط رسول الله (ص) الإمام الحسن (ع)، إذ إن ولادته الميمونة، كانت في النصف من شهر رمضان المبارك من السنة الثانية أو الثالثة من الهجرة المباركة، وما أن عَلِمَ المسلمون بخبر الولادة الميمونة، التي فرح بها النبي (ص) وأهل بيته (ع) حتى توافدوا على بيت الرسول يزفون إليه أحر آيات التهاني، ويباركون له مولد سبطه، وهكذا بقيت هذه العادة جارية في المسلمين حتى يومنا هذا.
ويرى آخرون أن «القرقيعان» سمي بذلك لأنه كان في الماضي عبارة عن سلة كبيرة مصنوعة من سعف النخيل (الزبيل) أو (القفة)، يوضع في داخلها بعض المكسرات التي توزع على الأطفال الذين يرددون الأهازيج والأناشيد الخاصة في هذه المناسبة والتي تتشابه في مفرداتها في مختلف دول الخليج مع بعض الاختلاف البسيط الذي تفرضه اللهجة.
وفي البحرين تحتل ليلة القرقاعون، حيزا مهما لدى العائلات البحرينية، لاسيما ممن رزقوا بمواليد جدد خلال العام، إذ يطوف أطفال البحرين في هذه المناسبة، الأزقة والشوارع في الإحياء السكنية، ويطرقون الأبواب حاملين أكياسا وسلالا، مرددين الأهازيج والأناشيد الشعبية القديمة التي يرددونها بمناسبة ليلة النصف من رمضان، ومنها «قرقيعان وقرقيعان، بيت قصير ورميضان... عادت عليكم صيام.. كل سنة وكل عام». ودرجت العادة في البحرين ومنذ القدم على أن يستعد كل بيت لهذه المناسبة، ويقوم بالتحضير لها بشراء المكسرات والحلويات وتوزيعها على الأطفال بمقادير معينة، تزيد كلما هتف الأطفال بحياة أصغر أبناء العائلة بقولهم «الله يخلي ولدهم الله يخليه لأمه»، ويذكرون اسم الولد الذي يكون حاضرا ليزداد شعورا بالفخر والزهو.
وفي أيامنا هذه، انتقلت عادة القرقيعان في البحرين من الأطفال إلى الكبار، وأصبحت مضمارا للمباهاة بين الأسر، إذ تتجاوز كلفتها في كثير من الأحيان 500 دينار، خصوصا أن التطور الذي تشهده الحياة، ترك أثرا كبيرا على أساليب وعادات الأطفال في جمع المكسرات والحلويات، فيحمل الأطفال أكياسا وعلبا مزركشة، عليها صور محببة لشخصيات كارتونية، في حين أن الأسر ابتكرت علب تغليف جميلة، وأكياسا تحمل عبارات التهنئة بهذه المناسبة، مثل «عساكم من عوادة»، خلافا لما كان يحدث في الماضي، وهو الأمر الذي انعكس على أنواع المكسرات والحلويات، والتي تغيرت بدورها عما مضى وبات الأطفال يحظون بالألعاب والدمى، إضافة إلى أفخر أنواع الشكولاته والحلويات والمكسرات غالية الثمن، والتي تحمل غالبا أسماء وعلامات تجارية محلية وعالمية معروفة.
وتقول ريحانة أحد العاملات في محل حلويات: «نستعد كل عام لهذه المناسبة، استعدادا مكثفا، إذ أن الطلب على أكياس الحلوى والمكسرات يبدأ بالتزايد منذ بداية شهر رمضان، لا سيما وأن طلبا سعوديا وبحرينيا من أشكال التغليف للقرقيعان مطلوب في البحرين، فهناك مثلا زبائن بحرينيون يشترون أكياس وعلب القرقيعان الفاخرة خصيصا من الكويت، وفي كل عام تنزل تشكيلات جديدة، ويكون التنافس كبيرا. وفي هذا العام قمنا بتصميم أشكال جديدة بأنفسنا، وقمنا بتصنيعها، وتتنوع الأشكال بين الحديد المشغول والأخشاب، وتبدأ الأسعار من 500 فلس وحتى 10 دنانير للحبة الواحدة».
وأيا كانت مظاهر الاحتفالات بهذه المناسبة في الماضي القريب أو البعيد، إلا أنها تظل علامة بارزة وصورة جميلة من صور التواصل والتراحم والتآلف لمجتمع البحرين والمجتمعات الخليجية بأسرها.
العدد 1842 - الجمعة 21 سبتمبر 2007م الموافق 09 رمضان 1428هـ