العدد 1881 - الثلثاء 30 أكتوبر 2007م الموافق 18 شوال 1428هـ

جريمة نادر كاظم

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

من سوء حظ وزير الإعلام الجديد جهاد بوكمال، أن يكتشف بمجرد جلوسه على كرسي الوزارة، وجود ألغام وقنابلَ موقوتة رُكِنت تحت رجليه، من مخلّفات «الاشتباكات» السابقة.

الوزير بادر إلى نزع فتيل إحدى القنابل، بلقائه الكاتب نادر كاظم، أحد أطراف الخلاف الناشب بين الوزارة والمثقفين والإعلاميين، وأعلن تضامنه معه واعتبر نفسه في خندق واحد معه؛ ما يمثّل بارقة أمل في هذا الليل الإعلامي الطويل.

لا نريد أن نستبق الأحداث، أو نشارك في حفلة حرق البخور للوزير كما يجرى عادة مع تعيين كل وزير جديد، حتى قبل أن يلبس «بشته»، ولكن نقول: نصبح وتصبحون، وننظر وتنظرون.

إذا أردنا أن نكون واقعيين، فلا نتوقع أن يتمكن الوزير من الصمود طويلا في الخندق مع «المتهم» كاظم، ولا نطالبه بما هو فوق طاقته. فجريمة الرجل ليست من «القصص» المألوفة، مثل الاختلاسات المالية أو تلقي الرشوة، أو سرقة الأراضي وتدمير البيئة، ممّا يمكن كتابة تقرير مفصّل عنه وعرضه للرأي العام في تقارير الرقابة المالية، وإنما جريمته أنه حاول تقديم قراءةٍ ثقافيةٍ لتاريخ البحرين الحديث. ولأن النتاج الذي قدّمه عمل أكاديمي إبداعي، فلا يمكن ترك تقويمه والحكم عليه لموظفين بيروقراطيين في قسم الرقابة بوزارة الإعلام.

القضية ليست طرحا يمثل هذه الفئة أو تلك، في هذا الحدث التاريخي أو ذاك، وإنما هو محاولةٌ نقديةٌ لتسليط الضوء على أمراض «الحالة البحرينية» المسكوت عنها، التي نجد أنفسنا نهوي إلى قاعها أكثرَ وأكثرَ، بدليل ما نعانيه من انقسام طائفي حاد، تصر بعض القوى على استغلاله وتأجيجه لاستمرار الأوضاع الخاطئة التي لم يعد البلد وتنميته واستقراره تحتمل استمرارها، وبات المجتمع يضج منها.

جريمة كاظم أنه حفر تحت السطوح، وقرأ بين سطور المؤلفات القديمة، وصاح بوجه الجميع: أنتم مرضى، ذاكرتكم مثقوبة، استيقظوا قبل خراب البلد.

جريمة كاظم أنه لم يأخذ الرواية الرسمية أو الشعبية من التاريخ، وخرج بنسخته الخاصة، وحاول أن يكون صادقا وصريحا مع الجميع. مشكلة كاظم مع الجهات الرسمية، أن التاريخ لا يُكتب بحسب الهوى و «الطلب»، فيتحوّل الكاتب إلى جارية رخيصة في القصر. ولذلك صارحهم: التاريخ بعد 1783م لم يكن حقبة وردية وفتوحا وبطولاتٍ. التاريخ تاريخ، وليس من حقّنا أن نأخذ منه ما نحب ونشطب ما نكره، لنظهر في أجمل صورةٍ وأبهى حلةٍ من الديباج.

مشكلة كاظم في المقابل مع الجهات الشعبية أنه لم يأخذ «الرمّانة» المقدّسة كما يهوى الناس، وإنما صارحهم: تاريخكم قبل 1783م لم يكن مجتمعا من الملائكة التي تقيم صلاة الليل، بل كان مجتمعا منهارا من الداخل، يتقاتل ويتحاسد، ويقضي أوقات فراغه الكثيرة في السفسطة والجدال.

هذه الدرجة العالية من الصراحة التي تصدم «مشاعر» الطرفين الرقيقة، وأحاسيسهم المرهفة، تجعلنا نتوقع ألاّ يطول صمود وزير الإعلام في الخندق، فالقضية أكبر. إنها إعادة قراءة التاريخ الوطني، وهو ما بدأ به كاظم، ويمانع الآخرون، في زمنٍ انتهت فيه خرافة المنع وانهارت السلطات الكهنوتية في كل مكان من العالم، بظهور مارد خارق للحدود اسمه «الإنترنت».

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1881 - الثلثاء 30 أكتوبر 2007م الموافق 18 شوال 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً