العدد 1900 - الأحد 18 نوفمبر 2007م الموافق 08 ذي القعدة 1428هـ

إيران... ونظرية الحرب

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

«لا حرب جديدة في المنطقة». هذا هو عنوان النتيجة التي توصلت إليها القيادة السياسية الإيرانية. فالكلام عن لا وجود مؤشرات لاحتمالات حرب كررها أكثر من مسئول، وفي مناسبات مختلفة.

حتى أنّ بعض المسئولين بالغ في تأكيد قطعية النتيجة معتبرا أنها نهائية، وغير قابلة للنقاش والمراجعة. والبعض الآخر ذهب إلى حد تخوين كلّ مَنْ يقول العكس في اعتبار أنّ مجرد الكلام عن احتمال آخر يصبّ في خانة الاعتداء ويساعد القوى العدوانية على ممارسة ضغوطها النفسية وربما يشجّعها على رفع درجات التوتير والتخويف لابتزاز طهران وإجبارها على تقديم تنازلات بشأن ملفها النووي.

نظرية «لا حرب في المنطقة» ليست جديدة إذ جرى اعتمادها سياسيا، وتكرارها في السنتين الأخيرتين. والنظرية بغض النظر عن صحتها، فإنها في النهاية مهما استندت إلى وقائع ومعلومات تعتبر وجهة نظر قابلة للخطأ، ولو بنسبة واحد في المئة. فالقطع في الرأي «الإيديولوجي» ليست سياسة إلاّ إذا كان الأمر يعتمد على مصادرلا يشك في دقة معلوماتها.

ومثل هذه المصادر غير موجودة في ظاهر المعادلة المرئية. حتى الرئيس جورج بوش لا يعرف إذا كانت الحرب (العدوان) ستقع أم لا؛ لأنّ القرار النهائي لا يعود إليه، وإنما تنظمه مجموعة دوائر صاحبة مصلحة في الحرب. والرئيس بوش في إطار السياسة الأميركية هو المرجع الأخير المكلف بالإعلان عن الحرب، وليس هو الطرف الوحيد الذي يأخذ القرار.

واحد في المئة في الزائد أو في الناقص يعتبر في السياسة نقطة مهمّة؛ لأنه يمثل تلك القوة الترجيحية لهذه الجهة أو تلك. فالشيطان كما يُقال يكمن في التفاصيل. وحين تكون تفصيلات الوقائع غير واضحة حتى الآنَ؛ فإنّ احتمال الترجيح لهذه الضفة أو تلك تبقى عرضة للتأويل أو الانتباه.

نظرية «لا حرب» تشبه كثيرا نظرية «الحرب محتملة». فالأولى وجهة نظر قابلة للخطأ والصواب. والثانية وجهة نظر قابلة أيضا للصواب والخطأ. المسألة إذا لاعلاقة لها بالخيانة والتخويف والابتزاز وإنما تتصل بالمصلحة. فهل مثلا هناك مصلحة أميركية بخوض حرب جديدة في فضاءات دولية غير مؤاتية لمزاج إدارة بوش؟ وأيضا هل هناك مصلحة أميركية بالتفاهم مع إيران والإقلاع عن نظرية الحرب واستخدام القوة لتغيير المعادلات على الأرض؟

المصلحة هي التي تقرر في النهاية، وهي التي تغلب قرار الحرب على التفاهم أو التفاوض على الحرب. والسؤال عن احتمال حصول حرب جديدة يجد جوابه في المصلحة الأميركية ومدى قدرة الإدارة على استيعاب تداعياتها وردود فعلها.

فهل فعلا الولايات المتحدة قادرة الآنَ على خوض حرب جديدة وكسبها عسكريا وتوظيفها سياسيا؟ هذا السؤال كما يبدو يشكّل نقطة ثقل في المعادلة. والقيادة السياسية الإيرانية اعتمدت عليه للخروج بخلاصة مفادها «لا حرب في المنطقة».

وجهة النظر هذه تبدو قوية وازدادت قوّة بعد العدوان الأميركي - الإسرائيلي على لبنان في صيف 2006، وهزيمة الحزب الجمهوري في الانتخابات التشريعية النصفية في خريف 2006، وصدور توصيات بيكر - هاملتون في شتاء 2006 بشأن التقرير الأميركي عن خلاصات ودروس الحرب على العراق. فكلّ هذه الإضافات أحدثت متغيرات في مزاج الشارع الأميركي وقوّة الضغط (اللوبيات) ودافع الضرائب وخيارات الناخب. ومجموع هذه الإضافات ساهمت في تشكيل قوة رأي انعكست في مقالات الصحف وتصريحات المسئولين وأنعشت ذاكرة حرب فيتنام فأصبحت إدارة بوش في وضع صعب بسبب المتابعة اليومية والمراقبة الدائمة التي تتعرّض لها من المنابر الإعلامية أو أعضاء الكونغرس.

إلى الجانب الداخلي حصلت متغيّرات دولية وإقليمية لا تصب في مصلحة الإدارة الأميركية. فالاتحاد الأوروبي غير متحمّس للدخول في مغامرة عسكرية جديدة غير محسومة في نتائجها السياسية. والاتحاد الروسي لم يعد كما كان قبل ست سنوات يراقب التحوّلات من موقع المتفرج، فهو دخل على خطوط المناكفة والمنافسة على الصعيدين السياسي (كوسوفو ونشر درع الصواريخ في شرق أوروبا) أو الاقتصادي (تكوين احتياطات نقدية قادرة على تشغيل قطاعات الإنتاج العسكري). والصين بدأت تخرج من عزلتها السياسية في محاولة منها لاستثمار نجاحاتها الاقتصادية، فهي أصبحت ذاك الرقم الصعب في معادلة دولية غير ثابتة في توازناتها.

إقليميا أيضا تبدو الرياح لا تسير وفق ما تشتهيه سفن إدارة بوش. فالمنطقة العربية ترفض العودة إلى نظرية الحرب وتجديد العدوان على إيران أو سورية أو لبنان. ومجموع الدول العربية والإسلامية متوافقة تقريبا وإنْ بحدود نسبية متفاوتة على ضرورة إعطاء فرصة للتفاهم على الملف النووي الإيراني أو سلاح حزب الله اللبناني أو التسوية العادلة للمسألة الفلسطينية.

الوقائع والمتغيّرات

إلى ذلك هناك الواقع الميداني الذي تمرّ به القوات الأميركية المحتلة في أفغانستان والعراق. فالوقائع الجارية كشفت بالملموس أنّ واشنطن تمتلك إمكانات عسكرية جوية للفوز في المواجهات السريعة (تحطيم بنى، وتقطيع أوصال، وتقويض دول) ولكنها غير قادرة على تحويل الفوز العسكري إلى انتصار سياسي لاعتبارات لها علاقة بالتكوين الديموغرافي (السكّاني)، والتركيب الثقافي، والنسيج الاجتماعي لشعوب المنطقة.

كلّ هذا الكم من المتغيّرات (الوقائع الجارية) عزز نظرية «لا حرب جديدة في المنطقة» وأعطى أصحاب هذا الرأي الكثير من عناصرالقوة للتأكيد القطعي على نهاية الكلام ورفض النقاش بشأن النتيجة التي توصّلت إليها القيادة السياسية الإيرانية. ولاشك في أنّ الخلاصات العامّة تبدو صحيحة وتزداد قوة مع مرور الوقت وتقلص الفترة المتبقية من عهد بوش. فكلّ شهر يمرّ تتراجع احتمالات الحرب وترتفع أسهم التفاهم. وبوش الذي دخل سنته الأخيرة تقريبا من ولايته الثانية يحتاج إلى الكثير من الذرائع لإقناع الكونغرس وخصومه السياسيين والقوى الدولية والإقليمية بضرورة العودة إلى استخدام القوّة لتغيير المعادلات.المسألة صعبة الآنَ وربما تزداد صعوبة في الأسابيع والأشهر المقبلة، نظرا لتجمع تعقيدات كثيرة تمنع على الإدارة الانفراد بقرار خطير لا تعرف نتائجه الميدانية وما ينبعث عنه من تداعيات.

الحرب صعبة والصعوبات تزداد يوما بعد يوم. ولكن مَنْ قال إنّ الحروب سهلة وإن حساباتها تجرى فقط وفق قراءات قريبة في رؤيتها ولاتأخذ النتائج البعيدة في خلاصاتها الاستراتيجية في الحسبان؟ هذا السؤال يشكّل احتمال واحد في المئة، وهو الذي يرجّح في نهاية المطاف خيار الحرب أو خيار السلم.

حتى الآنَ تبدو القراءات تتراوح بين 49 في المئة للحرب و51 في المئة للتسوية. وهذا الواحد السلبي والإيجابي يذهب أحيانا نحو هذه الجهة أو تلك ولكنه لم يستقر نهائيا في خط مستقيم. فالأمور متداخلة ومتقلبة وهي تفتح الجواب على احتمالات مختلفة لابد من أخذها في الاعتبار لأنها تتصل في سؤال المصلحة. فالمصلحة الإستراتيجية الكبرى تقرر في النهاية احتمال نشوب حرب. والجواب على سؤال المصلحة لا يقرره بوش وحدَه وإنما تشترك معه مجموعة قراءات ترجّح هذا التوجّه أو غيره.

«لا حرب جديدة في المنطقة» مسألة فيها نظر وتشكّل وجهة سياسية متينة تزداد قوة وصلابة مع مرور الوقت، ولكنها ليست بالضرورة قاطعة ونهائية، ولا تحتمل التأويل والاجتهاد. فالاجتهاد سنّة وهو لا يمنع الجهاد وقت وجوبه.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1900 - الأحد 18 نوفمبر 2007م الموافق 08 ذي القعدة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً