العدد 2273 - الثلثاء 25 نوفمبر 2008م الموافق 26 ذي القعدة 1429هـ

أمي التي تُصيِّر للحياة معنى

لا يكون لنشوة الفرح لذة ولا لساعة العسرة فرج وانفراج عندما لا ألتمس وجودها وقربها بجانبي، وليس يندمل جرحي أو يطيب ألمي حين أفتقد نسماتها وطيفها، وما من سبيل لعلو هامتي وفخري واعتزازي بانجازاتي ونجاحاتي إلا حين أرى ارتسامة ابتسامتها على وجهها السمح، أمي التي يتفجر قلبها دفئا وحنانا وعطفا يلعب دور غاز الأكسجين في حياتي.

من حملات وساوس الشيطان الخناس الذي يوسوس في صدور الناس أنه يسعى جاهدا بعض الأحيان ليتخذ من صدري ساحة لانتصاراته، فأغدو معجبا بنفسي أو أغتر بحالي ويأخذ مني التفكير مأخذه بأني غدوت رجلا خاض في الحياة مخاضه، وادخلته الحياة معتركا كان كفيلا أن يصنع شخصية مستقلة يعتمد عليها الآخرون غنية عنهم. عندئذ تسرح النفس التي بين طياتي متبخترة بصرامتها وقوتها لتجول معززة عن الآخرين، لكنها تصدم ويصعق معها شيطانها عندما يتراءى لها شخص أمي. وإذا بنفسي تنقلب إلى طفل وديع لا يتوقف عن البكاء راجيا وراغبا في التفاتة من أمه، يسعى سعيه الحثيث حتى يحظى بملاحظتها، لأني لا أقوى على أية معضلة ولا أسعد بأية نعمة ليس لها أمي. أتلهف شوقا وأضعف عن الانتظار حتى أبشر أمي بدرجة امتياز استحققتها أو عمل مشرف أنجزته أو مبلغ من المال حصدته بعد كد وجد لأسمع نبرتها الفرحة التي تفوق فرحتي ذاتها أو أرى استبشارها الذي لا يضاهيه استبشاري، أعتصر وجعا حتى تمسح بيدها على جبهتي إذ أكون سقيما، وحينها يكون ما بي من مرض لا يقل شأنا عن الفردوس.

لعل دراستي في الخارج أججت فيّ هذا الأمر، ولكن كل إناء بالذي فيه ينضح. هذه الكلمات تخرج الآن ولكنها تضمحل أمام عين لا تنضب من المشاعر والأحاسيس مذ أن ولدتني أمي وبدأت بالإدراك وستظل تنبع حتى آخر شهقة أو زفرة.

علي محمد الحجيري

العدد 2273 - الثلثاء 25 نوفمبر 2008م الموافق 26 ذي القعدة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً