العدد 1877 - الجمعة 26 أكتوبر 2007م الموافق 14 شوال 1428هـ

«الكتلة الأكبر» في اليوم الأصغر!

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

من الممكن أن نعذر الإخوة نواب «الكتلة الأكبر» على تضعضع أدائهم النيابي، وصدمتهم بما يواجهوه من قيود وعراقيل داخلية تحد وتضيق من تحركاتهم وتشل أداءهم النيابي تحت مظلة الإحراج العارم الذي تمارسه الدولة تجاه من قرر من صفوف المعارضة أن ينحاز إلى جانب الاعتدال والقبول بالمشاركة في العملية السياسية، ولكن وعلى رغم ذلك لا أعتقد بأنه بإمكان عاقل أن يقبل وجود أي عذر ممكن يمنح لهم إذا ما قرروا أن يواصلوا على التخبط والعشوائية الأدائية ذاتها!

ولعل الأسوأ من ذلك هو أن تكون أخطاؤهم وأغلاطهم الفادحة التي ارتكبوها في دور الانعقاد البرلماني الأول منهاجا ومسلكا لدور الانعقاد البرلماني الثاني، فإن كان من بين تلك الأخطاء الفادحة ما ينبثق من الوعي والعقلية ومستوى الإدراك، ويؤدي إلى خلطٍ بين صلاحيات السلطة التشريعية، وتلك التي ترتبط بمهام ومسئوليات السلطة التنفيذية مثلما حدث مع لجنة التحقيق البرلمانية مع وزارة الصحة، فإن استمرار ذلك الخواء الفج وغير المسئول الذي لم يتم ملئه أو تهذيبه قاد إلى اتباع مواقف شبيهة، وربما أكثر إخلالا وإثارة مع بدء دور الانعقاد الثاني ومنها موقف النائب الوفاقي عبدالله العالي وتدخله كممثل للسلطة التشريعية في قضية الطالبة والعشرين دينارا «المزيفة» أو المنمقة!

فلو كان هذا التدخل أتى منه بصفته صحافيا أو ناشطا اجتماعيا أو حقوقيا ربما كان سيكون مبررا، وهو ما قد يرسل حتما رسالات إلى المراقبين بشأن كون هذا التدخل إنما يهدف إلى تلميع سياسي مؤقت وذر للرماد في عيون الجماهير المحبطة بعد إخفاق برلماني أولي!

فإن كان تصرف إدارة المدرسة الاعتيادي تجاه قضايا مثيرة للحساسية كهذه في وسط عام مشحون بالتوترات قد اتسق بالتسرع والتضخيم والمبالغة، فإن دخول «الكتلة الأكبر» على ذات الخط بفجاجة وفي مشكلة وقعت داخل حدود مدرسة تابعة تنفيذيا لوزارة التربية والتعليم، وقد تم تحويلها بعجالة إلى الجهات المختصة، أعادت إلينا تلك الصورة للتصرفات الطائشة للجنة التحقيق البرلمانية في ملف الصحة التي تمس اختصاصات السلطة التنفيذية، وإن كان هذه المرة من دون لجنة للتحقيق البرلماني في التربية تتخذ من قضية العشرين دينارا تلك مدخلا لها، وهو ما ليس غريبا عنا أبدا بمثل ذاك الإصرار على تحويل الخطأ إلى خطيئة!

وهو ما يشير إلى أن بعض نواب «الكتلة الأكبر» لا يعانون فقط من مشكلة في التخلص من الخلط والتشوش بين صلاحيات السلطة التنفيذية والتشريعية، وإنما حتى من أزمة في التصرف كنواب للشعب بمقتضى الدستور، فبعضهم أشبه بغالبية زملائه في المجلس بكونه «نائب مناسبات» أو «نائب داعوس»، ونائب يفكر بعقلية «فرجان لول» لا «البيت العود»، أو هو ذوعقلية مناطقية ضيقة قبل أن ترتقي فتكون عقلية نائب «دائرة خاصة» أو في أفضل الأحوال عقلية نائب جماعة وطائفة كما هو سائد برلمانيا، وهذا كله لا يهم إذا ما كانت الحلوى والاعتذار والعناق أسياد النهايات الدراماتيكية في كل محفل و في كل مرة!

ومن باب الاحترام لذكاء الناخبين والشارع الوفاقي والحلفاء والمناصرين، فإننا نرجو أن لا يظن بعض نواب «الكتلة الأكبر» أو أن تظن «الكتلة الأكبر» التي تدعي ممارسة المحاسبة والمراقبة لنوابها أن يكون مثل هذا الهجوم المنفلت والمستعجل جدا على السعيدي مع بداية دور الانعقاد الثاني، وما يتبعه من استهلال حروب تصريحات جانبية، إنما يعني بأن هناك عملا برلمانيا مثاليا في كميته ونوعيته قد تم إنجازه، وإن مجرد الدخول الاستهلاكي في شباك إثارة السعيدي يعني أن المهمة قد أنجزت، وعادت مياه الجماعة والحلفاء إلى مجاريها، وطفحت بعدها الأرصدة الشعبية لأعمدة «الكتلة الأكبر» إلى الأعلى من جديد كما كان الحال عليه أثناء الانتخابات النيابية!

فإن كانت الأمور تسير موضوعيا ومنطقيا كذلك فتبارك هذا السعيدي الذي تحول مهاجمته والتعرض له بالنقد اللاذع «بنك بنثر» إلى «سوبرمان» و«الخاذل» إلى «سيد الشرفاء والمتقين»!

كما لا يظنوا بأن سيول النقد اللاذع تلك في معركة جانبية استنزافية لا أحبذ أن ينجرفوا معها لكونها لن تسهم أبدا في تحريك المياه الراكدة والآسنة والعفنة للكثير من القضايا الكبرى والمدونة في البرنامج الانتخابي لـ «الكتلة الأكبر»، وبالتالي لن تغيث الناس من فرط همومها وزحمة مصائبها المعيشية وضيق آفاقها السياسية، وإن حققت بعضا من التلميع السياسي والإنقاذي المؤقت!

فإن حصل هنالك بعض من التلميع السياسي المؤقت لنواب «الكتلة الأكبر» بسبب خوضهم معركة «هرمجدونية» متخيلة مع السعيدي فإنه لا يعني أبدا تسجيل تفوق برلماني في الأداء والكفاءة النوعية يصبوا إليه الجميع من حلفاء وتيار وشارع، فلا يزال نواب «الكتلة الأكبر» في كفة برلمانية واحدة وموزونة متساوين مع أداء السعيدي البرلماني الذي اشتبكوا معه كثيرا!

فهم، أي النواب «الوفاقيون» يحتفظون برصيدهم من مناوشات «لجنة الصحة» وإثارات ملف«التربية» وقضية «العملة المزيفة» الأخيرة، في حين يحتفظ السعيدي في الضفة الأخرى برصيد «لجنة الصحة» و«المحجر الحيواني» و «مأتم مدينة حمد»، وغيرها من نتف مثيرة جداُ وصغيرة للغاية حد أن لا تذكر!

وهم في مثل تلك النهاية المأسوية، وبذلك المحتوى النوعي يتساوون في كفة الأداء البرلماني مع خصمهم السياسي، هذا إن لم يتفوق عليهم ريعيا وخدماتيا، والفرق الوحيد بينهم هو في كون هذا السعيدي الخارق في إشغاله الجانبي مجرد فرد واحد تقف من ورائه كافة وسائل الدعم والإسناد التي لا غنى عنها، وهم الـ (17 نائبا) ومن ورائهم الطوفان الشعبي الجارف في كفة مقابلة لن يغفر لهم أبدا إذا لم يحققوا أي شيء نوعي في هذا الدور على وجه التحديد!

كما أنهم الـ (17 نائبا) وإن استغلوا فرصة الهجوم على السعيدي تلك في تعديل أوضاعهم مؤقتا، وإعطاء نفس جديد من الصرامة المبدئية والجدية المصطنعة والتفاؤل البليد لدى الشارع في هذا الدور فقط، وهو الفرصة الأخيرة المتاحة لهم لئلا تحترق أوراقهم التحالفية الاستراتيجية، وتدق مفاصلهم الشعبية، فإن السعيدي سيستغل تلك الإشغالات الصراعية الجانبية في استثمارات بعيدة المدى لادوار انعقاد أخرى ليس لها من سقف محدد وأمد منظور، وهو ما تعجز عنه «الكتلة الأكبر» في مجاراته واللحاق به بسبب نوعية وحساسية الظرف الذي تعيشه حاليا، والتي لا تحسد عليه، كما لا يحسد شارعها على وضعه المعنوي المنتكس الذي لن يروقه ويرفعه حد السماء نقد السعيدي ومهاجمته علنا أو حتى تنصيبه خازنا للجحيم، فتيار الكهرباء لن ينقطع أبدا عن كتل الموالاة وعن السعيدي، ولكن «الكتلة الأكبر» ستبقى لوحدها بمعزل عن تيار الكهرباء السياسي الحكومي، وعن أي تيار شعبي فاعل تستمده من قواعدها ومن الحلفاء إذا ما كانت الخيبة والإحباط المتوقع أسياد المواقف!

ولعل ما نتردد كثيرا في الجهر به خشية آثاره الوخيمة هو أن استمرار «الكتلة الأكبر» في تخبطها وانشغالها سيقودها إلى التوحد والانعزال بسبب انخفاض شعبيتها، ولربما يؤدي مستقبلا وفي أسوأ الأحوال إلى تفكك الكتلة وانهيارها بسبب عوامل الانصهار الداخلية، وضغوط عوامل التعرية الخارجية المتفاعلة معا، وهو ما يعني في المحصلة النهائية أن «الكتلة الأكبر» هي خير من طبق التقارير المثيرة للجدل على نفسه بسوء تقدير حساباتها، وتواضع أدائها نوعيا، وانجرارها في معارك إثارة وأشغال جانبية مستنزفة، وقبل كل شيء ببشرتها الطبيعية والحساسة جدا التي لا تحتمل الحكة والإكزيما الطائفية بحكم الخلفية التنظيمية والتكوين الأيديولوجي، وإن كانت هي ذاتها التي دخلت البرلمان بزعم محاسبة ومحاربة وتأديب وقلع المتورطين فيها!

فكيف لا تكون «الكتلة الأكبر» مطبقة لهذه التقارير، وأحد أبرز نوابها يقول بعذر أقبح من ذنب بأنه يرجو المعذرة لكونه مجبر على التحرك طائفيا بسبب أن الوضع و«السستام» برمته طائفي ولا يمكن الخروج منه، وهو ما يعني بالفصاحة السياسية إقرارا وتسليما بما هو منزل من صحف التقرير المثير للجدل وانطواء خلاقا بين صفحاته!

الأجدر بأعمدة «الكتلة الأكبر» أن يحسنوا الإصغاء إلى ما أجمع عليه خبراء الاتصال الجماهيري وهي قاعدة «صحيح أن الجماهير قد تتعاطف وتعذر من تقع عليه المصيبة والأزمة، ولكنها لا ولن تتسامح أبدا مع إساءة التصرف والتعامل مع هذه المصيبة والأزمة»، والكلام لك يا جارة عسى ألا يكون رصيدك النيابي دون العشرين دينارا «المزيفة» أو المنمقة تلك، وعسى أن لا يتوه شعبنا المغلوب على أمره بين حسرات الشيخ علي سلمان وضحكات عبدعلي!

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 1877 - الجمعة 26 أكتوبر 2007م الموافق 14 شوال 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً