العدد 1863 - الجمعة 12 أكتوبر 2007م الموافق 30 رمضان 1428هـ

جاء العيد وأبو أمل بعيد!

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

انقضت أيام الشهر الفضيل لربما فيما يفوق طرفة العين قياسا بعمر الزمن وسعته، وجاءنا عيد الفطر السعيد، وتجلى هلاله، وأصبح منا قريبا، ولكن أبا أمل مازال عنا بعيدا، فإن كان الجميع يترصد هلال شوال على أمل التحقق من مجيء عيد الفطر السعيد، فأنا أترقب وأترصد رؤية هلالك يا أبا أمل، هلال ابتسامتك الأثيرة إلى أفئدتنا وكأنما هي عرق ماسي في أكباد صخور التحديات والأزمات الصماء!

متى يعلن هلال مجيئك إلى ليلنا الخانق المدلهم؟ هلال قدوم السعد إلى بلادنا؟ عسى أن يرشدنا هذا الهلال الأثير إلى حجرات قلوبنا، أو مباسم الإشراقات الذهبية الساحرة لشمس وحدتنا الوطنية، وذلك في أجمل الأيام التي لم نرها بعد، والتي حتما ستأتي كما كنت تستشهد دوما بالقول المأثور للشاعر المتمرد ناظم حكمت في كل مناسبة تبذر فيها بذور الأمل المشع في قلوبنا القفرة على رغم كونها مازالت يانعة.

ففي الوقت الذي يزور فيه الناس أهلهم وأقرباءهم وأصحابهم وأصدقاءهم في رمضان والأعياد بعد أن يفلحوا في انتشال أنفسهم من ركام المسئوليات والأعباء والشواغل الدنيوية، وعندما يزورون وأزور ونزور معا المجالس الرمضانية في بحريننا الحبيبة يهفو قلبي إلى مقاعدَ بيضاءَ شاغرة بداخله، إلى مجلسكم العامر في قلالي الذي لطالما كان لنا خير ملتقى وخير مدرسة وخير واحة في صحراء الفقر المعيشي والسياسي والوطني، حينما نستظل بكثيف ظلال سنديانة شموخكم الوطني، وإن كان ذلك في منتصف الليل، فالليل مازال طويلا ومازال يئن أنينا أزرقَ؛ بسبب آثار سياط وجلدات نهار البطش والطغيان!

أيها المناضل الوطني الكبير والوالد الحبيب والأخ القريب والصديق الصدوق لو كنت معنا اليوم لكان مجلسكم العامر درة المجالس الرمضانية، وتاجا لها ولأحاديثها، وياقوتة تتوهج في أواني لياليها، إذ يتعلم الناس في مجلسكم مبادئ الصيام عن التزلف والنفاق والمداهنات والصمت عن هدر الحقوق والكرامات، ويفطرون على بلح المصارحة الحلوة ولبن المطالبات الشعبية المدرار، ويرتوون من وِرد الحرية، ويجتمعون على مائدة الوحدة الوطنية التي لا ترقى ولا تحلُّ ولا تحلو من دونكم، فحضوركم هو الألق والبريق في عيون الحاضرين والمجتمعين وقلوبهم حينما يغسلها بمعين المحبة والتواد والتآلف الأخوي.

لطالما جلسنا معا إخوة وأحبة بحرينيين وخليجيين وعربيين ومسلمين في مجلسكم العامر حين اشتداد عسف الشتاء القارس بجلودنا ومفاصلنا ومآقينا، وكان لا يثني عود ذاك العسف إلا موسيقى وقع حبات المطر المكتنزة بطموحاتنا وآمالنا وهي تمسد جسد شوارع قلالي الترابية التي لم تنالها أدنى «سفلتة»، وكنت حينها تقدم إلينا باسما أكواب الشاي الساخن بالحليب والزنجبيل، على رغم كونك لوحدك نشوة الزنجبيل المقدسة، وهي تبث روح الالتزام والوعد الوطني المقدس في الشاي السياسي الذي نتحسس سخونته بتلذذ عندما يقصف زمهرير الطائفية المفاصل والضلوع.

مازالت تنتابنا تلك الذكرى الجميلة والخالدة لزيارتكم بيتنا بقرية الزلاق النائية، والتي شرفتمونا بها، إذ بفضل الله تعالى الذي غرس في قلبنا محبتكم وأمثالكم من المناضلين الشرفاء والمخلصين لهذا الوطن وأبنائه، تقاربت المسافات وكأنما هي رباط ووشاح يلتف على قلب وطني واحد نابض بالرغبة في الأمل والتغيير!

وعلى رغم أعمال الصيانة والتبديل الضرورية التي أجريناها على المجلس أخيرا فإن مكانك ذاته الذي جلست عليه في مجلسنا مازال منطبعا كوشم وردة خضراء في قلبي، وكلماتك النيرة الحبلى بالتجدد والرقي مازالت فراشات يانعات يزخرف تحليقها المتتابع جدران قلبي، وينقش في زواياها ما يشبه النبض داخل النبض!

شقيقي الغالي الصغير محمد، الذي داعبته عند زيارتنا، بلغ للتو الأعوام الخمسة وقد أوقعني قبل عدة أيام في موقف طريف وذلك عندما كنا نتسوق في «السوبرماركت» عصرا بغية إضاعة الوقت حتى اقتراب موعد الإفطار، وذلك حينما اختفى وهلة عن عينيّ دقائقَ معدودات، فذهبت قلقا ومتوترا أبحث عنه في جميع أرجاء «السوبرماركت»، فإذا به واقفا أمام رجل يشبهك كثيرا، وقد وقف يتصفح المجلات والصحف في رفوفها، وقام أخي بالإشارة إليه بقصد إرشادي نحوه قائلا: «عبدالرحمن النعيمي»!

رُبَّ قائلٍ «رُبَّ ضارة نافعة»، فتلك الغيبوبة التي أصابتك فجأة وطالت كثيرا، والتي نتمنى أن تنقشع حتما لتنقشع معها سحب همومنا الداكنة، واكتئاباتنا الثقيلة ساهمت بشكل قياسي في أن تحل محل الصدارة والأولوية لدى قطاع عريض من الناس، ممن لا يملكون أصلا أدنى اهتمام أو إلمام حتى ميل تجاه متاهات السياسة، ودروبها الوعرة، وتاريخ العمل السياسي الوطني، ومنعطافته المصيرية، وأبرز رموزه النضالية، فغيبوبتك وظروف مرضك تساقطت كالحجارة وهشمت زجاج غفلتهم النحاسية تلك، وأصبحوا جراء ذلك متسائلين عنك وعن صحتك وعن موعد استيقاظك المنتظر؟ وعن موعد الالتقاء بك؟

سيول الاهتمام الشعبي والتعطش للإلمام بك وبتاريخك النضالي المشرق وبأحوال صحتك أخذت تحرك عددا من الصور المضيئة لك والتي لم أنسها أبدا، ولربما ألجأ إلى نورها كي يسعفني في البحث والرصد لهلالك الذي ابتعد عنا كثيرا.

إحدى تلك الصور تحدثني عن سؤالي لك قبل أسبوعين تقريبا من موعد الانتخابات النيابية عن توقعاتك بهوية الفائز في المنافسة الانتخابية الحامية بدائرتك، فأجبتني باسما: «لا أظن أنهم سيسمحون لي بذلك!» وذلك على رغم الزلزال الوطني الكبير الذي أحدثته قامتك الشاهقة في كل المحرق المنخورة بالمرتزقة والطبالين والانتهازيين وعلماء السلاطين!

وصورة أخرى وأنت تعلق خلالها على مئات «المسجات» التي يرسلها سفلة وقذرون خاسئون لتشويه سمعتكم، والمحاولة بشكل يائس للتقليل من حظوظكم الانتخابية، وقد كانت إحدى هذه «المسجات» قد أرسلت فجرا وتتهمكم بالدعوة إلى العربدة والفجور، فقلت متهكما حينها: «يبدو أن مرسلي هذه الرسائل المثابرة للغاية أناس مشغولون ومنهكون جدا، وهم من دون شك بسبب ذلك لا يقومون بتأدية صلاة الفجر حينما تصل إلينا هذه الرسائل»!

حتى حينما بادرت قائمتكم النيابية الوطنية دون غيرها من قوائم التحالفات الوتدية المضروبة من الأعلى كتحالف «الدلة والفناجين»، وذلك بالكشف عن حساباتها وأرصدتها المالية أمام الناخبين بمنتهى الصدق والأمانة والشفافية، وحين اشتداد الوطيس الانتخابي وتشكيل البعض فرقا وألوية لـ «حمالات الحطب» و «الطبالون المتجولون» وغيرها، لم تكن تعرف أنت غير الابتسام والصمود والتسامي أمام سقوط أطراف وأهداب وجفون وأظفار الدولة الحامية/ الراعية/ الحاضنة لجميع أبنائها، وذلك عندما سقطت صدقيتها الانتخابية بانفراط عقد المنابر الدينية المستلهمة للهجوم ضد عبدالرحمن وصحبه، فماذا عن سائر الأجهزة والمؤسسات الحيوية والحامية لهذا الشعب والمكرسة لعطائه وتكافله الوطني؟

كم كان المشهد مغايرا وذلك قبل عام واحد حينما زرتكم في منزلكم بقلالي، وكان يفيض بالنشاط والحيوية المتدفقة من أنامل أحفادكم، وأنت جالس حينها بين الأهل والأقرباء والأصحاب والأصدقاء الذين يهنئوكم بعيد الفطر السعيد، ويستعجلون تهنئتكم مسبقا بانتصاركم الانتخابي غير المعلن في قوائم الطبخة السياسية العامة!

بصراحة أخشى عليك أن ينتابك الكدر وتستاء كثيرا إذا ما كتب لك اليقظة والعودة إلينا في البحرين، وإلى منزلك في قلالي، وذلك حينما ترمق الطرقات والمسارات ذاتها التي لطالما وعدوا بإصلاحها وتدبيرها بـ «الزفت» وأنت القائل: «كل شيء في قلالي زفت إلا الشوارع»، فإذا بها مازالت على حالتها كعهدك بها، وربما أسوأ بسبب حفرٍ خلّفتها شهب ونيازك «الشلخات»!

كم كنت رائعا وجميلا أبا أمل وأنت تستشير الجميع من شيوخ وكهول وشباب ومراهقين فأطفال في مختلف الأمور بما فيها ما يتعلق بخوضكم غمار السباق الانتخابي، وكم كنت تخلو من التفلسف والتظاهر التنظيري والعجرفة السلوكية التي يمارسها بعض من يتباهى معرفتك منذ ربع قرن أو أكثر حينما يستصغر «التلقي» و«التلقين» والانحناء قليلا، على حين أننا في خلال عام واحد فقط هي التي ربطتنا بعلاقتكم الحميمة والثابتة تعرفنا إليكم بشكل أفضل بكثير بعيدا عن كل المصلحيات والأنانيات وتخمر الأحقاد والضغائن الناتجة من تراكم مرضي في الكوابت!

إن كانت آخر كلمات قلتها لي هي: «تصبح على خير» بعد أن أطفأت الأنوار وأسدلت الستار في منتصف الليل، وأنا أهمّ بالخروج من منزلك، وإن كانت آخر «مسج» تسلمته منك في مطلع شهر أبريل/ نيسان الماضي في الساعة الحادية عشرة وسبع عشرة دقيقة صباحا، وذلك فيما يتعلق بالسؤال عن موعد عودتك من هذه السفرة، وكتبت فيه «مابين العاشر والرابع عشر من الشهر تحياتي الحارة»، فإن آخر كلامي لك في هذا المقال يا والدي الحبيب وأخي القريب وصديقي العزيز هو: «عيدكم مبارك وكل عام وأنتم بألف خير وعساكم من عواده».

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 1863 - الجمعة 12 أكتوبر 2007م الموافق 30 رمضان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً