العدد 1932 - الخميس 20 ديسمبر 2007م الموافق 10 ذي الحجة 1428هـ

اختراق اقتصادي مرتبط بآخر سياسي

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

يشكل الاقتصاد الفلسطيني أزمة ما فتئت تتعمق منذ انطلاق الانتفاضة الثانية العام 2000، وهي أزمة متأصلة ومستدامة نتيجة لوضع سياسي لا يبشر بالنجاح. سجلّ التردي الاقتصادي مرعب: انخفض الناتج والدخل الفردي بشكل كبير، وتضخّمت معدلات الفقر والبطالة بشكل واسع، وهبط الاستثمار الشخصي، وقامت السلطة الفلسطينية بزيادة عجز مالي متنامٍ ومتكرر يستهلك، بالإضافة إلى أحوال إنسانية متردية، المزيد من المعونة الخارجية الواردة، الأمر الذي لا يترك سوى القليل من الاستثمار العام.

بعد نصر «حماس» الانتخابي في يناير/ كانون الثاني 2007 أضيف خليط من الضغط المالي الغربي والإسرائيلي والقيود المتزايدة على الحركة الفلسطينية إلى الكارثة الاقتصادية الفلسطينية. نتيجة لذلك، وبحسب تقرير للبنك الدولي قامت الأعمال التجارية «بإغلاق أبوابها وهربت كميات كبيرة من رأس المال البشري والمادي، واستبقي معظم رأس المال المحلي في الخارج أو جرى استثماره في العقارات أو في النشاطات التجارية قصيرة الأمد». ففي العام 2006 وحده، وبحسب التقرير نفسه انخفضت الاستثمارات السياسية الخاصة بما يزيد على 15 في المئة، وكانت الأعمال التجارية تعمل بأقل من نصف طاقتها».

وتعاني غزة من أحوال اقتصادية أكثر سوءا. فبعد خمسة أشهر من استيلاء «حماس» على السلطة أصبح القطاع الساحلي، المحمّل أصلا بمعدلات مرتفعة من الفقر والبطالة، مغلقا فعليا عن بقية العالم. فاقتصاده الذي يمثل ثلث الناتج المحلي الإجمالي الفلسطيني، ممزّق، ويعتمد غالبية الغزيين على المعونات الأجنبية من أجل بقائهم.

الصورة في الضفة الغربية المحلية قاتمة كذلك. فالوجود المكثف للمستوطنات الإسرائيلية وإنشاء جدار الفصل ومئات الحواجز ونقاط التفتيش (التي وصل عددها إلى 561 في أكتوبر/ تشرين الأول 2007) أدت إلى تفتيت خطير للمساحة الأرضية والاقتصادية للضفة الغربية وقسّمت المنطقة إلى مناطق فلسطينية معزولة وجعلت من العمليات التجارية العادية أمرا في غاية الصعوبة. هذه المعوقات لحركة التنقل الفلسطينية التي تفرضها «إسرائيل» لدواعٍ أمنية بحسب ادعائها، مستمرة في كونها العامل المهم الوحيد وراء الانهيار المستمر للاقتصاد الفلسطيني.

لقد قوّض التداعي الاقتصادي القاعدة السياسية للسلطة الفلسطينية وأدى إلى انعدام الأمن والقانون بشكل واسع. واليوم، من المحتمل جدا أن يقوم عجز مالي متكرر ومتهاوٍ يقدره صندوق النقد الدولي بمليار ونصف المليار دولار (34 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي) مع نهاية السنة، بإتمام الدائرة وتهديد وجود السلطة الفلسطينية. بعد أن تمّ استنفاد إمكانات المصادر المحلية للتمويل إلى أقصى حدودها، وتراكم مستحقات متأخّرة بلغت أكثر من مليار دولار، تواجه السلطة الفلسطينية مشكلة مالية خطيرة. أية تعديلات مالية ضمن الأوضاع الحالية السائدة ستكون مكلفة جدا سياسيا على الأرجح.

تطرح جميع هذه الأمور تساؤلا عما الذي نستطيع عمله وما إذا كان توجّه «الإصلاح يأتي بعد الأمن وبعده المعونة» للمشكلة الاقتصادية الفلسطينية يمكنه فعليا أن يعكس الانحدار المتسارع إلى الهاوية. يمكن للماضي القريب في هذه الحال أن يوفر دروسا مفيدة. فكما أظهرت تجربة 2003 - 2003 بوضوح لا يمكن إدامة لا التعافي الاقتصادي ولا الإصلاح السياسي في غياب بيئة سياسية داعمة. الواقع أن تجربة ما بعد أوسلو الفلسطينية برمتها تثبت أن توفير المعونة الخارجية تحت ظروف نزاع مستمرة وعدم استقرار سياسي ليست كافية لإطلاق الاقتصاد. لذلك فإن المعاني الضمنية واضحة: حتى يتسنّى إنعاش الاقتصاد الفلسطينية وبالتالي إنقاذ السلطة الفلسطينية من الانهيار يجب أن يكون هناك توجه استراتيجي متكامل يضمّ عملا سياسيا وماليا ومؤسسيا، بحيث يقود العمل على المسار السياسي الطريق.

لحسن الحظّ، يوجد مجال للعمل على كلٍ من هذه الجبهات على المستوى الدولي: اللجنة الرباعية للشرق الأوسط التي تتعامل مع القضية السياسية، ولجنة الارتباط المؤقتة المسئولة عن تحصيل الدعم المالي للسلطة الفلسطينية، والعمل المستمر لممثل اللجنة الرباعية طوني بلير بشأن الحكم والإصلاح المؤسسي. ما يبدو مفقودا وبشكل خطير هو الأثر المضاعف بين هذه النشاطات، والفهم السائد بأن النجاح في مجالي الاقتصاد والإصلاحات مرتبط بشكل وثيق بالتقدم الملموس على الجبهة السياسية. وإلى أن يجري استيعاب ذلك، فإن الفرصة هي أن الاقتصاد الفلسطيني سيستمر في السقوط نحو الهاوية وبنتائج لا يمكن تصوّرها.

حتى يتسنّى تجنب نتيجة كهذه يتوجب على المجتمع الدولي أن يذهب إلى ما وراء مجرد توفير المعونة المالية والمطالب المستمرة بالإصلاح في فلسطين. لا يمكن تحقيق لا التنمية ولا الإصلاح ولا استدامتهما في غياب وضع سياسي إيجابي. هذا ما تعلمناه من التاريخ. هناك حاجة الآن إلى مشاركة دولية أكثر نشاطا واستدامة لتيسير ودفع عملية سياسية جادة يجب أن تؤدي في نهاية المطاف إلى تسوية سياسية باقية متفاوض عليها. قد يوفر أنابوليس، أو لا يوفر، قوة دفع كهذه. ولكن لا يمكن إلا لعملية سياسية أن توفر العنصر المفقود الضروري لإنشاء فلسطين مستقرّة تتمتع بالإصلاح قادرة على البقاء اقتصاديا.

* اقتصادي فلسطيني وزميل زائر في مركز «كراون لدراسات الشرق الأوسط» بجامعة برندايس والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 1932 - الخميس 20 ديسمبر 2007م الموافق 10 ذي الحجة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً