العدد 1865 - الأحد 14 أكتوبر 2007م الموافق 02 شوال 1428هـ

السلطة عندما تقتات على وجوه أبنائها!

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

ما هو المنطق السياسي الذي تأخذ به الدولة في تسيير الأمور، وتكرسه تعاملا مع مجريات الحوادث، وترسخه قراءةُ للخريطة المستقبلية للبلاد، أو قل المخطط البنائي للنهوض بالتجربة والمشروع الإصلاحي؟! هل يوجد منطق سياسي أساسا؟أم إنها تعتمد أدوات ووسائل «التخييط» في ذلك بدلا من التخطيط الاستراتيجي بعيد المدى؟!

هل هناك حسابات منطقية وأمور مفصلة ودقيقة تزن حجم كل شاردة وواردة وترصد جميع المتغيرات سواء أكانت بنيوية أو طارئة، أم أنها حالة عبثية عامة تسير دفوفها الأهواء والأمزجة نحو أفق مجهول وغد مريب أكثر منه قريب؟!

هل من مصلحة الدولة إنجاح التجربة الإصلاحية أم إفسادها؟!

هل تستطيع الدولة أن تحسن ترتيب أولوياتها وتحدد أهدافها بوضوح؟! وهل تتطابق الأهداف والأولويات المعلنة مع أولويات وأهداف التوجهات والتحركات الاستراتيجية الحقيقية للدولة؟!

جميعها أسئلة محورية كبرى وحساسة جدا إلى درجة أنها من الممكن أن تثير عاصفة من الجدل البناء والجدل العقيم لا يكاد لها أن تنتهي من دون انتشار وتبديل للمواقع والقواعد، ولكنها أسس ومقدمات ضرورية للغاية من باب التعامل مع تواصل مسلسلات الإحراج والإحباط والخيبة أمام قطاعات الجماهير المختلفة، والتي تسببت في بعضها الدولةربما من دون قصد، وأضرت من خلالها برموز الاعتدال السياسي والمعارضة الإصلاحية في المجلس من أمثال عزيز أبل والشيخ علي سلمان بقائمته «الكتلة الأكبر»، وجميعهم ممن اتخذ قرار المشاركة في التجربة البرلمانية، واتخذ موقفا إيجابيا منها على أمل المشاركة في إنجاز الإصلاح والتغيير الحقيقي الذي ملت الجماهير المغلوبة من انتظارهما؟!

فهل كانت أجمل الأيام هي تلك التي تفصح فيها المعارضة الإصلاحية بكامل ثقلها وعراقتها في العمل الميداني السياسي والنضالي عن رغبتها في دخول العملية السياسية والمشاركة في التجربة النيابية، والتي يستوعب من خلالها الشروع والتجربة الريادية الجميع، أم أن أجمل الأيام هي تلك التي يتم فيها طحن المفاصل الجماهيرية لكتلة «الوفاق» وقص القامة الوطنية العالية للنائب عزيز أبل بإقحامهم جميعا كيدا في المطبخ البرلماني؟!

ومثل ذلك الإحراج والتحبيط يكون إما بضغوط داخلية تتمثل في حصار مطبق من لائحة داخلية وسلطات وصلاحيات برلمانية محدودة دستوريا، وعدم وجود تعاون حقيقي وفعال من قبل أجهزة السلطة التنفيذية، وفي أسوأ الأحوال يتم تسليط الأذناب والغلمان عبر تزويدهم ببيانات صحافية مكتوبة سلفا لأجل النشر من وحي إبداع فرقة «شكوكو» الصحافية، وكأننا في غابة سيئة السمعة «جنغل لاند» إذ تستحب الإثارة والمغامرة على حساب الرزانة والجدية والحصافة ونسج العلاقات والروابط الحسنة بين كل الجوانب والأطراف!

لا أظن أنه يخفى على السلطة التنفيذية بأن السعي لإحراج وتحبيط القيادات والرموز السياسية المعتدلة للمعارضة الإصلاحية بالبرلمان وإحراقهم جماهيريا، يعني بصورة منطقية ملموسة ترجيح الكفة الجماهيرية وإسناد الرافعة الشعبية للأطراف والأقطاب والتيارات المتطرفة والتي تتبنى خيار المقاطعة للعملية السياسية، وتتوخى الدخول في سلك التجربة البرلمانية، وتسعى إلى تبني المساعي التصادمية مع الدولة خطابا وفعلا!

وأكان هذا يجري بعلم أو من دون علم المعنيين بالأمر فهو في كل المحصلات لا يقل عن كونه تقديم مكافآت مجزية وشهادات تقديرية موثوقة وعالية الاعتماد لتيارات المقاطعة للعملية السياسية والمسفهة للمشروع الإصلاحي والتجربة البرلمانية، فمثل هذه التيارات والأقطاب التي تخاصم الدولة، وربما تناصبها العداء قد نالت بسبب تلك الإحراجات والإحباطات، والتي تسببت بها الدولة لرموز الاعتدال السياسي في البرلمان وخارجه، حجما هائلا من الصدقية والمشروعية السياسية الرؤيوية بشكل يستحيل هضمه مرة واحدة، وربما يكن واردا الحلم به!

فأن تسهم قبلها في إفشال وصول عدد من رموز «وعد» إلى البرلمان بعد أن قبلوا بخيار المشاركة السياسية، وتصنفهم ضمن خانة «المغضوب عليهم» لكونهم لم يتوافقوا وينسجموا بوطنيتهم النضالية القحة مع ما يراد أن يحاك من ملبوس وسياق وزخرف طائفي للبرلمان حتى يكون طاردا للقضايا الوطنية الكبرى التي من المفترض أن تكون محل الإجماع!

وتواصل على النهج ذاته، ومهما كانت النية وحجم التصور والرؤية، في المساهمة بتصنيف «الوفاق» وعزيز أبل ضمن خانة «الضالين»، وهم إما «ضالين» بين إحراجاتهم التي يتعرضون لها من الدول أمام مرأى جماهيرهم السياسية في مقابل الطموحات والآمال المرسومة سلفا، أو «ضالين» عند من يتعرضون لهم بالتخوين والتسقيط السياسي من متطرفين ومزايدين يبتغون انتهاز فرصة تاريخية سانحة للبروز على حساب غيرهم، والظهور بمظهر الأتقياء وأصحاب الرؤى السياسية والاقتصادية والاستراتيجية الخارقة التي لا تزل ولا تخطئ، وهو ما نجحت السلطة كثيرا في تحقيقه بمواصلتها حصار المعتدلين ومضايقتهم وإحراجهم أمام الجميع!

فما ينبغي للسلطة أن تدركه وتتمعنه بكل الحوار والأدوات الاستيعابية جيدا هو أن ترجيح الكفة الجماهيرية السياسية للجماعات المتطرفة والمقاطعة للعملية السياسية عبر إحراج رموز المعارضة المعتدلة برلمانيا لا بد وأن يأتي أثرا وعقبا كتغليب وترويج لمصطلحات وشعارات وشتائم ساقطة أتعفف من ذكرها، وذلك في مقابل تبخيس وتبهيت وتخفيت مصطلحات وشعارات «المصالحة الوطنية» و»الإيمان بالمشروع الإصلاحي» و»التأكيد على شرعية حكم آل خليفة التاريخية للبلاد» و»التواصل البناء بين السلطة التشريعية والتنفيذية» و»تبني التغيير من الداخل» و»التعاون والانفتاح على الأطراف كافة» و»إدخال تعديلات دستورية تتيح توسيع دور البرلمان التشريعي والرقابي عبر التحاور الداخلي المفتوح بين جميع الأطراف»!

كما أن نصرة المتطرفين والمقاطعين التي تمارسها الدولة بإحراج رموز المعتدلين في البرلمان وخارجه تؤدي إلى بروز خيارات «اجترار التجربة التسعينية» و»العنف في الشوارع والمرافق العامة» و»الإضرابات» و»الاستقواء بالخارج» بدلا من «الحوار الداخلي» وغيرها من أساليب سلمية تمر عبر قنوات مشروعة دستوريا وقانونيا متعارف عليها!

ولو أشاء تشبيه ملامح النصرة السياسية المباركة التي تجزل الدولة في تقديم عطائها لتيارات المعارضة المتطرفة، لربما قلت إنها تشبه دوليا نصرة إدارة بوش الأميركية وتسخو به من مقادير الزكاة والإغاثة الاستراتيجية السنوية لـ «تنظيم القاعدة» وخلاياه في كل مكان حول العالم، وخصوصاُ عند عدة منعطفات استراتيجية حاسمة حققت نقلات نوعية هائلة لتطور هذا التنظيم «المستهدف»، وهو ما يشير إلى خيارين لا ثالث لهما، فإما تحالف استراتيجي سري للغاية بين «العدوين اللدودين» يستفيدان ويتزودان منه ليتضرر الجميع، أو هو محض أخطاء وحماقات استراتيجية فادحة لا يتم الاتعاظ والاستفادة منها!

الدولة بحاجة إلى ممارسة سياسة الاحتضان والتقدير والمراعاة لرموز المعارضة السياسية المعتدلة في البرلمان وخارجه، وهذا من دون شك يكمله تبني سياسة احتواء للمعارضة السياسية المتطرفة عبر سحب الذرائع، والتي لطالما أعطت أطروحاتها شرعية أو لنقل مشروعية سياسية عامة، ليتم معالجتها بانشراح لا ليّها وتغييبها، كما يتم ذلك عبر حلحلة الكثير من الأزمات والقضايا الوطنية الكبرى المتراكمة عبر سنين طويلة من الزمن من دون أدنى حل وتسوية، فهذه السياسة الأخيرة لطالما أثبتت جدواها التجريبية في الكثير من الدول الإقليمية والعالمية، وذلك بدلا من أن تكون تلك الأكلاف الكبيرة اللازمة مرجحة ومهيأة للمشاركة في المسابقات الاستعراضية ولتسجيل الأرقام القياسية العالمية لـ «أكبر قطعة كيك عقيلي» أو «أكبر صحن بيض وطماط» لتعتبر بعدها من الإنجازات الحضارية الخالدة للبلد!

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 1865 - الأحد 14 أكتوبر 2007م الموافق 02 شوال 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً