العدد 1926 - الجمعة 14 ديسمبر 2007م الموافق 04 ذي الحجة 1428هـ

دول الرقابة البوليسية الجديدة

مصباح الحرية comments [at] alwasatnews.com

مشروع مصباح الحرية

بعد هجمات 11 سبتمبر في نيويورك، وهجمات 11 مارس 2004 في مدريد، وتفجيرات لندن في 7 يوليو 2005، كثيرا ما يذكرنا الساسة بخطر الإرهاب المستمر وبأنهم يحتاجون إلى مزيد من الصلاحيات لحمايتنا. أنا أعيش في مدينة يعمها السلام في بلجيكا، والذعر أصابنا نحن أيضا. بدأت مدينة آنتويرب موخرا بوضع كاميرات مراقبة على مدار الساعة في الساحة الرئيسية في حرم الجامعة. لا عجب أن عامة الشعب مستعدون لإعطاء الصلاحيات للحكومة لوضع مقاييس مراقبة قمعية تهدد الحرية بشكل كبير. وبدلا من أن تجعل الناس أكثر أمانا، يحدث العكس: يستغلون الاستياء الاجتماعي لاكتساب النفوذ السياسي ويفاقمون شعور الخوف بين الناس. إننا نرى المزيد والمزيد من كاميرات الشرطة معلقة في الأماكن العامة، لكن لا يوجد أي دليل على أنها تجعلنا أكثر أمانا.

إن السياسيين الشعبويين، حتى الذين تتوقع مناوأتهم لمزيد من السلطات الحكومية، يدافعون عن الحالة الجديدة من المراقبة المستمرة على أساس افتراضات لا أساس لها من الصحة وملاحظات كاذبة ومخاطبة التوجهات الديماغوجية التي تسببها حالة الهستيريا الجماعية. النتيجة هي تآكل الحريات المدنية.

واحدة من الافتراضات التي لا أساس لها هي أن الكاميرات ستمنع العمليات الإجرامية من الحدوث، لكن، ببساطة هذا غير صحيح. لا تتوقف العدوانية ولا العنف حيث توجد الكاميرات: تصل الأجهزة الأمنية دائما متأخرة، وأحيانا عندما تكون الحادثة قد حدثت. فهل منعت الكاميرات تفجيرات لندن؟

المسئولية لا تقع على السياسيين وحدهم؛ سلبية المواطنين أيضا تساهم في انخفاض الحرية بسبب تزايد الكاميرات. مواطنون كثيرون يفكرون «أنا لست مجرما، فماذا عليّ أن أخبّىء؟» الثقة العمياء بالدولة عند بعض المواطنين مثيرة للذعر. في النهاية، الدولة ليست أكثر من نظام يعهد إلى بعض الأفراد احتكار سياسة الإكراه. هؤلاء الأفراد أنفسهم لهم مصالحهم الخاصة، ومن أهم هذه المصالح الاحتفاظ بالسلطة. الحقيقة هي أن الحكومات الحديثة التي تمتلك قوى بوليسية فائقة قتلت وقمعت أعدادا من الناس أكثر بكثير مما تسبب به المجرمون الذين تحمينا الدولة من عنفهم. نحن نحتاج إلى أن تحمينا الدولة من المجرمين، لكننا نحتاج إلى أن نحمي أنفسنا من إكراه الدولة.

المواطنون الأحرار لا يستطيعون أن يكونوا سلبيين تجاه الحكومة. يجب علينا كمواطنين واعين ومنتبهين التأكد من أنه لدى الحكومة فقط السلطات الضرورية لحماية حريتنا، وأن هذه السلطات محدودة بحيث لا تصبح تهديدا لهذه الحريات.

هذا يعيدني إلى الكاميرات المعلقة بالساحة قرب منزلي. عندما لاحظت في بداية الأمر وجودها وما هي بالضبط، غضبت لأن كثيرا من الناس المسالمين كانوا تحت مراقبة الشرطة. حتى في دولة مسالمة مثل بلجيكا، يجب ألاّ نفترض أبدا النوايا الحسنة وراء سلطات الدولة. الادعاء بـ»النوايا الحسنة» لا يكفي لتبرير سياساتهم: الجميع يعتقد أن نواياهم جيدة، لكن، عندما يكون لدى السلطات حق احتكار سياسة الإكراه، يستطيعون أن يفرضوا آراءهم على بقيتنا.

تصر السلطات دائما على السيطرة على تحرّك الناس. يجبرونك على حمل وثائق صادرة عن الدولة لتثبت هويتك. يسجلون تاريخ دخولك إلى البلد وتاريخ خروجك منه. يريدون معرفة مكانك وماذا تعمل. الكاميرات هي الأسلوب الأفضل لتحديد مكان المواطنين! إنهم لا ينامون أبدا! يسجلون كل شيء. ومع برامج الكمبيوتر الحديثة للبحث عن المعلومات والبرامج التي تتعرف على الوجوه والقامة، سيتمكنون من ملاحقة أي شخص إلى أي مكان تقريبا. وإذا سقطت مثل هذه المعلومات في أيدي الأشخاص الخطأ، فستكون النتائج دراماتيكية.

كما يقول تقرير من قناة الـ «بي بي سي»، قامت الحكومة في بريطانيا العظمى بوضع كاميرات يقوم موظفون مدنيون بالعمل عليها في غرف تحكّم. يشاهدون المواطنين وهم يعبرون الشوارع ويتنزهون في الأحياء. إذا لم يستخدم أحدهم المكان المخصص لعبور الشارع أو رمى قمامة على الأرض، يوجه الموظف المدني له رسالة بأنه ارتكب إساءة وأنه يجب أن يعدّل سلوكه.

يصعب تخيّل هذا في بلد أنتجت «الماغنا كارتا» ووثيقة الحقوق! تبدو كأنها هلوسة من كتاب جورج أورويل 1984، لكنها بريطانيا العظمى اليوم.

هذا لم يحدث في بلجيكا بعد... لكن ظهور مزيدٍ من الكاميرات في أي بلدٍ كان شيئا مقلقا يجب على المواطنين الأحرار مقاومته.

* محلل سياسي بلجيكي. والمقال ينشر بالتعاون «مصباح الحرية »

www.misbahalhurriyya.org

إقرأ أيضا لـ "مصباح الحرية"

العدد 1926 - الجمعة 14 ديسمبر 2007م الموافق 04 ذي الحجة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً