العدد 1922 - الإثنين 10 ديسمبر 2007م الموافق 30 ذي القعدة 1428هـ

متطلبات وتبعات الإصلاح الخليجي

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

تواجه دول مجلس التعاون الخليجي تحديا لا يمكن تجاهله واستحقاقا لا يمكن تأجيله إلى ما لا نهاية، ألا وهو تحدي الإصلاح الشامل واستحقاق التغيير العميق في مختلف جوانب الدولة والمجتمع.

لم يعد الإصلاح الشامل اليوم ترفا ولا خيارا بين خيارات بل هو ضرورة ملحّه، إذا ما أرادت دول المجلس، أنْ تحافظ على رفاهيتها وتعزز مكانتها في عالم تنافسي لا يرحم، وأن تعزز الأنظمة الحاكمة من شرعيتها.

ولن أتطرّق هنا إلى البيئة الدولية الجديدة الضاغطة من أجل الإصلاح وهي الوجه الآخر لما يعرف بالحرب العالمية ضد الإرهاب وسأكتفي بمعالجة البيئة الداخلية.

الإصلاح بديل عن العنف

شهدت بلدان الخليج العربي في مرحلة الاضطراب السياسي الذي شهدته المنطقة العربية، محاولات لتغيير الأنظمة أو إدخال تغييرات جذرية عليها، وقد اتخذت هذه المحاولات أشكالا متعددة تبعا لظروف كلّ بلد وطبيعة قوى التغيير، وتصادم النظام السياسي مع التغيير. وتنوعت أشكال محاولات التغيير من تحرك جماهيري، أو انتفاضة شعبية حتى عصيان مسلّح.

يمكن القول إنّ الصراع بين الأنظمة السياسية ومعارضيها وفي أشد المواجهات لم يصل إلى ما وصلت إليه الأمور في الدول العربية الأخرى، نلاحظ أنّ المواجهة يتبعها انفراجة وعفوعام، واحتواء المعارضين مرة أخرى بل ودخول بعضهم في دائرة السلطة. لكنه وفي ضوء التجربة المرّة للصراعات العنيفة وفي ضوء الحصاد المر للانقلابات والثورات في البلدان العربية الأخرى، فإن قوى التغيير في منطقة الخليج أضحت مقتنعة بأن الإصلاح هو البديل للثورة والانقلاب. ويستثنى من ذلك بالطبع قوى التطرّف الديني، التي تنشط في المنطقة منذ سقوط نظام طالبان في أفغانستان.

وفي الحقيقة، إنّ مواجهة قوى التطرف الديني وهزيمتها لا يمكن أن يتحقق بإجراءات أمنية فقط، بل يتطلب تعزيز قوى الاعتدال في المجتمع وإصلاح النظام التعليمي والمؤسسة الدينية، التي اسهمت في انبثاق التيار المتشدد.

في المقابل، إنّ النخب الحاكمة تقّر ولونظريا بضرورة التغيير، وبضرورة الحوارمع نخب المجتمع، وبدور لهذه النخب في إدارة شؤون البلاد. فإلى أي مدى يوجد هناك توافق على خيار الإصلاح؟ وإلى أي مدى سيذهب هذا الإصلاح؟ وما هي القوى الكفيلة بإحداث الإصلاح وصيانته؟

من أنظمة التوريث إلى أنظمة المشاركة

باستثناء المملكة العربية السعودية، والتي أقيم فيها حكم آل سعود، من خلال صيرورة صراعات داخلية، انتهت بتغلب الملك عبدالعزيز بن سعود على خصومه، وإخضاع مختلف مناطق المملكة لحكمه، فإنّ باقي الأسر الحاكمة في الخليج قد أمنّت استمرار حكمها وتعزيز شرعيتها بالانتقال السلس من الحماية البريطانية إلى الاستقلال ضمن خطة بريطانيا بالانسحاب من شرق السويس. وقد عملت كل من دولة الكويت ودولة البحرين، بتعزيز شرعية الحكم من خلال إصدار الدستور ومن خلال مجلس منتخب يتمثل فيه المواطنين ويشاركون فيه جزئيا في السلطة.

لقد تهيأت لدول المجلس ثروة استثنائية هي ثروة النفط التي شكّلت المحرك لديناميكية التحديث الاقتصادي والاجتماعي والتعليمي في ظل حضورغربي قوي يتمثل في شركات النفط، وتبعتها مختلف المؤسسات الرأسمالية الحديثة، وكذلك المستشارين، والخبراء، والخبرات والمهارات التي جذبها النفط والاقتصاد السريع النمو، كل ذلك في ظل المظلة الأمنية التي وفرتها الولايات المتحدة والتي خلفت بريطانيا في حماية الخليج.

لقد قطعت دول الخليج أشواطا واسعة في التحديث الاقتصادي والاجتماعي وأضحت اقتصادياتها أقوى الاقتصاديات العربية حيث تمثل السعودية المركز الأول وتحتل الإمارات المركز الثاني، في حجم الاقتصاديات العربية، رغم قلة السكان مقارنة مع دول عربية أخرى. ولا شك أن دول المجلس تمتلك اليوم أفضل بنى تحتية وجامعات حديثة ومؤسسات اقتصادية ومالية قوية كما أنّ مستوى المعيشة لدول المجلس هو الأعلى فيما بين الدول العربيه وكذلك معدل دخل الفرد. لكن ذلك لا يتناسب تماما مع البنية السياسية للدولة، ولا البنى الذاتية للمجتمع المدني، ولا حق المواطنين في الانتظام في تشكيلات سياسية ونقابية ومهنية، ولا في المؤسسات الدستورية التي يشارك الشعب من خلالها في السلطة والرقابة على الثروات الوطنية ووضع السياسات وتنفيذها.

المختلف والمشترك في الأنظمة السياسية

تشترك الأنظمة السياسية لدول مجلس التعاون الخليجي في كونها تحكم من قبل أسر حاكمة يتم توارث الحكم فيها. أما ما يخص بنية النظام السياسي، والهامش المتاح لمشاركة الشعب في السلطة، والنظام الدستوري، وما هو مسموح به للمجتمع المدني من تنظيم وتعبير ومشاركة في الحياة العامة، فانه يتفاوت من نظام لآخر.

إن التطورالاجتماعي واضح في نمط الحياة العصرية وتأهل أبناء المنطقة لممارسة مهن تخصصية عالية مثل: الطب والهندسة والطيران والمحاماة وغيرها، ومشاركة المرأة في العمل، وإنْ كان ذلك دون الطموح، وتشكل طبقة وسطى واسعة.

وبالنسبة للوعي السياسي فإنّ أبناء الخليج العربي، يتمتعون بوعي مرتفع نسبيا في ضوء تدفق المعلومات الميسر عبر الانترنت، وسهولة السفر والاتصال، وانتشار الجامعات، ومراكز البحوث، ووسائط الإعلام المتطورة وتواتر المؤتمرات والندوات، في ظل انفراجه نسبية لحرية التعبير والاتصال. لكن المفارقة هي أنّ البنية السياسية حتى في أكثرها تقدما متخلفة جداّ عن المستوى الاقتصادي والاجتماعي والتعليمي الذي وصل إليه أبناء المنطقة. ويمكننا باختصار عرض أبرز ملامح القصور في الأنظمة السياسية والتنظيم السياسي للمجتمع كما يلي:

1. تتوافر لأربع دول هي الكويت وهي أقدمها، والبحرين والإمارات وقطر دساتير متشابهة إلى حد ما، فيما تقتصر السعودية على النظام الأساسي، وعمان على نظام الدولة، وهما أقل مرتبة من الدستور. ورغم ما تبدو عليه الدساتير والأنظمة من صياغات جذابة، إلاّ أنها في الواقع تكرس سلطات استثنائية لرأس الدولة، على حساب باقي السلطات، وخصوصا السلطة التشريعية، سواء أتت بالانتخابات أو الانتخابات الجزئية أو التعين، ويترتب على سلطات رأس الدولة شبه المطلقة تكرس امتيازات وهيمنة للأسره الحاكمة، وتجعل من المستحيل محاسبة أو مراقبة الحكم والسلطة التنفيذية. كما أنه يجرى تعليق الدستور أو مواد منه من حين لآخر.

2. ما يعرف بالسلطة التشريعية في بلدان دول المجلس هي إمّا منتخبة كما في الكويت والبحرين، ولكن يشارك النواب المنتخبون أعضاء معينون (وزراء في مجلس الأمة الكويتي أو مجلس شورى معين كما في حالة البحرين)، وهي لا ترقى أن تشكل سلطة تشريعية ورقابية حقيقية. وفي عمان، فإن مجلس الشورى ينبثق بالانتخابات وهو مجلس استشاري للسلطان والحكومه .أما في الإمارات فان المجلس الوطنيمنتخب من قبل النخبة المنتقاة من قبل حاكم كل اماره ودوره استشاري للحكومه ألأتحاديه. وفي السعودية فإن أعضاء مجلس الشورى معينيون من قبل الملك، وهو مجلس استشاري بحت. ونحن بانتظار تجربة المجلس الوطني المنتخب في قطر الذي يشبه الصيغة الكويتية.

3. باستثناء البحرين حيث سمح مؤخرا للتنظيمات السياسية بالعمل الشرعي بموجب قانون التنظيمات السياسية، فإنّ باقي دول المجلس محرّم فيها وجود تنظيمات سياسية بشكل مطلق، فيما تتعايش سلطة الكويت مع العمل السياسي المستتر والحقيقة أنّ الأحزاب تعتبر بمثابة (تابو) لدى الأنظمة الخليجية.

4. تنظيم المجتمع المدني، تتفاوت الأنظمة الخليجية في تقبلها لما يعرف تقليديا بالجمعيات الأهلية والنقابات والاتحادات وما أضحى يُعرف عالميا بمنظمات المجتمع المدني والتي تشمل الأحزاب أيضا. ففي حين تزدهر هذه المنظمات في الكويت والبحرين حيث لها جذورها التاريخية، فإنها مقيدة كثيرا في الإمارات وعمان وقطر، وشبه محرّمة في السعودية. وبالنسبة للاتحادات العمالية فإنّها قائمة في البحرين والكويت تاريخيا، لكنها غائبة تماما في باقي دول المجلس وهناك لجان عماليه محدوده في سلطنه عُمان.

5. الحريات العامة والحقوق المدنية والسياسية، تتفاوت ممارسة الحريات العامة والحقوق المدنية والسياسية، وتشريعاتها من بلد خليجي لآخر. لكن يمكن القول أن هناك هامشا معقولا في البحرين والكويت، وتضييقا بدرجات متفاوتة في باقي دول المجلس.

6. المشاركة في بنية مجلس التعاون، يفتقر مجلس التعاون الخليجي، إلى المشاركة والمراقبة من قبل مواطني دول مجلس التعاون، إن الصيغة القائمة حاليا هلي مجلس استشاري غير دائم يجتمع في فترات متباعدة، لينظر فيما يُحال إليه من الأمانة العامّة للمجلس، وأعضاؤه معيّنون من قبل حكوماتهم. ولذا لاعجب أنْ يواجه مجلس التعاون الخليجي باللامبالاة من قبل المواطنين الخليجيين.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 1922 - الإثنين 10 ديسمبر 2007م الموافق 30 ذي القعدة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً