العدد 1912 - الجمعة 30 نوفمبر 2007م الموافق 20 ذي القعدة 1428هـ

«صح النوم» بقيت رحبانية

بعد مضي 37 عاما على عرضها الأوّل

قدّمت المطربة اللبنانية فيروز وعلى مسرح الأرينا مسرحية «صح النوم» التي شاركها فيها أنطوان كرباج وإيلي شويري، وكان لفيروز حضورها الذي يزداد تألقا كلما تقدّم بها العمر ، تماما كأعمال «الأخوين رحباني» التي تصبح أكثر ملامسة لهموم الواقع مع تقادم الزمن.

فيروز ابنة المسرح الرحباني وهذه حقيقة، ومن غير المستساغ حتى على المستوى النفسي الخوض في إشكال من منهما أضاف للآخر ، فيروز لا تكون فيروز سوى في تراث الرحبانيين كما أنّ المسرح الرحباني تألق بحضورها كبطلة للمسرحيات الغنائية التي اتخذت صفة «المسرح السياسي» التي ابتدأت في العام 1968 في مسرحية «الشخص» وحتى أواخر السبعينات في مسرحية «بترا»، لكن ما تفرّد به منصور الرحباني تحديدا هو أنه في كل الأعمال التالية لتجربته مع عاصي وفيروز كان رحبانيا بامتياز، فمن «آخر أيام سقراط» إلى»المتنبي» إلى «ملوك الطوائف» و»زنوبيا» حديثا كانت كلّ الأعمال التي قدّمها رحبانية النكهة والحضور، هما روحان في جسدين ولذا لم تختل المعادلة برحيل عاصي، بقي المسرح الذي يقدّمه منصور يصوّر الهم الإنساني بأبعاده وتجلياته والهم السياسي كما لو كان العمل موقعا باسم «الأخوين رحباني».

«صح النوم» هي عبارة موجهة من الأهالي إلى الوالي الذي ينشغل عن خدمة المواطنين بالنوم، وهي من المسرحيات التي عرض فيها «الأخوين رحباني» مشكلة عجز النظام السياسي عن إشباع الحاجات الأساسية للمواطنين، وقد كان للوضع الخاص في لبنان آنذاك وتقلباته وضعف حكامه ما يفسر هذا التوجه لدى الأخوين، احتياجات الأهالي في صح النوم كانت بسيطة، مسكن، رخصة مهنة، وحتى بيع طاحونة الذي لا يتم سوى بختم الوالي كما جاء على لسان مواطنة أثناء حديثها مع «زيدون» مستشار الوالي.

قرنفل: يا زيدون المستشار إلك سنة بتوعدني بدي بيع الطاحونة وما حدا بيساعني

زيدون: وكتبتي استدعا؟

قرنفل: شو يعني استدعا، ثم تتقدم قرنفل بصوتها العالي الذي يزعج النظام ويزعج الأهالي في مواقف أخرى؛ لأنهم متخوفون من النظام وتغني.

«الحق من الله... إلي ست أشهر كاتبة معاملة وبعدها ما ختمت سطحنا هبّط وأنا بنام وبوعي تحت هالشمسية».

قرنفل نمط من أنماط الشخصيات التي عرضها الرحبانيان وتصوّر تفاعل الشخص المضطهد والمفخخ بكم ونوع من الوعي يجعله رافضا للواقع متمردا عليه، نمطها يقترب من نمط شخصية «وردة» في مسرحية «المحطة»، وكلاهما يتجهان للانحراف بالمفهوم السائد، «قرنفل» تسرق ختم الوالي وتنهي معاملات الأهالي، ووردة توهم الناس بقدوم الترين وتتواطأ مع الحرامي، إلا أنّ ظاهرة الانحراف في المسرح الرحباني تفرض نفسها على الخشبة وبشيء من الرضا تجاه الشخصيات التي تنحرف عن المعايير الاجتماعية، ولذا فإنّ شخصيتي قرنفل أو وردة كانتا من الشخصيات التي تستحوذ على التعاطف ولا تحفز أي انطباعات سلبية تجاهها وهي شخصيات منزوعة من الإدانة الاجتماعية.

إنّ ما تميز به المسرح السياسي «الغنائي» الذي قدّمه الرحبانيان أنه ذو نزعه اشتراكية، يعرض مطالب السواد الأعظم من الشعب، ثوري لكن بطريقة عرض إمكان إصلاح النظام من الداخل، وإذا كان القهر وشعور الأهالي بالرفض هو بداية تنامي الأحداث في مسرحياتهم ومنها صح النوم فإن المحبّة لا «الحب» هي الركن الأساس في تطور الأحداث نحو النهاية أو الحل، هما جمعا بين اشتراكية الفن ورومانسيته في آن معا وهذه إحدى مزاياهم، المحبة جمعت عاصي ومنصور وفيروز والمحبة هي التي أنتجت هذا التراث الذي لا يفنى ويقبل إعادة الإنتاج دونما أيّ تدخلات.

العدد 1912 - الجمعة 30 نوفمبر 2007م الموافق 20 ذي القعدة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً