العدد 1872 - الأحد 21 أكتوبر 2007م الموافق 09 شوال 1428هـ

حروب «قراندي» بين استقلال إيران وقوة روسيا

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

تحليل زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية يوم الثلثاء الماضي لحضور قمة رؤساء الدول المطلة على بحر قزوين (آذربيجان وكازاخستان وتركمانستان وروسيا وإيران) لمناقشة موضوع تقاسم ثرواته والنظام الحقوقي له ينطلق بشكل مُزدوج من أمرين اثنين، الأول: أنها أول زيارة لرئيس الكرملين منذ 64عاما أي بعد زيارة جوزيف ستالين لطهران لحضور قمة الحلفاء (أو سعد آباد) إبّان الحرب العالمية الثانية في العام 1943، والثاني تزييت التساؤل القديم الجديد بشأن ما ستؤل إليه المباحثات بشأن بحر قزوين وتقسيم ثرواته على المتشاطئين له. وربما تشابهت إرهاصات وتبعات زيارة ستالين لإيران قبل ستة عقود وبين الزيارة الأخيرة لبوتين في أن الأولى طغى عليها الجموح السوفياتي لنيل حظوة دولية مرموقة عندما حذّر الدول الحليفة من مغبّة تجاهل المصالح السوفياتية في المنطقة، ومن احتلال إيران التي كانت تُشكّل امتدادا جغرافيا متصلا للإتحاد السوفياتي، ومدخلا سياسيا مشروعا بعد اتفاق الصداقة بين البلدين في العام 1921، أما في الزيارة الثانية لبوتين فإن التحذير كان مُضمرا لكنه مفهوم، ومكتفيا بإيصال رسائل عن بُعد، وهو ما جعل البعض يعتقد بأن هذه الرسائل إذا ما أضيفت إلى مشكلة الدرع الصاروخي المضاد سيعني أن الحرب الباردة الثانية قد بدأت فعلا بين روسيا والولايات المتحدة الأميركية. وليس هناك فرق بين إعلان جورج أورويل قبل سنين أو قراندي آند آندي قبل أسبوع بشأن الحرب الباردة إلاّ أن المهم هو أن ما قِيل لا يُمكنه إلاّ أن يتّسق مع ما أنتجته المقومات الأصلية لهذه الحرب بحدها الأدنى بالنسبة إلى الروس وثقافتهم السياسية المُتشكّلة على أنقاض الاتحاد السوفياتي والقاضية بعدم التدخل العسكري في أي مكان خارج الأراضي الروسية، مع عدم إهمال المفاعيل غير المباشرة للمصالح ولطبيعة الصراع، لكن من المفيد القول بين هذا وذاك أن الروس والإيرانيين ربما تربطهما علاقات خارج إطار الفيتو التي لم تحظ به طهران ولا مرة واحدة في مجلس الأمن خلال معركتها النووية مع الغرب والسلاح الذي وصلت قيمته السنوية إلى أربعمئة مليون دولار، لتمتد إلى حدود ومُعطيات أخرى أفرزتها التحولات العمودية منذ بداية عقد التسعينات ولغاية اليوم، وبروز دول أخرى في الجوار وبالتالي تحالفات وخصومات أخرى تستوي عليها مصالح مؤقتة واستراتيجية بين الدول، وهي مكاسب يتحسسها البَلَدَان، فالروس ينظرون إلى الجمهورية الإسلامية على أنها قوة إقليمية صاعدة ومتمددة بشكل مزدوج، وأن ندّيتها مع الولايات المتحدة الأميركية في ملفات منطقة الشرق الأوسط تبقى مفيدة إلى حدّ ما في تقديم وتأخير التناقضات وكسب النقاط، من دون إغفال رغبة الروس في الوصول إلى المياه الدافئة في الخليج والبحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط بعد إخفاقها من كوّة الفوسفور والدردنيل والمحيط الهندي، وعلى رغم أنهم (أي الروس) يتعاملون مع القضايا المختلفة في سياستهم الخارجية ببراغماتية صرفة خالية من أي دفوع آيدلوجية وهو ما يُفسّره تصويتهم لصالح القرارين 1737 و1747 ضد طهران؛ فإن ذلك لا يعني عدم اتحاد المصالح في فترات متقطعة.

الإيرانيون بدورهم ينظرون إلى الروس على أنهم تخطوا مرحلة الاقتصاد الكسيح واتجهوا نحو تأسيس علاقات خارجية غير ناعمة، فهم إلى جانب صوغهم رؤية سياسية إقليمية قاسية تجاه دول مثل أوكرانيا وجورجيا سعوا إلى تمتين حضورهم الدولي في ملفات قد لا تكون متصلة جيوبولوتيكيا، إلاّ أنها تلتقي في نهاية المطاف في خطوط متجانسة وذات تأثير مباشر، فهم في الوقت الذي يُناكفون فيه الغرب في أمور التسلح والدفاعات الباليستية والاستراتيجية والوجود في القطب الشمالي؛ يُجسّرون علاقات مع دول ممانعة كسورية وحركات سياسية مناهضة لواشنطن في المنطقة كحركة المقاومة الإسلامية حماس والجهاد الإسلامي، وهي نقاط مهمة من التحالفات الإيرانية الواضحة في المنطقة. وما بين المناطق العازلة لروسيا من إيران ومداميك الصد لإيران من روسيا تبقى العلاقة قائمة وفق هذا المنسوب، أو كما عبّر المرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي بالقول «إيران مستقلة لصالح روسيا، وروسيا قوية لصالح إيران». تبقى مسألة أخرى أضافت قيمة جديدة للزيارة وهي تسوية مشكلة مفاعل بوشهر النووي الذي تخلّفت عن إكماله موسكو بحجّة مشكلات مالية، وما تسرّب أيضا عن توقيع صفقة بين روسيا وإيران تبيع بموجبها موسكو طهران خمسون مُحركا لطائرات ميغ المقاتلة بقيمة مئة وخمسون مليون دولار، وهي عبارة عن مُحركات من نوع توربوتو 33 لتثبيتها على مقاتلات آذرخش الإيرانية.

في موضوع قضية بحر قزوين (وهو أساس الاجتماع) فإن الدول المتشاطئة لم تتوصل لصيغة مُحدّدة تُنهي مسألة تقاسم الثروات بشكل يُرضي جميع الأطراف، وهي المُعضلة التي بدأت بشكل حقيقي بُعيد تفكّك الاتحاد السوفياتي مع بداية التسعينات وبروز ثلاث دول أخرى غير إيران وروسيا تتجاور هي الأخرى لهذا البحر وهي آذربيجان وتركمانستان وكازاخستان، وبالتالي نسخ اتفاق العام 1921 فضلا عن اتفاق تركمانجوى العام 1813، وأيضا بعد رفض إيران وتركمانستان فكرة ترسيم حدود المياه بحسب الاقتراح الأذري القائم على قواعد خطوط العرض الجغرافية لتحصل كازاخستان على 29 في المئة، وروسيا على 19 في المئة وآذربيجان على 21 في المئة وتركمانستان على 17 في المئة وإيران على 14في المئة وبالتالي بقاء المشكلة مستمرة في ظل الإعلانات المتكررة لثروات البحر التي تُقدّر بـ170 ترليون قدم مُكعب من الغاز الطبيعي ومئتي مليار برميل من البترول، لكن الأهم من كل هو نجاح طهران في انتزاع إعلان قوي من قمة الدول المطلة على بحر قزوين بعدم السماح باستخدام أراضيها لشن هجوم على إحدى تلك الدول، وهو ما يعني إلزام آذربيجان بعدم إعطاء واشنطن تسهيلات عسكرية على أراضيها لضرب إيران. بطبيعة الحال فإن المرحلة المقبلة ستشهد اختبارا حقيقيا لهذه العلاقات (الروسية - الإيرانية) خصوصا وأن الملف النووي الإيراني سيشهد حسما راديكاليا من جانب طهران بعد استقالة سكرتير مجلس الأمن القومي الإيراني علي لاريجاني.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 1872 - الأحد 21 أكتوبر 2007م الموافق 09 شوال 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً