العدد 1858 - الأحد 07 أكتوبر 2007م الموافق 25 رمضان 1428هـ

نماذج لتفاعل القراء مع دعوة سمو ولي العهد

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

لا أبتغي المجاملة أبدا أو أن أتسول بالتملق والمداهنة «والعياذ بالله» على أبواب كبار القوم كعادة الكثيرين في بلادنا، وذلك حينما أقول بأن ما حظيت به من تجاوب القراء الأعزاء حول ما كتبته من عدة مقالات بشأن تصريحات سمو ولي العهد حول محاربة الفساد في البلاد أرشدني إلى استنتاج يدل على مدى تشبث المواطن البحريني المسكين بهاجس اجتثاث الفساد واقتلاع جذوره، أو حتى ترشيد عملية الفساد وعقلنة اجتماعها وسياستها واقتصادها في أسوأ الأحوال!

يأتي ذلك على رغم من كون هذا المواطن قد شبع سحقا معنويا وماديا وإحباطا وخيبة وأملا من عدد كبير من الدعوات والمبادرات المختلفة التي سبق وأن توعدت الفساد بمقتله إلا أنها لم تفعل حياله سوى محاولة صقل جلدة وزعانف وأسنان الفساد، أو ربما لم تكن تلك اللوائح القاصرة والإجراءات المزدوجة إلا بمثابة «المساج» الدوري لهذا الغول بغرض تنقيته من عوالق وطفيليات فاسدة تشبثت به عاجزة وكسلى على أمل أن تحرز بعض الفتات!

ولعل الأهم من ذلك مما استقيته هو وجود نماذج كثيرة متفاعلة مع كل ما يكتب وينشر للمواطنين الصابرين والمثابرين الذين لا زالوا مؤمنين بعودة أجمل الأيام الوطنية الموعودة التي يعيشون فيها مجتمعا ودولة بروح الأسرة الواحدة، حينما تعم الشفافية والمصارحة ويسود الانفتاح، وهم ما زالوا بذلك يمنحون الكثير والكثير من الثقة والتعويل الكبير لدعوة سمو ولي العهد حول محاربة الفساد، نظرا لكون هذه الدعوة آتية من رمز يرتبط اسمه بالأمل والانطلاق في مسيرة وطنية معلنة للتنمية والإصلاح والتغيير نحو الأفضل، واجتياز التحديات الحضارية الكبرى.

وهي تصريحات صادرة من شخصية بارزة مازال الكثير يتذكر صراحتها المعهودة في عديد من المواقف ومنها ما يرتبط بورشة إصلاح سوق العمل وحتى ما سبق وأن نشرته الصحافة المحلية من نقد سموه لتعامل مؤسسات الدولة مع المواطنين، والآن الدعوة إلى محاربة الفاسدين الذين يساهمون بحجم فسادهم مهما تباين كما ونوعا في عرقلة وتعطيل جهود التنمية والإصلاح المنشودة، وهم بذلك يتورطوا بشكل بارز في ذلك في اهتزاز الثقة الضرورية والجذرية بين المجتمع والدولة.

ما تمناه القراء الأعزاء هو فقط إيصال صوتهم الموحد كمواطنين كرام إلى سمو ولي العهد عسى أن يجأروا بمعاناتهم من الفساد، وأن يأملوا أن تكون هذه الدعوة مفتاحا لتصفية الحساب مع الفساد والمفسدين بدءا من الكبار وحتى الصغار، فيكون التصرف حازما بحجم المعركة الحتمية مع أزمات وقضايا الفساد التي تمس موارد وثروات الشعب، وتؤثر سلبا بشكل أو بآخر على حاضره ومستقبله وعلى صحة وسلامة العلاقة المعقودة بين المجتمع والدولة للتصدي لما يواجههم من أخطار مشتركة.

وهم لأجل ذلك يطالبون بضرورة أن تتضافر تلك الدعوة السامية لمحاربة الفساد والمفسدين مع مبادرات عملية وواقعية حازمة تتضمن أبعادا تشريعية وتنفيذية متعددة، بالإضافة إلى وجود مواثيق مبدئية حيز الأخذ والتنفيذ لمعالجة جدية بعيدة المدى للقيم والأعراف الداعمة للفساد، وسد النواقص والثغرات التشريعية التي توفر لمساراته وتحولاته جوا لا بأس به من الأمن والاستقرار.

ولعل من بين ما تناوله القراء والأعزاء في تعقيباتهم القديرة على المقال هو ما ارتبط بضرورة وجود ضمانات وحماية قانونية لمن يقوموا بدق نواقيس الخطر وقرع الأجراس التي تفضح حالات الفساد والمفسدين وتبلغ عنها وترشد إليها، ومثل هذه الضمانات والحماية القانونية التي أشرنا إليها في مقالنا السابق تساهم في تعزيز الثقة المجتمعية والولاء الوطني، وتؤدي إلى كسب ثقة الجنود المجهولين خلف كواليس مؤسسات الدولة ومختلف قطاعاتها وتزيد من تحفيزهم للإيقاع بالمفسدين في قبضة العدالة من خلال حمايتهم وتحصينهم قانونيا من التعرض للظلم والانتقام!

ففي مثل هذا الصدد روى لي مناضل وطني ونقابي عتيد بالحرف الواحد أن إيجاد وإقرار ضمانات قانونية صريحة لمن يدق نواقيس الخطر في مؤسسات الدولة وجميع القطاعات الوطنية والسعي لتنفيذها يعني ببساطة تقدما نوعيا كبيرا في عمليات المعركة الحتمية ضد الفساد والمفسدين، فمن السهل إيجاد أكبر عدد ممكن من المطلعين والمستاءين من نماذج وحالات الفساد الكثيرة، والأسهل منه هو كسب تعاونهم المخلص والصادق في هذا المجال سريا، ولكن العقبة الكبرى والوحيدة التي كانت ولا تزال تحول بين دق نواقيس الخطر وفضح الفساد والمفسدين إجمالا هو تهيب وخوف هؤلاء المطلعين من الداخل من عواقب المجازفة بالإبلاغ عن مثل تلك الحالات الخطيرة من الفساد في حال تواصل غياب نظم الحماية والضمانات القانونية لهم، وهو ما يعني تهديدا لمستقبلهم ومستقبل عائلاتهم وربما أقربائهم، سواء من جهة العمل المعنية أو من قبل متنفذين!

كما أذكر رؤية بيتر آيغن مؤسس «منظمة الشفافية العالمية» في هذا الشأن حينما كتب مستلهما من وحي تجربته العالمية الطويلة في مجال مكافحة الفساد «ثمة حاجة ماسة، لابد منها، إلى إنشاء بنى لا تشجع كرام الناس على الإبلاغ على الفساد فحسب، بل تتيح لهم حماية معينة، وهذا لا ينطبق على البلدان النامية فحسب، بل ينطبق أيضا على الدول الغنية»، وأضاف بأنه»ولحماسة من يدقون ناقوس الخطر توجد سلسلة من الآليات المجربة، فالرجال المستقلون الذين يراعون حقوق المواطن على الدولة، كونهم شركاء في التقدم بالالتماس، أو ذوي أرقام هاتف مغفلة الاسم، يعدون أيضا من الطرق التي أثبتت التجربة حسن بلائها» (المصدر: شبكات الفساد والإفساد العالمية - بيتر آيغن، قدمس للنشر والتوزيع).

فجميع تلك المطالب والالتماسات هي مفاتيح وترسانات ضرورية للدخول في معركة مصيرية ضد الفساد لا يمكن للدولة ولو اتخذت منحى جدي في هذا الخصوص أن تكسب هذه المعركة من دون تعزيز الثقة المجتمعية والتعاون الشعبي معها، ومن البديهي جدا أن تجد ضمن الميدان ذاته أصدقاء وحلفاء محتملين لها ممثلين في الصحافة النزيهة ومنظمات المجتمع المدني الحية، وهؤلاء الآخرين أيضاَ بحاجة إلى دعم ملموس وإعادة مأسسة قانونية فاعلة من الدولة تضمن لهم مساهمة وحراكا نشيطا ومستقلا يعطي نتائجه على أرض الواقع، فهذه الحرب لا يمكن خوضها من دون هذا المجتمع ومؤسساته وقطاعاته المدنية والأهلية، ولذلك حديث آخر.

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 1858 - الأحد 07 أكتوبر 2007م الموافق 25 رمضان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً