العدد 1930 - الثلثاء 18 ديسمبر 2007م الموافق 08 ذي الحجة 1428هـ

خاطرةٌ حزينة في عيدٍ سعيد

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

رحم الله الشيخ الجمري، في ذكرى رحيله الأولى التي مرّت يوم أمس.

في مثل الليلة البارحة، قبل عام، كانت المنطقة الشمالية تستقبل القادمين من مختلف المناطق للمشاركة في تشييع الشيخ إلى مثواه الأخير. وكان حشد المشيعين كثيفا، رغم سوء الأحوال الجوية في تلك الليلة القارسة البرودة.

من لم يعش قريبا من الجمري، ولم يسمع خطبه، ولم يشهد مواقفه، كان يتساءل: لماذا كلّ هذا الحب والاعتناء؟ فالرجل له ديوان شعر واحد، وله كتابٌ عن المرأة في الإسلام، وكان يرقى المنبر الحسيني خطيبا، وعمل بالقضاء.

كثيرون لديهم أكثر من كتاب وديوان، وآخرون ارتقوا المنبر أعواما أكثر، وبعضهم عمل أيضا بالقضاء، ولكن لم ينالوا مثل هذه الحظوة في قلوب الناس.

الرجل لم يكن فيلسوفا ولا صاحب نظرية أفلاطونية أو دعوة للمدينة الفاضلة التي لا تقوم على الأرض، بل كان واقعيا يدعو لحقوق المواطنة والمساواة بين الناس أمام القانون. هذه الفكرة على بساطتها وبديهيتها، لم يكن الظرف التاريخي يستوعبها حينذاك، بينما كانت مطلبا عاما التفت حوله شرائح واسعة من الناس، والجمري ظلّ في مواقفه مواسيا للناس بنفسه وأهله يوم أطلت ألسنة البلاء، ومن أجل ذلك أحبّه الناس. وتجلّى ذلك في قطع عشرات الآلاف من المشيعين عدة كيلومترات مشيا على الأقدام، من بينهم أعداد كبيرة من النساء المتشحات بالسواد، والرجال الطاعنين في السن.

ترك الجمري للناس طريقا للمطالبة السلمية بالحقوق، وهو طريقٌ يحترمه حتى أشدّ المختلفين معه. وهو خيارٌ التفّت حوله قطاعاتٌ واسعةٌ من الشارع المطالب بالتغيير والإصلاح.

هذا الالتفاف أصبح أمرا تفتقده الساحة السياسية الوطنية هذه الأيام. ويزيد افتقاده حين تمرّ البلد بمنعطفٍ حاد، أو فترةٍ عصيبة، أو احتقانات ومواجهات تنفلت فيها الأمور، أو استهواء للقبضة القوية التي يُظنّ أنّ فيها الحلول الحاسمة للمشكلات والأزمات التي تتخبط فيها البلدان والشعوب.

اليوم يوم العيد الأكبر، عيد الأضحى المبارك، أعاده الله علينا وعلى جميع القرّاء باليمن والخير والبركات، وليعذرني القارئ على تقديم العبارات ذات الصبغة الحزينة على عبارات التهنئة والتبريكات، فمن يبيت على صوت المفرقعات ليس كمن يبيت مسترخيا على أصوات الطرب والغناء.

حزينٌ في العيد كآلافٍ غيري، خصوصا وأنا أشاهد صور المصادمات الحزينة، فلا أحد يتمنّى أن يقضي عطلة الأعياد في مناحة ومصائب متجددة. نتمنى أنْ يخرج هذا البلد من دائرة الاحتقانات إلى الأبد. نتمنّى ألا يعود الرعب الأسود وانتهاكات حقوق الإنسان. نتمنّى أنْ يسير هذا الوطن الصغيرعزيزا كريما شامخا بأبنائه، وينتهي شعور أي مواطنٍ بأنه غريبٌ في أرضه، محارَبٌ في رزقه، مستهدَفٌ في مستقبله.

هذا الوطن الذي لا نعرف وطنا سواه، نريده أنْ يأتي اليوم الذي يفتخر بأبنائه وفلذات كبده، بدل هذا التنكّر والجفاء والصدود.

أخيرا... نسأله تعالى أنْ يعيد علينا أعيادنا بالخير والمحبّة والأمان والإيمان، وأنْ تعود على جميع المسلمين باليمن والعزّة والسلام، وخصوصا الأوطان المحتلة أو المهدّدة بالاحتلال، من فلسطين والعراق وأفغانستان... إلى لبنان والصومال والسودان. وكلّ عامٍ وأنتم بخير.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1930 - الثلثاء 18 ديسمبر 2007م الموافق 08 ذي الحجة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً