العدد 1908 - الإثنين 26 نوفمبر 2007م الموافق 16 ذي القعدة 1428هـ

الصناديق الخيرية ولعبة الإعلام

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

الشكوى الأكثر تداولا في أروقة الصناديق الخيرية، هي انصراف الجيل الجديد عن العمل التطوعي. والنتيجة استمرار الوجوه الطيبة نفسها، دورة انتخابية بعد دورة، ما يهدّد بجمود الدماء.

هناك عوامل ذاتية وأسباب موضوعية، لعل أهمها غياب وتغييب الإعلام. فـ «مؤتمر التنمية الاجتماعية الثالث» الذي عقد بمركز المعارض ليومين، لم يمثل أية أهمية بالنسبة لتلفزيون البحرين، على رغم افتتاحه من قبل وزيرة التنمية الاجتماعية، ومشاركة أكثر من 200 من مسئولي وأعضاء الصناديق من الجنسين.

رئيس صندوق كرباباد حميد علي، لفت إلى أحد أسباب التجاهل الرسمي لهذه التجربة الرائدة، بما قد يسبِّبه طرح قضايا الفقر على شاشة التلفزيون من إحراج للحكم، في حين أن المشكلات الاجتماعية لا يمكن حلها بالتجاهل وإغماض العيون.

وإذا كنا نلوم وسائل الإعلام الرسمية لتقصيرها، فإن على الصناديق الخيرية أن تبحث عن جوانب النقص الذاتي لديها. فهناك شبه قطيعة بينها وبين الصحافة، التي قليلا ما تتناول مشكلات هذا القطاع الأهلي النشط، الذي يمثل علامة مضيئة على طريق محاربة الفقر في البلاد.

كثيرٌ من مسئولي الصناديق من النوع الذي لا يحب الظهور، وربما لبّى بقاء المؤتمر بعيدا عن الأضواء نزعة الزهد في نفوسهم وخوفا من الرياء المحبط للأعمال. وإذا غصنا أكثر، ربما نصل إلى سبب له بُعدٌ تاريخي؛ فأغلب «المتطوعين» جاءوا من مؤسسات دينية، (جمعيات إسلامية ومآتم). وفي الحالة الثانية تحديدا، لا يحتاج المأتم إلى «إعلام»، فهو منبرٌ وموكب عزاء وضيافة، وكلها أنشطةٌ مستغنيةٌ بذاتها عن الإعلام.

هذه «القناعة» انتقلت مع أصحابها إلى الصناديق، فلم يجد غالبيتهم أية ضرورة للتعاطي الإعلامي أو إبراز الأنشطة والفعاليات للجمهور، على رغم ضخامة ما تقوم به، إذ يبلغ حجم المساعدات السنوية أكثر من 5.7 ملايين دينار، فضلا عمَّا تتولى تقديمه وتنظيمه من مساعدات عينية وموسمية كحقيبة الطالب وزكاة الفطرة وكسوة العيد. ويزيد عدد المستفيدين من هذه الخدمات الإنسانية أكثر من 9 آلاف نسمة، من الطبقات الأكثر فقرا.

لقد آن الأوان للتمييز بين مؤسستي المأتم والصندوق، فالمأتم لا يحتاج إلى إعلام، وتتنافس مختلف الشرائح الاجتماعية على تغطية مصاريفه الموسمية، وتظهر النتيجة للعيان على مستوى الخطيب والموائد، أما الصندوق فهو في أمسِّ الحاجة إلى إبراز ما يقدمه من خدمات، ليقنع جمهور المتبرعين بعمله الذي يتم غالبا بعيدا عن الأضواء. وإذا لم تتوافر وسيلةٌ للتواصل (كوجود نشرة دورية مثلا توضّح الإيرادات والمصروفات وأوجه الصرف بشفافيةٍ تامة)، فإن أبواب الإشاعات والتهم تنفتح على العاملين، وبدل الشكر يتلقون التهم بألسنةٍ تعجز حتى عن الدفاع عن النفس، وهو ما يكرّس أيضا مشكلة ابتعاد الجيل الجديد عن العمل التطوعي.

صندوق المنامة الخيري قدّم تجربة رائعة في المجال الإعلامي، ولكن يصعب استنساخها، لأسباب أهمها وجود طاقم من الزملاء الصحافيين المحترفين، وحملة تسويق ناجحة، وموقع جغرافي.

إصدار «مجلة مشتركة» فكرةٌ جميلة، و«الملحق الأسبوعي» أقل ممّا تستحقونه، ولكن قبل ذلك لابد من كسر الحصار الإعلامي الاختياري، والبداية بأن يعرف رؤساء اللجان الإعلامية طريقهم إلى الشخص «الصحيح» في كل صحيفة. إسألوا عن المحرّر المختص بأخبار الجمعيات والصناديق الخيرية ومدّوا معه جسرا. لا تنتظروا أن يأتيكم الصحافي ويطرق أبوابكم بحثا عن أخباركم، التي قد لا تعنيه كثيرا مقارنة بأخبار الحكومة والجمعيات وبطولات النواب والبرامج الاستعراضية في البرلمان .

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1908 - الإثنين 26 نوفمبر 2007م الموافق 16 ذي القعدة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً