العدد 1879 - الأحد 28 أكتوبر 2007م الموافق 16 شوال 1428هـ

الدراما الخليجية و«الدرامات» البحرينية!

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

رحم الله الوالدين اللذين أنجبا الناقد والروائي التشيكي البارز ميلان كونديرا حينما لفت الأنظار وبشكل غير مسبوق إلى مصطلح «كيتش» الذي ذكره واستعرضه في كتابه الذائع الصيت (فن الرواية)، وقد عني به أوجها وأفرعا متعددة لربما أقربها معنى هو دلالات المبالغة الرومانسية والابتذال الدرامي والسطحية التراجيدية المثيرة للانفعال العاطفي التي لا تهدف إلاّ لاستدرارالدموع بشكل استهلاكي لا نظير له!

وإنْ ساد هذه الكلمة الكثير من الغموض والإبهام، وانحصر بالتالي تداولها بين أضيق دائرة نخبوية نقدية، إلاّ أنها كانت ومازالت الأقرب إلى قلبي لما لها من انعكاسات جد واقعية على واقعنا الحالي الحافل بـ «الكيتشات» الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وحتى الدينية المذهبية، ولربما المزيد من «الكيتشات» والإسكيتشات الإصلاحية!

وحتى تنال تلك الدلالات «الكيتشية» مقاربات أكثر واقعية، يحسن القول إنها كانت ممثلة في الإنتاج المحلي الدرامي الرمضاني لهذا العام، وما تميز به بشكل ملحوظ من انخفاض وتردٍ للمستوى يتمظهر في إسفاف وابتذال واضح في الحبكة والمعالجة الدرامية، وحتى على مستوى أداء التمثيلي، هذا إنْ لم يكونوا أسوأ من ذلك بكثير وما استخدام كلمة «كيتش» إلاّ من فرط التهذيب!

فمثل تلك المنتوجات الدرامية لربما شكلت إهانة لكبار الممثلين البحرينيين والخليجيين الذين شاءت لهم الأقدار أنْ يتورطوا فيها لكونها قللت من شأنهم الفني كثيرا، وربما شاءت لهم الأقدار أنْ تتباعد الحدود بينهم وبين جزء ليس بهيّن من جمهورهم ومشاهديهم، هذا مع الإيمان بالحقيقة الواقعية المشاهدة والقناعة ولعلّها البديهة التي تقول بتردي وتدهور «قناة العائلة العربية» منذ دخولنا عصر الفضائيات وبتنافسياتها الشرسة التي لا ترحم الضعيف، والآنَ في رمضان كاد أن يتحوّل المجتمع البحريني إلى مجتمع بغاء وقوادة ومخدّرات ووكرا للمهابيل والمختلين!

وقد أصبحت تتدرج وتتردى شيئا فشيئا تلك القناة المسدودة الآفاق؛ لتصبح ضمن آخر الخيارات المحتملة لدى المشاهد الفضائي والكوني الذي لم يعد يقبل بفرض الأذواق والأمزجة الفنية عليه وخصوصا إنْ كانت أذواقا وأمزجة متردية كهذه، هذا وإنْ لم تكن قد أصبحت قناتنا من ضمن القنوات المنسية دراميا وأخباريا بكوادرها التي لا مجال لمقارنتها بمن مضوا واختفوا خلف الكواليس، أو بمحتواها الذي لا يحترم ذكاء القارئ حينما يقدّم «الطبّالون» وأصحاب «الطيران» والمتورّطون في ما يثير الجدل بصفتهم نشطاء ومحللين سياسيين واجتماعيين جهابذة وأفذاذا!

ومثل هذا الأمر لئن دل على شيء فإنما يدل على أنّ وزارة الإعلام مازالت عصيّة على النمو والإصلاح، ومنبعا ومنبثقا للعقم الإجرائي المؤسساتي ومقرا للإنفلونزا الرجعية وذلك بدءا من أقسام الإنتاج الفني وانتهاء بقسم الرقابة، بدلا من أن تتصدر مشهد الحداثة وموكب تلك التنافسيات الفضائية المعتلجة بشدة العرض والطلب، والصاعدة بلا نهاية أو سقف محدد!

وبالعودة مرة أخرى إلى المنتج الدرامي الرمضاني البحريني فإنّ ما يميز رداءة وتدني مستواه هو في كونه يمثل هو الآخر نسخة كربونية بليدة ودون المستوى للكثير من المسلسلات الخليجية الأخرى، وما تحتويه من مظاهر وديكورات ومشاهد راقية وأبهة قد تتناسب مع الواقع الخليجي الاستهلاكي أكثر من تناسبها مع أي واقع آخر بما فيه الواقع البحريني المرير!

إلا أنّ استهلاكية الإنتاج البحريني لهذا العام لربما أساءت كثيرا إلى سمعة الإنتاج الدرامي الخليجي الذي تتساوى وتتضافر فيه تلك المظاهر والمشاهد والأشكال في رقيّها وفخامتها مع مستوى الحبكة والمعالجة الدرامية والأداء التمثيلي، وذلك على العكس من «الدرامات» البحرينية التي يشكل الاستهلاك عنوانها الأبرز وسمتها الغالبة مع غلبة واضحة للشكل والمظهر المتألق بالماكياج على حسابات الجوهر والمضمون والمعنى والصيرورة التحولية لمراحل الصراع الدرامي، فيظل المشاهد البحريني بعيدا كلّ البعد ومذهلا جراء ذلك الانحدار العالي المستوى للأعمال الدرامية والفنية البحرينية في شهررمضان على رغم ارتفاع منسوب الماكياج و«البصاقة» الشكلية، والتي لطالما خبرها نافست بقوة على نيل مختلف الجوائز وأشكال الوجاهة الاحتفائية خليجيا وعربيا!

وحتى يتم تلطيف وحشة الشكل الفارهة والمظهر «الكشخة» المسببة لاغتراب المشاهد البحريني عسى أنْ تنال تلك المسلسلات الهاوية شيئا من القبول الواقعي والشعبي، فهل يخطر على بال منتجيها ومخرجيها أنْ تتم الاستعاضة عن القصور والفلل الفخمة المطلة على الشواطئ البحرية، وذلك بالأبنية والكانتونات العمودية التي تنصح وتبشر بها الحكومة المواطنين كحل ترقيعي بائس للأزمة الإسكانية المستفحلة؟!

وهل انتهت جميع أزماتنا وقضايانا المصيرية هنا في البحرين من طائفية وتآكل للطبقة الوسطى وابتذال للهوية بفعل العمالة الوافدة/ المهاجرة و«لوثة التجنيس» وغيرها مما يصعب حصره، حتى نتفرغ؛ لأن نكون مجتمعا لاستهلاك البغاء والقوادة والمخدرات وصرخات المهابيل!

فإنْ كنتُ أؤمن بتفجير القضايا والملفات الحسّاسة الخادشة لحياء وانفصامية مجتمعنا العربي والمسلم بالنيران الدرامية إلا أنني أتقزز من إدمان تسليعها دراميا وتسويقها رومانسيا بقصد حلب أبقار المشاعر واستدرار خمائر الدموع الرمضانية؟!

وإنْ كان تناول تلك الملفات والقضايا الكبرى غير مسموح وجائز ومفتى به رقابيا وشرعيا في الوقت التي تزداد وتكبر فيه الفجوات بين الدولة والمجتمع بسبب انعدام الشفافية والمصارحة والمصالحة الحقيقية وكأنما الاثنان في واديين مختلفين، وهذا ما يقوله الواقع الملموس، فإنني أنصح بإعادة تدارس تلك التجربة الماضية الناجحة والذهبية لأيام «البيت العود» و«فرجان لوّل» و«نيران» و«سعدون» و«ملفى الأياويد» و«حزاوي الدار» و«سرور» و«عجايب زمان» وغيرها من الكثير الذي حاز استحسان المشاهدين البحرينيين والإقليميين ودخل ميدان المنافسة بقوة، والذين هم الآنَ حائرون بين لحظة ضعف وابتذال درامي، وفجر قد أضحى مستحيلا للنهوض مجددا وإعادة استقطاب الكفاءات التي لم يحسن تقديرها، وتقوية المواقع التنافسية خليجيا وعربيا!

فمثل تلك العودة الارتجاعية تمثل أبسط الإيمان على الأقل وأقل مظاهر الاحترام لمن ساقه القدر أنْ يكون مشاهدا لمنتوجات قناة «العائلة العربية» التي مازالت تظن أنها القناة الوحيدة في «الساتلايت»، وهو وهْم ذاتي فاقع وَجَب علاجُه بالصدمات الكهربائية الموجبة!

وعلى رغم كلّ تلك الصدمة والغلظة النقدية إلاّ أننا وحتى اللحظة الأخيرة مازلنا نعبّر عن عظيم تفاؤلنا واهتمامنا بمجيء وزير الإعلام الجديد جهاد بوكمال على أمل أنْ يساهم في تصحيح مثل تلك الانحرافات البنيوية المزمنة، ويعيد الأمور إلى معظم نصابها، وتتم استعادة واستقطاب كفاءاتنا المحلية المهاجرة أو التي هجّرت بعدما بطل تقديرها، فالخلفية النيابية للفاضل جهاد بوكمال لربما تسعفه وما يتمتع به من حواس ومدركات تحسن تقدير التوقف العاقل أمام ركام تلك الأموال الهائلة المتسربة والمودعة في خانات وحسابات أضحت بلا جدوى أو مردود حقيقي فعلي!

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 1879 - الأحد 28 أكتوبر 2007م الموافق 16 شوال 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً