العدد 1936 - الإثنين 24 ديسمبر 2007م الموافق 14 ذي الحجة 1428هـ

مستشفى «ميلاد» و «القادسية» البرلمانية الجديدة!

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

جاء طلب استجواب الوزير منصور بن رجب من قبل الإخوة النواب بحجة مفادها أن الوزير يخلط بين منصبه العام وعمله الخاص، فيزاول منصبه وزيرا للبلديات والزراعة وفي الوقت ذاته يدير مشروعه الاستثماري والتجاري، أي ترؤسه مجلس إدارة مشروع مستشفى «ميلاد» الإيراني، وهو ما يعتبر في حد ذاته مخالفة للقانون.

كما أن هذا الاستجواب أتى بعدما أثير كثير من جدل حول موضوع مشروع مستشفى «ميلاد» الإيراني، وذلك من قبل عدد من نواب الإثارة والإلهاء المعتادين ممن طالما عملوا في البرلمان مخلصين لشعار «قل اعملوا فسترى السلطة أعمالكم وقراريصها والمتنفذون»!

وبالمناسبة، فإننا هنا لا نضع حبر أقلامنا خطوطا حمراء تعرقل الإخوة النواب عن أداء مهماتهم المشروعة، ولكننا نتساءل وفقا لحسابات المنطق والضرورة الوطنية وترتيب الأولويات وتحديد اتجاهات البوصلة البرلمانية فيما يشكل أكبر خدمة للمصلحة العامة، وأفضل إسعاف ممكن لبرلمان لم يقدم للشعب شيئا جديرا بالذكر والرؤية بالعين المجردة، ونقول إن كان هدف الاستجواب هو محاسبة الخلط بين منصب الوزير والتجارة والتورط في مخالفات مالية، والنواب أعلم من غيرهم بنواياهم الحقيقية، فهل سيقبل النواب القول إنهم بذلك أقرب إلى الوقوع المدوي في شرك السفاهة السياسية والبرلمانية، وليعذرونا على ذلك، بما تتضمنه من عدم قدرة على تحديد الأولويات وتحديد خطوط البوصلة جيدا وقلة الوعي وتذبذب الرقابة البرلمانية؟!

وبافتراض ثبوت تلك التهمة، فماذا سيكون حجم منصور بن رجب في حالات الخلط بين الوزارة والتجارة أو الخلط بين المصلحة العامة والخاصة مقارنة بغيره من حالات أكثر خطورة في البلاد يجري فيها الخلط بين الحكم والتجارة، والتجارة والسياسة، والسياسة و «الهياسة»، وحالات عدة يعرفها النواب بحكم القرابة السلطوية والوضعية أكثر من غيرهم، وأيهما أجدر بالتأجيل وأكثر مدعاة للحسم؟!

تكفينا مثلا حالة الخلط بين المنصب الوزاري العام والأعمال التجارية والمشروعات الخاصة المشهورة التي أثارت لغطا وجدلا هز أركان الدولة والمجتمع كما لم يكن من قبل، ومع ذلك لم يتم حسمها ومازالت تهدد الاستقرار الاجتماعي والسلم الأهلي والوحدة الوطنية أكثر من غيرها من حالات خلط واختلاط أخرى، فهل ندرك بذلك معنى الرشد والاتزان البرلماني وتقديم الأولويات والضرورات، فنحن نرجو ألا تكون تلك الأسئلة من صنف الأسئلة المعدة والمسعفة مسبقا (Pre-questioning) ؟!

ولو تم مثل ذلك الاستجواب فما هي محطته وآفاقه النوعية المرتجى بلوغها بحسب المستجوبين في البرلمان؟! وإلى أين سيصل هذا الاستجواب بمنصور بن رجب؟! هل ستتم محاكمته قضائيا في سابقة هي الأولى من نوعها في البحرين، أو ستطرح به الثقة؟! أم أن مثل هذا الاستجواب سيأتي ذرا للرماد في العيون واستعراض للعضلات في غير محله ولا يعكس «مرجلة» نيابية حقيقية مع وجود نماذج وحالات أكثر خطورة للخلط بين المناصب وارتكاب المخالفات المالية، وهو ما لا نرجو أن يقع فيه السادة النواب حتما ويؤجلون قضايا وطنية كبرى ومراقبة تورطات منهجية دارجة أعظم من ذلك بكثير؟!

وإن كان النائب جاسم السعيدي يعرف شيئا عن مشروع مستشفى «ميلاد» لا نعرفه نحن ولا غيرنا، وربما لا تعرفه الحكومة وأجهزة الأمن والاستخبارات، فليتفضل ويخبرنا حالا ويقدم ما لديه من حجج دامغة أو حتى من خيوط تعزز الشبهات إلى ما ينتقيه من وسائل إعلام وصحافة دونما أن يتردد، فشعبنا كما عودتنا الأقدار الربانية والسلطوية تأتي إليه القضايا ولا يذهب إليها!

إن كانت قضية سعيدية فمرحبا بها، إلا أنه ليس من اللائق في هذا الصدد أن يتعامل مع القضايا كما تتعامل الجدات مع الحكايات التي ترويها للأحفاد، وتتعمد بذلك أسلوب الإثارة والتشويق أو «تابعونا في الحلقة القادمة» طالما كانت هذه القضية على قدر كبير من الأهمية والخطورة بشكل لا يعوض، عسى ألا نظلم سادتنا النواب ونحاكم سلامة وعافية عقلياتهم ومهاراتهم وقدراتهم!

وبغض النظر عن خلفيات الإثارة البرلمانية لمشروع مستشفى «ميلاد» الإيراني، فإننا لا ننكر حاجتنا إلى المزيد من الحسم والتخلص من الشيزوفرينا الحادة التي نعايشها في التعامل مع الجار والشقيق والصديق و «الخصم» و «العدو» الإيراني الذي إما أن يكون لدى حكومتنا الرشيدة أقرب إليها بغازه ومائه من حبل الوريد الاقتصادي، وفي الوقت ذاته تكون إيران لعدد لا بأس به من نواب البرلمان ولأطراف ومحركات متنفذة ومكشوفة عدوا لدودا يفوق في عداوته وبغضائه العدو الصهيوني!

إن كانت إيران «عدوة»، ألا يفترض من السادة النواب التصدي للحكومة ومخططاتها في الخلط بين السياسة والتجارة عبر بيع الوطن ووضعه رهينة الابتزاز والاستقواء الإيراني عبر التوقيع معه على عدد من الاتفاقات المهمة بدلا من الوقوف مع السادة النواب في «قادسياتهم» البرلمانية المجيدة؟!

ألسنا بحاجة إذا لانتفاضة برلمانية ضد «خيانات» الحكومة و «بيعها» البلد و «رهنها» اقتصاده وسياسته واستراتيجيته في يد «الأعداء الفرس»، وإن كانت هذه الانتفاضة شبيهة بـ «انتفاضة» الفضالة على سبيل المثال؟!

وإن كانت إيران حقا شقيقة وصديقة للبحرين وحليفة معها في اتفاقات استراتيجية عدة، أفلا يجدر حينها بالنواب احترام هذه العلاقات والاتفاقات طالما أنهم لم يسجلوا قط عليها أدنى اعتراض، وإن عودونا على أن يسجلوا بها مزيدا من الإثارة والإلهاء والتخويف الطائفي والإثني الذي لا يخدم أمن واستقرار البلاد؟!

أليس من حق النواب الأفاضل مطالبة الدولة بكشف حقيقة هذا المستشفى الإيراني أمام الجميع؟!

أليس من المناسب أن يتحرك السادة النواب، نحو فض واستباق الضربات لكبح الإثارة والتحركات غير المبررة والمشفوعة بأدلة وخيوط وحجج عسى ألا يشكل هذا الملف الجدلي إثارة طائفية وإثنية لا تحمد عقباها، ولا يفوت بعض النواب إيقافها عند حدها؟!

إن كان السبب يرجع في ذلك مثلا إلى وجود نوع من تضارب الحساسيات إلى حد يفرض فيه - على سبيل المثال - شرطا بأن يكون المستشفى الإيراني من دون أطباء إيرانيين أولا وآخرا، ولا مانع من الاحتفاظ بالديكور والأثاث الإيراني مثلا وغيرها من أسباب، ألا يتفق معي الإخوة النواب والإخوة المسئولون في السلطة التنفيذية من أن مثل ذلك التحفظ والتكتم لا يشكل حالة صحية على النطاقات كافة، وقد تكون لها تداعيات أخرى أكثر خطورة وجسامة، وهم من دون شك لا يختلفون معي في ضرورة احترام المصارحة والشفافية كما هم يعدونا دائما بها!

وربما لا يختلفون معي في أن تحويل الحساسيات والهلوسات والنفور العصبي إلى دوغمائيات وعقائد وأيديولوجيات راسخة، يضر كثيرا بالمناخ الاستثماري، ولا يشكل سوى أكبر العقبات والعراقيل أمام سياسة عصرية واقعية ورؤية سليمة وحكيمة تستند إلى حسابات العقل والمنطق؟!

وإن كان لدى السادة النواب والحكومة من ردود وتوضيحات وأدلة مفحمة وخيوط تعزز الشبهات فليتفضلوا بها من دون تردد، وليدلوا كلا منهم بدلوه شريطة ألا تصطدم «إيران» الحكومة مع «إيران» البرلمان، فمرحبا بها من «قادسية»، ومرحبا به إذا من تكامل اقتصادي واستراتيجي مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية الشقيقة!

وأهلا وسهلا بمحاسبة من يخلط بين الوزارة والتجارة، ولا أهلا ولا سهلا بمحاسبة من يخلط الوزارة بالتجارة والتجارة بالدين والدين بالسياسة والسياسة بـ «الهياسة»، فاستجواب أمثال هذا الصنف الأخير غير المقدور عليه برلمانيا يهدد استقرار الدولة، ويهدد استقرار الكرسي البرلماني، ويهدد مصادر الرزق، ويخلق بطالة تؤدي إلى فقر يؤدي إلى زيادة التفاوت بين المداخيل والمستويات المعيشية والصفوف الطبقية، فهل «يسوى» الدخول في هذا البرلمان بيت الداء وإن كان الراتب والامتياز هو الدواء؟

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 1936 - الإثنين 24 ديسمبر 2007م الموافق 14 ذي الحجة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً