العدد 1882 - الأربعاء 31 أكتوبر 2007م الموافق 19 شوال 1428هـ

مزاح ناشف

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

ربما هي الصنْعَة السياسية الناجزة وحدها الكفيلة بإدراك الأشياء المحيطة وتقدير المواقف، وقد تكون الصنعَة النفسية الرشيقة أيضا - في درجة لاحقة - المُقوِّم الأساسي للسلوك السياسي للأفراد، والحيلولة دون تحوّله إلى هويّة وظيفية ذاتية. في القيم السياسية للسلطة تتجمّع مصاديقها ضمن مسار ممتد ومتساوق لإتمام القوة والنفوذ، وتمكين تلك السلطة من السيطرة المُفضية إلى حال نظام نسبي قد يُتّفق عليه لوضع الدولة ضمن فضاء السلم الأهلي الذي قد تتناحر عليه رايات متعددة فتتركه جيفة لا تُطاق. وفي البسط السياسي للأفراد قد تتحوّل هذه القيم إلى صيغة مُحسَّنة من آلة النفوذ والقوة بشكلها العكسي، والمكوث في منحدر آخر لإتمام مشروع المواجهة المفتوح وكسب نقاط عدمية في ذلك.

وعندما يخرج الفرقاء من حال سياسية صالحة إلى حال أشبه ما تكون بالموبوءة والمُحنّطة وجعل الذاتية ولاية عليها فإن خراب المشروع هو الإفضاء الطبيعي لتلك الحال. قبل أيام ظهر الشيخ صبحي الطفيلي من منزله في بلدة عين بورضاي اللبنانية مُتهكّما وساخرا من الأمين العام لحزب الله السيدحسن نصرالله ومن اتهام الأخير للكيان الصهيوني بالوقوف وراء الاغتيالات السياسية في لبنان. الرجل إن بدا مُتدثرا زورا بعباءة الرجل السياسي العارف بدقائق الأمور إلاّ أنه لم يستطع أن يُبارح التاريخ والتسميات والشعارات والأنسجة السياسية التي أفرزتها معادلات الداخل والخارج لبلاده، والتقوقع في حدود «الفزعة» التي قامت في العام 1996 والمنعوتة بـ «ثورة الجياع» التي لا تعدو كونها إعادة إحياء لمشروع طوباوي أممي فارغ عاش الطفيلي على أدبياته ردحا من الزمن، فهو أراد للسياسة أن تكون جبهة خُلاصية تُحيطها المياسم والشعارات من دون أن تقطع صفوها حسابات أخرى، وأراد للسلاح وقعقعته أن يبقى مُعَمَّرا على الأكتاف صباح مساء؛ لأنه الأقدر على تمييع الإخفاقات وإحالة الحساب بشأنها إلى معمعة الحرب المفتوحة ليضيع الميزان وتضطرب الأنظار.

الغريب أن الرجل قد أوصلت علاقته بقيادة حزب الله من علاقة تنظيمية/ شرعية إلى علاقة تناقض وتضاد تتكاثر من حولها مجموعة من التشكيكات المتماهية في غاياتها مع تشكيكات الخصوم الأساسيين، وإيصال حقبته في الحزب بمثالية سياسية وقيمة جهادية لا تتكرر، وهي نرجسية هابطة لا يُمكن التعاطي معها أبدا. ما لا يُدركه الرجل أن المشروعات لم تعد تُختصر في الأشخاص ولا في مرئياتهم ولا في حقبهم، وهي نظرات لم تعد تُتداول في سوح السياسة، بل إنها أضحت سُبّة تُعَيَّر بها الأنظمة الشمولية والحركات الدافعة إلى تحنيط المراحل وتصويب أخطاء الرجال - إن كانت هناك أخطاء - من لحم الأمّة التي لم تعد تُدرك أفهام الجهابذة والمناضلين الذين يتفاضلون معها في كل شيء، ويتنذّر عليهم أن يكونوا يوما مُحتاجين إليها أو إلى شرعية قد تُطلب منها.

إن الحديث عن حماية حدود الكيان الصهيوني الشمالية، وتحرير القدس، والعمالة، وتثبيط عزيمة المقاومة، كله شعارات بلا شعور، وتسفيه بمنجز وخيار استراتيجي للأمّة، وإن التطاول عليه وتخوينه بغير حق هو ترف ومُزاح ناشف!

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 1882 - الأربعاء 31 أكتوبر 2007م الموافق 19 شوال 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً