العدد 1914 - الأحد 02 ديسمبر 2007م الموافق 22 ذي القعدة 1428هـ

لولا خطايا أحمدي نجاد لكان حال المحافظين أفضل

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

لم تكن الانشطارات - العمودية أو الأفقية - التي طالت الأحزاب الإيرانية بُعيد انتصار الثورة الإسلامية خارجة عن انكسار مدماك التحالف السياسي الهشّ الذي تواظبت عليه حينا من الدهر تلك التيارات في صراعها مع نظام الشاه محمد رضا بهلوي، ليتحوّل لاحقا إلى حملة مضادة من الجميع على الجميع لإزالة الصدأ السياسي وتحويل تلك العلاقة إلى تحالفات عقائدية خالصة تنسجم مع ايديلوجيا الثورة وتتماهى حتى الهاوية مع برامج الدولة المُدوّنة حديثا.

وعلى رغم أن المتحازبين قد آثروا بعد ست سنين فقط أن يتخطّوا ذلك التحالف العقائدي الناجز في جمعية علماء الدين المجاهدين (روحانيت مبارز) إلى تكريس مفاهيم حزبية جديدة بدأت الترسّخ بعد الممارسة الفعليّة للإسلاميين في الحكم ليظهر على يسارها مُجمّع علماء الدين المناضلين (روحانيون مبارز)، إلاّ أن كِلا الفصيلين حافظوا على مسطرة حزبية ممتدة تتقارب بين تعرّجاتها أنوية سياسية ومفاهيمية تُبرز حجم المصالحة بينها مع احترام مساحة التقارب والمحافظة على الانسجام والتوافق خلال تشكيل أي حكومة ائتلافية.

حتى عندما ظهر وسط اليمين المحافظ أو مجموعة الستة عشرة أو ما عُرِفَ حينها باليمين الصناعي أو كوادر البناء لم يكن ذلك الزحاف الحزبي في تيار اليمين تمرّدا على أدبيات المحافظين بقدر ما هو إعادة تمركز للشيخ هاشمي رفسنجاني داخل التيار وتحويله من فرد عادي فيه إلى كيان أبوي وروحي؛ لذلك فإن المُراقب يعلم كيف أن اليسار الديني الراديكالي والقوى اليمينية الأخرى المناكفة لها عملوا ولسنوات طويلة بهدوء في عدة مراكز للقوى داخل النظام كمجمع التشخيص وخبراء القيادة وصيانة الدستور وغيره.

الأمر الآخر هو ما كانت تفرزه الانتخابات التشريعية أو الرئاسية وما تحمله من تمكين أحد التيارات في الحكم بجانب المراكز غير المرئية، إذ لم تشهد تلك الحُقب سيناريوهات تآكل داخل الفصيل الواحد، أو استئساد ذلك الفصيل على من يليه في الأفكار والبرامج، بل إن ذلك لم يحدث حتى في أوج التباعد التنظيمي والفكري إبّان عبثية جبهة المشاركة وحيرة «روحانيون مبارز» خلال حكم تيار الثاني من خرداد.

في الفترة التي أعقبت فوز الرئيس محمود أحمدي نجاد في 2 أغسطس/ آب 2005 برزت أفهام جديدة في الحياة السياسية الإيرانية بعد صعود تيار يميني متشدد يُسمّى روّاد إعمار إيران الإسلامية الذي قفز ومن دون سابق إنذار أو استئذان من بين صفوف المحافظين الذين تمثّلوا بأفضل ما عندهم في روحانيت مبارز وهوامشها في جمعية المهندسين وجمعية المضحين وغيرها من الفصائل منذ منتصف الثمانينات ليأتي هؤلاء الروّاد ويُنهوا ذلك الصفاء الحزبي القائم.

حقيقة الأمر هو أن جينات روّاد الإعمار تشكّلت بداية بُعيد انحسار دور المحافظين خلال فترة رئاسة خاتمي الأولى، إذ كانت جيوب منهم تنقم على أوضاع البلاد السياسية والتوازن الذي أفرزته انتخابات يوليو/ تموز 1997، ومع الولاية الثانية لخاتمي في العام 2001 بدأت مشاة تلك الجيوب في الجهوزية الكاملة نحو التحرّك المُنظّم خارج عباءة قيادات اليمين مستثمرين حجم الإخفاق الذي مُنيت به القوى الإصلاحية في تحقيق شعاراتها وأيضا رغبة النظام في إعادة ضبط ميزان القوى في داخله.

وعندما أجريت الانتخابات المحلية في العام 2003 وتحقيق روّاد الإعمار نتائجَ جيدة كانت الرسالة للإصلاحيين واضحة ولا تحتاج إلى تفسيرات أخرى، ولكن الإشكال هو أن الفوز كان أيضا رسالة إلى التيار المحافظ الذي خرجت من تحت عباءته هذه الجيوب، وهي رسالة لم تكن لتُقرأ كغيرها نظرا إلى حجم التعقيد فيها، كما أنها استمرت مكتومة إلى ما بعد انتخابات المجلس النيابي السابع الذي سيطر عليه المحافظون في فبراير/ شباط 2004 بعد أزمة الأهليّة.

ومع أن إرهاصات الفترة التي سبقت انتخابات الرئاسة التاسعة قد بيّنت المدى الذي وصلت إليه المجاميع المحافظة من حالة عدم الإجماع، إلاّ أنها أجّلت الحديث عن مخاوفَ مكتومة يتم تداولها في صفوفها من دون رعاية كاملة، ولكن الصورة بدت أكثر جلاء بعد الفوز الكاسح الذي حقّقه نجاد ضد مرشحي المحافظين كعلي لاريجاني وقاليباف ولاحقا ضد الشيخ هاشمي رفسنجاني، وتبيّنت أكثر بعد تشكيل الحكومة التاسعة عندما أدار روّاد الإعمار ظهرهم لرفاق التيار في اليمين المحافظ فضلا عن قوى اليسار الديني الراديكالي والقوى الإصلاحية الأخرى.

ولم تكن التسويات التي شفع لها شيوخ المحافظين من ناطق نوري إلى أحمد جنتي وإمامي كاشاني واليَزْدِيَّيْن لتوزير عدد منتسبي اليمين التقليدي في حكومة أحمدي نجاد لتصمد أمام تباين الرؤى داخل التيار، والتي انتهت باستقالة - أو إقالة - عدد من أعضاء حكومته بينهم محافظ البنك المركزي إبراهيم شيباني ووزراء التعاونيات محمد ناظمي أردكاني، والصناعة والمعادن علي رضا طماسبي والنفط وزيري هامانة والشئون الاجتماعية برويز كاظمي ونائب الرئيس ورئيس منظمة التخطيط والموازنة فرهاد رهبر والأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي علي لاريجاني، وربما شاءت الأقدار أن تتشابه حالة أحمدي نجاد مع مشكلة الرئيس الأميركي جورج بوش مع حلفائه عندما استقال كل من كبير المستشارين السياسيين كارل روف، ومساعد الرئيس للاتصالات دان بارليت، ومدير الموازنة روب بورتمان، والمتحدث الصحافي طوني سنو، ومديرة الدبلوماسية العامة في وزارة الخارجية كاثرين هيوز، ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد، ووزير العدل ألبرتو غونزاليس.

مشكلة التعميريين في الجمهورية الإسلامية وعلى رأسهم مهدي جمران ومجتبى ثمرة وأحمدي نجاد وجوانفكر أنهم بدأوا تحطيم مُقدسات اليمين المحافظ التقليدي والتي ترسّخ تمثّلها في كيانات شخصية تاريخية امتهنت التوجيه العقائدي والسياسي العمودي لكوادرها التي اعتادت هي الأخرى التسليم لقياداتها العليا، فالتصريحات المنسوبة إلى نجاد ضد السلطة القضائية فيما يتعلّق بقضية موسويان تُعتبر خطيرة على مستويين، الأول هو أن النقد موصول في النهاية إلى حيث أقدام رئيس السلطة القضائية آية الله محمود هاشمي شاهرودي الذي يعتبر أقرب المُقرّبين إلى المرشد الأعلى، والثانية هي أنها تصادم مباشر مع سلطة مماثلة داخل النظام السياسي وهي السلطة القضائية يجب ألا يطولها التخوين كما كانت القوى الإصلاحية تفعل معها عندما كان آية الله محمد يزدي رئيسا لها لها قبل عشرة أعوام.

أضف إلى ذلك إن ما ساقه نجاد من اتهامات ضد المفاوض السابق حسين موسويان لم تحظَ بإجماع داخل اليمين المحافظ التقليدي كما صرّح بذلك رئيس مجلس تنسيق قوى الثورة اليميني ومستشار المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي الشيخ علي أكبر ناطق نوري عندما قال إن «الاتهامات بالتجسس وامتلاك وثائق سرية الموجهة ضد موسويان ليست عادلة» وهو الأمر ذاته الذي كرّره كبير المفاوضين السابق الشيخ حسن روحاني وهو من عتاة المحافظين أيضا عندما قال: «لا يحق للسلطة التنفيذية أن تتهم أيا كان» وأيضا ما ذكرته صحيفة «جمهوري إسلامي» المحافظة عندما ذكرت أنه لا يجوز «أن يكون شخص في الوقت نفسه متهما وقاضيا ومقررا، مهما كان منصبه» مطالبة القضاء بمحاسبة الرئيس الإيراني في حال ثبت عدم صحة أقواله في الاتهامات التي وجهت إلى موسويان.

إن الاهتزازات على جبهة المحافظين التي تسبّب بحدوثها روّاد الإعمار ستلقي بظلالها حتما على خريطة الانتخابات والتحالفات التي ستسبق الانتخابات التشريعية القادمة في مارس/ آذار المقبل، وربما أيضا الانتخابات الرئاسية في 2009 ستبدأ في التشكّل في المدى المنظور إن لم تبدأ إرهاصاتها في التبلور.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 1914 - الأحد 02 ديسمبر 2007م الموافق 22 ذي القعدة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً