العدد 1887 - الإثنين 05 نوفمبر 2007م الموافق 24 شوال 1428هـ

زرع الأشجار من أغصان الزيتون

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

في بداية هذا الشهر أقرّ مجلس النواب الأميركي ما يأتي:

-1 يعترف بالدين الإسلامي وأنه أحد أعظم أديان العالم.

-2 يعبّر عن الصداقة والدعم للمسلمين في الولايات المتحدة والعالم.

-3 يعترف بقدوم شهر رمضان، الشهر الإسلامي المبارك للصوم والتجدد الروحاني ويعبّر عن الاحترام للمسلمين في الولايات المتحدة وحول العالم كلّه.

-4 يرفض الكراهية والتعصب والعنف الموجّه ضد المسلمين في الولايات المتحدة وحول العالم.

-5 يشيد بالمسلمين في الولايات المتحدة وحول العالم الذين رفضوا التفسيرات للإسلام والحركات الإسلامية التي تبرر وتشجّع الكراهية والعنف والإرهاب.

قرار مجلس النواب الأميركي الذي يشيد بالإسلام ويثني على المسلمين في عبادتهم في شهر رمضان سواء في الولايات المتحدة خصوصا أو في العالم كافة هو الرد الطبيعي والمناسب على تطرف الإدارة الأميركية والدائرين في فلكها من أصحاب النظرة العمياء إلى العلاقات بين الأديان والشعوب. والجميل في الأمر أنّ القرار جاء بالإجماع ومن فريق يعبّر عن رأي المواطن الأميركي؛ لأنهم يمثلون الشعب وفي ذلك دليل على أنّ الأصوات التي ترتفع من حين لآخر بالتطرف والتعصب والعدوانية إنما هي أصوات نشاز لا تلبث أنْ تخفت أمام حكمة المسار العام.

والقرار هذا ليس الأوّل في التعبير عن موقف مجلس النواب الأمريكي من المسلمين فقد كان له قرار سابق صدر في الرابع عشر من سبتمبر/ أيلول 2001 أي بعد ثلاثة أيام من أحداث نيويورك وكان التأكيد في ذلك القرار على التحذير من التعصب الأعمى الذي لا يفرق بين المسلمين بشكل عام وبين أولئك الذين اختاروا طريق التفجير والتدمير، والسرعة في اتخاذه توحي بأن المجلس يدرك الآثار التي تنجم عن التفجيرات بشكل عام من جهة وكذلك التصرفات التي تلجأ إليها الإدارة اليمينية المتطرفة أو الغلاة من الصهاينة والمعادين للمسلمين بشكل عام.

كلا القرارين جاءا في أوقات شديدة الحساسية، فالأول جاء في وقت حرج إثر التفجيرات مباشرة والثاني في أوج دعوات متطرفة من ساسة ورجال دين يرفعون دعوات عداء للإسلام والمسلمين، بل ويسعون لملاحقة دور العبادة وشعائرها حتى لا يتيحوا فرصة لمسلم في ممارستها أو إظهارها، كما أن العبارات التي اختيرت للبيان توحي بتوخي الحكمة وحسن تناول الموضوع حتى يلقى قبولا لدى أتباع الديانات الثلاث باعتبار الإسلام دينا عظيما ينتمي إليه - كما أظهر البيان - أكثر من مليار ونصف المليار مسلم.

وأخيرا، فإن صوغ مشروع القرار جاءت من أشخاص ثلاثة ينتمون إلى الديانات السماوية، الإسلام والنصرانية واليهودية، ومن ثلاث ولايات مختلفة ويلقى في الوقت نفسه قبولا كاملا من أعضاء المجلس ما يوحي بأن الأمر يؤسس للمزيد من احترام الأديان وحوار الحضارات وليس صدام الحضارات وتحطيم المعتقدات الذي يسعى إليه المتطرفون والمتعصبون في إدارة لا تجيد إلا إعلان الحروب وإشعال فتيل الصراعات، ثم تبحث عن أقرب طريق للهروب أمام العواقب التي لم تكن في حسبانها. بل إن أركان هذه الإدارة يتساقطون في شكل درامي. حوار الحضارات وفتح قنوات لهذا الحوار وإنشاء ميادين للاحترام الديني لا يمكن أن يقوم به طرف واحد فقط وإلا كان مبادرة تبدأ لتنتهي، بل يقتضي الأمر - وخصوصا من المسلمين - أن ينتهزوا كل فرصة إيجابية أو سلبية للتعبير عن قدراتهم ورغباتهم في تفعيل الحوار وتأصيل قيمه على أساس الاحترام المتبادل والبحث عن فرص التعاون في تحقيق الخير والنفع للإنسان حيث كان، لأن الأديان لا تبحث إلا عن الخير والنفع، والحروب التي يشنها الغلاة والمتطرفون باسم الدين إنما هي من أجل مصالح أخرى تكشف عنها الأيام فيما بعد.

على الإعلام ورجاله ووسائله اتخاذ هذه المبادرة فرصة للتحدّث إلى أعضاء في مجلس النواب سواء ممن صاغوا القرار أو الذين ساهموا في الوصول به إلى موافقة بالإجماع وعرض أفكارهم ودعوتهم إلى صحف وقنوات لإسماع الناس وجهة نظرهم حتى يعرف الجميع أن الولايات المتحدة أو «بوتقة الانصهار» كما يطلق عليها أحيانا ليست المحافظين الجدد ولا الإدارة المتعصبة التي قبع رئيسها اليوم في أدنى درجات القبول في آخر استفتاء شعبي، بل هي قارة كبيرة فيها إمكانات كبيرة وآمال كبيرة لحياة أفضل مما نراه ونسمعه.

كما أنّ على مجالس الشورى والبرلمانات في الدول العربية والإسلامية الاحتفاء بهذه الخطوة لمجلس النواب وإعلان الشكر والتقدير وفتح الباب أمام المزيد من مبادرات إقامة مجالات حوار وميادين احترام بين أتباع الديانات السماوية؛ لأن ذلك سيدعو في نهاية المطاف إلى الخوض في بعض القضايا التي يمارس فيها الظلم أو العدوان أو مصادرة الحقوق من قبل كيانات سياسية أو تصرفات من قوى سياسية ويحتاج الأمر إلى إعلان مواقف بشأنها تستند إلى ذات الموقف الذي يندد بالتعصب الأعمى أو يثني على آراء شعيرة ما أو يرحب بممارسة واجبات دينية.

ربما يتوقع البعض أن يتخذ مجلس الشورى في المملكة خطوة في هذا السبيل وخصوصا أنّ كثيرين من أعضائه هم رجال بارزون في الحوار المحلي والإقليمي والعالمي وأصحاب تجارب ناجحة في الإدارة والقيادة والسياسة ولهم نشاط بارز في التقريب بين الثقافات والأديان على اعتبار أنّ هذه هي الطرق التي توصل في نهاية المطاف إلى تحقيق المسلم رسالته على هذه الأرض «ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة وجادلهم بالتي هي أحسن»، ولو تركت الأمور للقوة المادية فإنّ حدود الممكن فيها - على أفضل افتراضات تملك القوة المتساوية - هو التدمير المتساوي. ربما يخطو المجلس أو رابطة العالم الإسلامي أو الندوة العالمية للشباب المسلم أو منظمة المؤتمر الإسلامي أو غير هذه المؤسسات الخطوة الأولى، وقد يأتي الوقت لخطوات أخرى تبحث فيها حدود ما يمكن القيام به من أجل محاربة ظاهرة الإرهاب بالتعاون في القضاء على جذوره المتمثلة في الإعلام غير الهادف وكذلك في الظلم والعدوان غير المبرر، بل وإلى إقامة لجان حكماء تبحث في الحالات التي أدت أو تؤدي إلى بؤر ساخنة حتى يمكن تلافيها قبل الوقوع فيها.

هذه الخطوة من مجلس النواب يجب استثمارها من ذوي العقل والبصيرة لأن العالم يزداد احتقانا وفي الوقت نفسه يزداد تضاؤلا أمام وسائل الاتصال والنقل وأمام أصوات كثيرة لبعضها تأثير قوي على مراكز القرار. ومن الحكمة والعقل أن تستثمر كلّ بادرة تحفظ للناس دينهم ودنياهم على أساس من العدل والمساواة، ولا يوجد من الفرص أحسن من فرصة مردها المنطق والمعروف، والحكمة ضالة المؤمن هو أحق بها أنى وجدها. وفي الأخذ بمبادرة الاحترام المتبادل وتعزيز قنوات الحوار الحضاري ما يساعد على حقن الدماء وحفظ البلاد من التمزق.

*كاتب سعودي، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 1887 - الإثنين 05 نوفمبر 2007م الموافق 24 شوال 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً