العدد 1889 - الأربعاء 07 نوفمبر 2007م الموافق 26 شوال 1428هـ

«السلف» حين يتفلسف!

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

على رغم أننا لسنا بوارد الجمع وممارسة التعميم المجحف بحق مختلف التيارات والحركات والأحزاب والجماعات «السلفية»، التي تتعدد وتتباين على مستوى الطرح والخطاب، وتتفاوت في تبني المساعي الاجتهادية الشرعية، وتحديد مواقفها من مختلف القضايا والأمور الدنيوية والمعاصرة، فهيهات مثلا لمن ينظر بعين المساواة في المقام بين بعض علماء السلاطين والكوادر «السلفية» الحركية هنا في البحرين ويضعها في صف واحد مع اجتهادات وأطروحات تقدمية لزعيم حزب «الأمة» المحظور وأحد أبرز قيادات الحركة «السلفية» في الكويت الشيخ والأكاديمي حاكم المطيري؛ فإن الصورة النمطية التي ربما يحملها الكثير من المراقبين المطلعين عن التيارات «السلفية» تشي بما تتميز به تلك الحركات من «نصوصيتها» الفكرية الكاتمة، أو بصور أخرى مغالاتها وتشبثها بالنصوص المنقولة على حساب التأويلات والاجتهادات المعقولة والمنطقية التي ربما تأتي في المرتبة التالية أو تضمحل من دون أن تترك أي أثر، وهي بذلك تضع مثلا الفلسفة وعلم الكلام ومناهجهما المختلفة في صف حدي متصادم «clash» مع حكم الشرع فيما لا يكاد لهما أن يلتقيا سواءٌ أكان ذلك في أمور أخروية أم دنيوية!

وعلى رغم تكرس تلك النمطيات وسيادتها على الخطاب الناقد للتيارات «السلفية»؛ فإن مع مستجدات الساحة السياسية البرلمانية الأخيرة بشأن ما نشر صحافيا عن الوثيقة المشتركة التي تم توقيعها بين «الأصالة» و «الوفاق»، فلربما تتم إعادة النظر في تلك الأحكام النمطية مع ظهور نزعة إحيائية فلسفية في باطن كتلة «سلفية» موالية حد الانصياع (سبحان الله)، وقد تجلى ذلك مع اتباع بعض رموز ومشايخ كتلة «الأصالة» منهجا مبتدعا في «التفلسف» لتبرير الوثيقة المشتركة والموقعة مع «الوفاق»، فشهدنا على لسانهم فوارقَ وتمايزاتٍ «متفلسفة» بين «تحالف» و «تعاون» و«تنسيق» و«مساندة» و«عدم عرقلة» و«تسيير» و«وقوف مشترك» و... إلخ، وذلك دونما أن نشهد منهما موقفا واضحا وصريحا قاطعا بحدة «نصوصية» و«نقلية» و«شرعية» تجاه هذه الوثيقة المشتركة!

هل هي (الوثيقة) بطاقة أنيقة للمجاملة ونسج الأحلام الذهبية المشتركة بين «كتلتين» أم هي - بحسب ما جاء في نصها - عقد تحالف سياسي تكتيكي لا استراتيجيا من نوع آخر أم أنها مسودة لخلاصة لعبة «x o» مسلية بين الجانبين جرت عقب مائدة برلمانية شهية ودسمة؟

إن كان من السهل والمتوقع أن تتهم «الوفاق» وتشخص حالتها من قبل جماهيرها وحلفائها والمراقبين أنها ضحية لنقص الخبرة السياسية الميدانية وتواضعها، فإن وضع «الأصالة» أمام قاعدتها الجماهيرية وأمام مجمل الشعب الذي من المفترض أن تمثله دستوريا بكامله سيكون أكثر حرجا، وخصوصا لكونه أتى من «كتلة برلمانية» لطالما تم تفضيلها نسبيا عن شقيقتها الإسلاموية الأخرى في تحالفهم الوتدي المفروض من الأعلى؛ وذلك بكونها تمتاز بنوع لا بأس به من الانكشاف والوضوح المبدئي على العكس من ضبابية شقيقتها التي تضع رجلا في الجنة وأخرى في النار.

فأن تتلكأ وتتخبط و«تتفلسف» الأصالة بشأن مقبض الوثيقة المشتركة الموقعة بين الجانبين فمثل ذلك لن يخرج عن كونه إما تسرعا انتحاريا وإما جهلا فاحشا بأصول العمل السياسي الميداني في حال حسنت النية، أما إذا ساءت النية فإن تنصل «الأصالة» مما وعدت به سيفسر حتما أنه تجاهل وتضليل غادر لم يحسن تغطيته، وهو لا يتوافق طبعا مع من يتذرع ويتطعم ويتزود دوما بعتاد الدين والشريعة، وهو سيضع صدقية «الكتلة» على المحك ويعرّي موقعها البرلماني بصفته حائط صد حكوميا لا أكثر ولا أقل، ويفقدها بالتالي - وأعني الأصالة - أصالة قاعدتها الشعبية المفترضة، وإن مجرد الحديث عن مسئولية الصحافة عن كشف تلك الوثيقة وتسريبها وربما فضحها بأسلوب الوصاية والرقابة وتصدير الأزمات فهو أمر لا يسمن ولا يغني من جوع!

وإذا ما أخذ على «الأصالة» تعاملها مع واقع التجربة والمشاركة البرلمانية أنه أتى من باب «تغطية المنكر الأكبر بمنكر أصغر» و «تجشم عناء أكل الميتة» حسبما جاء على لسان إحدى المشايخ والرموز، وهو ربما ما يصطدم مع منظور كتلة كـ «الوفاق» دخلت ببرنامج واسع الأجندة من القضايا والأزمات المتراكمة بانتظار الحل أو الحلحلة، فإننا وبدلا من الانجرار إلى سجال قد يكون عقيما، فسنعمل على تَكرار دعوتنا الإخوة الأفاضل في «الأصالة» مرة أخرى إلى أن يعتمدوا الرؤية والمنظار عينهما في التعامل مع مطالب «الوفاق» الرقابية طالما أن الثقة معولة على سلامة معادلة «لا تبوق = لا تخاف» حتى لا تتطور الأمور إلى ما لا تحمد عقباه وكفى الله «المؤمنين» شر القتال!

فلا أظن أنه يوجد مسئول على وجه الأرض - مهما علا شأنه ومنصبه وتفانى في عطائه - سيكون أفضل من سيدنا أبوبكر الصديق - رضي الله عنه - وهو القائل: «أيها الناس قد وُلِّيت عليكم، ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوِّموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ له حقه، والقوي عندي ضعيف حتى آخذ منه الحق إن شاء الله تعالى»، أو سيدنا الفاروق عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وهو القائل: «إن رأيتم فيّ اعوجاجا فقوِّموني» و«الحمدلله الذي جعل في رعية عمر من يقوِّمه بحد سيفه»، أو سيدنا الإمام علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه - وهو القائل لمن عارضه ذات يوم: «أصبت وأخطأت (وفوق كل ذي علم عليم)»!

وإن كان هنالك خوف متأصل لدى «الأصالة» من تبعات استجواب تحظى به «الوفاق» وتمارس به رقابة من حقها الدستوري الأكثر أصالة من تهيّب «الأصالة»، فلا أعتقد أن في مثل هذا البرلمان المحكوم بضمانات دستورية صارمة، والمحدود بسلطاته وصلاحياته، والمصاب بهشاشة العظام و «الثيلاسيميا» والحكة الطائفية أي مسبب للخوف، فلا كرسي كهربائيا للإعدام، ولا أظن نواب «الوفاق» يحسنون المبارزة بـ «السيف» أو تصويب الرماح واستخدام المدافع والمسدسات!

يأتي هذا التعامل العقلاني الواقعي الذي يحفظ ماء الوجه ويحافظ على كلمة «الرجال» وأصالة «الأصيل» خيرا من زجرة مواطن غلبان ومغبر الوجه في يوم قائض يوجهها لمن يمثلونه بحكم الدستور ورغما عن أنف المحاصصات الانتخابية الطائفية والإثنية، وهو ربما سيقول لهم: «إشفيكم إنتو راكبين على اظهورنا من الصبح اتفلفسون»!

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 1889 - الأربعاء 07 نوفمبر 2007م الموافق 26 شوال 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً