العدد 1912 - الجمعة 30 نوفمبر 2007م الموافق 20 ذي القعدة 1428هـ

ذنب لا يغتفر

ندى الوادي nada.alwadi [at] alwasatnews.com

.

«السرعة ليست عاملا مهما يؤهلك للوصول إذا كنتَ تسير في الاتجاه الخاطئ»... تلك جملة عميقة المعاني أطلقها المهاتما غاندي، الزّعيم الروحي للهند يوما ما، ليؤكّد من خلالها أنك ربما تدفع مقابلا كبيرا إنْ بذلت كلّ طاقاتك وجهودك و«سرعتك» في أمر ما أو طريق ما، يؤدّي بك في النهاية إلى وجهة خاطئة غير التي قصدتها. فلا يعود للجهود التي بذلتها أيّ معنى أو قيمة في ذلك الحين.

ذكّرتني حكمة غاندي المشهودة تلك بما أقره تقرير التنمية البشرية الصادر عن الأمم المتحدة للعام 2007-2008، والذي تم إطلاقه الأسبوع الماضي. بيّن ذلك التقرير بوضوح خطر «التغيّر المناخي» الذي يعاني منه العالم بأسره، والذي يتصف بشموليته وعدم القدرة على معالجته. التغيّر المناخي الذي حدا بالأمم المتحدة أنْ تخصص تقريرها السنوي هذا العام؛ ليكون محورا رئيسيا فيه، مسألة كثر الحديث عنها عالميا، ولكن يبدو أننا ننجرف إليها بقوّة غير قادرينَ على الرجوع، فقد بدأنا «كبشر» هذا الطريق، وأخذتنا السرعة للوصول، قبل أنْ نكتشف أنّ الطريق خاطئ، وأنه سيقودنا في النهاية ليس إلى التنمية والحضارة والتقدّم الذي ننشده، ولكن إلى تدمير هذا الكوكب بكلّ ما عليه.

ما أطلقه التقرير هو صرخة تقول إنّ العالم بأسره - ولا تستثنى منه البحرين طبعا - يجري في طريق التقدم الصناعي والتكنولوجي، يسعى للتنمية الاقتصادية بكلّ أشكالها، ولاستهلاك الطاقة وتوليدها، بشكل أنهك محيطه البيئي، والأدهى أنّ من يدفع الثمن هي الدول الفقيرة، التي لا تملك لنفسها نفعا ولا ضرا، فلا هي استفادت من تلك التنمية التي لم تشملها، ولا هي نأت بنفسها عن التأثيرات البيئية الضارة لكلّ ممارسات تلك التنمية. ولو استهلك كلّ فرد في العالم مقدارا من الطاقة مثلما يستهلك مواطنو دول العالم المتقدّم - في أميركا وكندا مثلا - لاحتجنا إلى 9 كواكب مثل: كوكب الأرض لاستيعاب التلوث الحاصل من جراء هذا الاستهلاك في الطاقة مثلما يقول أحد العلماء ممن أعدّوا التقرير.

البحرين ليست استثناء من كلّ ذلك، بل على العكس، فمن الواضح تماما أنّ الاهتمام بالبيئة والحفاظ عليها هو آخر الأولويات التي يفكّر فيها صانعو القرار أو حتى الأفراد في المجتمع البحريني. ويكفي أن نذكر أنّ نصيب الفرد في البحرين من غازات الدفيئة المنبعثة في البحرين يبلغ 23.9 طنا حراريا، بنسبة تفوق الولايات المتحدة الأميركية نفسها، على رغم التبرير الذي يقول إن النسبة المرتفعة ناتجة عن صغر مساحة البحرين وعدد سكانها. لكننا لا يمكن أنْ نتجاهل عدد السيارات المتضخم يوما بعد يوم حتى أصبحت الشوارع في البحرين أمرا لا يُطاق، فضلا عن عمليات الدفان التي تدمر البيئة البحرية وما لها من انعكاسات في رفع مستوى البحر وهي مشكلة أخرى تعرض لها التقرير، علاوة على إقامة مشروعات صناعية لا تراعي الاشتراطات البيئية في عملها. بيئيو البحرين ينتقدون إقامة أيّ مشروع دون حتى عرضه على الهيئة العامّة لحماية الحياة الفطرية والبيئة البحرية، والاقتصاديون يطالبون بعدم عرقلة المشروعات التي يمكن أن تدر أرباحا طائلة جراء هذه العوامل «الهامشية»، وصنّاع القرارلا يبدون مكترثينَ تماما لكل ما يجري بخصوص هذا الموضوع، فالسباق نحو التنمية وتحقيق أرباح أكبر تعتبر أكثر إغراء.

البحرين جزء من تلك العجلة السريعة التي تسير في الطريق الخاطئ مثلما عبّر غاندي، تلهث وراء التقدم الاقتصادي الذي لا يستفيد منه إلاّ القلة مع الأسف، غير أنها تساهم بقوّة وفعالية مع غيرها من دول العالم في تدمير البيئة، التي سيدفع ثمنه الفقراء في العالم، قبل أنْ يورث للأجيال المقبلة مخلفا ذنبا لا يغتفر.

إقرأ أيضا لـ "ندى الوادي"

العدد 1912 - الجمعة 30 نوفمبر 2007م الموافق 20 ذي القعدة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً