العدد 1891 - الجمعة 09 نوفمبر 2007م الموافق 28 شوال 1428هـ

مرحبا بنقابات «الغونغو»!

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

في الوقت الذي تتجه فيه الحكومة بحماس نافذ إلى إقرار التعددية النقابية بعد أن كانت تجد مضاضة وعسرا في هضم مشروعية وجود نقابة مفردة في منشأة واحدة، إن الحركة النقابية والعمالية في البحرين تقف أمام منعطف تاريخي مصيري ربما لم يسبق لها أن واجهت مثله من قبلُ، وأمام تحدٍّ لا مناص من الاصطدام به، يأتي بعد أن تغيرت قواعد اللعبة العامة بشكل جذري وأصبحت خلالها الحكومة كأنما تمارس العمل التنظيمي السري في مقابل نيل مأزق الواجهة والشفافية والوضوح من قِبل التنظيمات السياسية والنقابية التي كان لها باع طويل سابقا في إدمان ممارسة العمل السري!

فأصبحت هذه التنظيمات الحائرة هي التي تتوعد وتنذر وتعلن وتأمل وتتطلع، على حين أن الحكومة تهيئ وتجهّز وتنفذ وتنجز وتعجز!

كما بات من غير المناسب أبدا إعادة تَكرار واجترار الحديث مرة أخرى عمّا تمثله رمزية العمل النقابي بمختلف تلاوينه من حاجة تضامنية/ تكافلية وتعاونية ضرورية في سبيل الحق المشترك والمشروعية الأساسية، وهو يجسد صمام العمل الجماعي الذي قد لا يحبذ أن يستوعبه ويراه بعض أصحاب الذهنيات الإقطاعية من منظور مصلحته الخاصة إلا استغلالا جماعيا!

ولربما أصبح من العبث لدى البعض تَكرار الحديث عن قبول تصالح من قِبل دولة ومجتمع ذي قاعدة مفصلية إقطاعية تاريخية وهي العدو والضديد الأول للعمل النقابي على رغم وابل الضمانات الدستورية والتشريعية والوعود المحفزة إلى إطلاق العمل النقابي!

فهل ينبغي على الحركة النقابية والعمالية البحرينية أن تحاول التأقلم والتكيف مع واقع جديد لتعددية نقابية مفروضة عليها، وموعودة بها كالبشارة الرسمية التي تزف من الأعلى وتثير عددا من التكهنات عن الغاية والنية الحقيقية من طرح هذا الخيار والسعي إلى فرضه على الحركة النقابية البحرينية؟

إن كان مناصرو الاحتكام إلى خيار ومبدأ «التعددية النقابية» يرون في الأخير منقذا من احتكار الجمعيات والتيارات السياسية لواجهة وهيكلية العمل النقابي في منشأة أو مؤسسة من المؤسسات العامة والخاصة، وأن تتحول إلى أداة ضغط واستغلال مصلحي من نوع آخر لحصاد الثمرات الفئوية على حساب الآخرين، وستتيح للمنخرطين في العمل النقابي فرصة الإفلات من هيمنة مركزية لقيادة نقابية معينة تفرض رؤيتها ومصالحها وإطار علاقاتها على الجميع، أو أن تكون هذه القيادة فاسدة وتكيل بمكيالين في جوهر تعاملها مع أعضاء النقابة وأرباب العمل وكبار المسئولين مع إجبار الآخرين على تجرع استبداد شرعيتها ومشروعيتها الأزلية لتزعّم وتوجيه العمل النقابي بحسب بوصلتها، فمن جهة أخرى بتناول سلبيات فرض واعتماد «التعددية النقابية»، في مجتمعنا وبلادنا المهيضة بالاحتقانات الطائفية والإثنية المهددة للاستقرار الوطني، فذلك قد يعني إيجاد خطة «شرق أوسط جديد» في قدراتها التدميرية ولكنها تجري في نطاق مصغر ومحدود جدا يقتصر على خريطة الحراك النقابي العمالي في بلادنا، وهو ما قد يتيح الفرصة لتفتيت المفتت وتجزئة المجزأ بمسمى التعددية الحسنة فتكون هناك نقابة «شيعية» ونقابة «سنية» تلوذ بأكنافها دبابير المصالح الطائفية، أو أن يكون لكل تيار أو حزب أو جمعية وجماعة ورهط نقابته الخاصة به وبرعاية مصالحه الفئوية!

لعل الأسوأ من ذلك هو أن تفسح كامل المساحة لتوسعة نشاط نقابات «الغونغو» داخل المنشأة والمؤسسة الواحدة في مختلف القطاعات، وهو يأتي بشكل مماثل لمحاولات الحكومة الحثيثة اختراق المجتمع المدني والتشويش عليه وتشويه وفبركة خطوط سيره وتقدمه وتفاعله الطبيعي، وتلك الأذرع المدسوسة لاتزال مكشوفة محليا، ولربما النقابيون والنشطاء العماليون على موعد مع نقابات «الغونغو» تلك مع إقرار مبدأ التعددية النقابية؛ بهدف شل فاعلية العمل النقابي وإشغاله وتضليله عن سكته المرتجاة!

وهم - أعني النقابيين والنشطاء العماليين - أيضا على موعد مع تنظيم ومأسسة عمل عدد من المتسلقين المألوفين ممن سيكتب عنهم وعن بياناتهم وعرائضهم وتحركاتهم التقارير تلو التقارير، ولو كانت تلك الكتابة بأسلوب رديء تغيب عنه البلاغة والفصاحة، وسيكون العمال والموظفون على موعد مع «نقابيين كشخة» يدسون أنوفهم في مختلف الأنشطة والفعاليات واللقاءات بزعم المحافظة على مصلحة المنشأة والمؤسسة وغيرها من أفعال وتصرفات افتُضِحت و «خاست» وشهدناها في جبنة مجتمعنا المدني المليئة بالثقوب المخروطية!

في النهاية، يبقى حجم تلك المزايا والتنميقات المعلنة بشأن خيار «التعددية» النقابية متواضعا وسطحيا أمام سلبيات منذرة لن يصدها حاجز الثقة المتداعية بين الحكومة والمجتمع!

وطالما لم يتم ترشيد/ تدجين ما نشهده من «انفتاح» و «تعددية» في الطأفنة والتكالب الحزبي، ولم يتم تكريس مبادئ المواطنة السمحة على نطاق مشترك، فإن «تعددية نقابية» موعودة بالجبر لن تكون إلا وبالا على وبال!

وإن كنا نرى في العمل النقابي - مهما اختلف شكله وتنظيمه وتباينت مستوياته من حس ووعي وفعل مؤسسي - بمثابة الضرورة الفطرية للجميع بمن فيهم رجال العسس والمخابرات الذين لا غنى لهم عن تنظيم أوضاعهم وتحسينها والمطالبة بحقوقهم المشروعة والمكفولة وتحقيق التضامن الجماعي فيما بينهم لأجل ذلك، فإننا نرى خزيا وعارا شنارا في أن تتجسس وتتربص كل «نقابة» بأختها وتختلط الحسابات حينها!

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 1891 - الجمعة 09 نوفمبر 2007م الموافق 28 شوال 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً