العدد 1936 - الإثنين 24 ديسمبر 2007م الموافق 14 ذي الحجة 1428هـ

خطأ التسعينيات القاتل

عباس هاشم Abbas.Hashim [at] alwasatnews.com

ما تقوم به قوات الأمن حاليا، انتهاك صارخ لما وقعته الدولة من مواثيق دولية، كالعهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية. الكثير من أقطاب المعارضة لم يخفوا رفضهم لجر الساحة إلى العنف، وأدانوا ذلك؛ ولكن الفرق كبير والبون شاسع بين أن يصدر العنف الخارج على القانون من قبل أفراد من المجتمع، وأن يصدر هذا العنف والممارسات من قبل الدولة.

خرق الدولة لما وقعته من مواثيق وعهود دولية تهدف لتحفظ حقوق الإنسان، هو خرق للقانون، فهذه المواثيق أقوى من القانون المحلي كما هو معلوم، والدولة هذه الأيام تضرب عرض الحائط هذا القانون، من خلال ما يمارسه أفراد الأمن من اعتقالات واقتحام للبيوت بواسطة القوة والعنف الشديدين، بتحطيم الأبواب وإرعاب قاطني المنزل المستهدف، وكذلك الاعتداء بالضرب على المارة في الطرقات، ما يكرس شعور المواطن السابق من أن الشرطة لإرهابه وليس لحمايته.

الشواهد أكثر من أن تُحصى، ولكن الأسوأ من ذلك كله، حين تمارس الدولة أساليب العصابات. قبل أيام، قامت ثلاث سيارات فيها ملثمون بلباس مدني بمحاصرة سيارة من الأمام والخلف، يقودها شاب قريبا من دوار قرية القدم، معه كما يبدو زوجته وابنته الصغيرة وامرأة عجوز ربما تكون أمه، فانزلوا الرجل، وضربوه على رأسه وظهره، ثم أخذوه معهم بعيدا وسط صرخات وتصايح من معه في السيارة.

إن ما حدث لا يستدعي كل هذا البطش والممارسات العدائية من قبل قوات الأمن، فقد عبرت أطياف المعارضة عن تأكيدها على الأساليب السلمية، والأحداث حصلت في حالة غضب كردة فعل تحدث في كل البلدان، وحتى في الدول المتقدمة الديمقراطية ذات الحكم الصالح المتسم بالشفافية يمكن أن يحدث ذلك، كما شاهدنا في فرنسا وغيرها، فضلا عن دول العالم الثالث التي تتسم علاقة حكوماتها بشعوبها بضعف في الثقة.

وإذا كانت الحكومة تعتبر كل أبناء الشعب أبناءها، فربما من المفيد تذكيرها بأحداث التسعينيات، فحينها لم تقتصر في التعامل على من يواجهون قوات الأمن وتضع الأمور في حجمها الطبيعي، ولكنها كانت تفرض عقابا جماعيا على كل قرية ومنطقة يحدث فيها شيء، وتقتحم البيوت عشوائيا، تحطم المحتويات والأثاث. تلك الممارسات التعسفية، أججت الوضع، وملأت القلوب غيظا وحقدا، وفي نهاية المطاف وجدت الحكومة نفسها في مواجهة كل هؤلاء الناس؛ وكلما تكررت المواجهات، ومنعت التجمعات السلمية بالقوة، سقط ضحايا، وكلما سقط ضحية، ازداد الوضع تأزما، وصار من السهل على أي حركة، تجنيد القدر الذي تشاء في المواجهات واستدامة العنف.

وأتذكر جيدا، أنه بعد مدة من قمع التحركات السلمية، هدأت حركة المسيرات، ولكن تشكل كما يبدو عدد من الخلايا قامت بعمليات تفجيرات في عدد من الأماكن الحيوية؛ وبغض النظر عن مدى صحة ذلك، فإن هذا على الأقل ما صرحت به مرارا الأجهزة الرسمية آنذاك ونشرته في الصحف المحلية.

وتدشين الملك عهده بالمشروع الإصلاحي أعاد الهدوء الذي ساهم رموز التسعينيات وعلى رأسهم الشيخ الجمري في تحقيقه. فهل يوجد من يرغب في تكرار السيناريو نفسه؟ ذلك غير مستبعد، فمن تضررت مصالحهم اللامشروعة من العهد الجديد لم يسكت حنينهم إلى عهد الحرس القديم القائم على آهات وعذاب فئة من الشعب، ولذلك فمن الطبيعي أن يكون العداء للمطالب الإصلاحية ويبقون على ملفات الخلاف جامدة، ويتربصون بالساحة الدوائر، ويبحثون عن حبة صغيرة ليجعلوا منها قُبة كبيرة، والخشية أن يصبح السلاح المفقود «مسمار جحا» الذي انتظروه طويلا، فقد يتظاهر الحرس القديم بالجمود لدرجة الموت، ولكن عيناه مفتحتان، تدوران حيثما دارت الأحداث لينقض في الوقت المناسب على المكان المناسب أيضا

إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"

العدد 1936 - الإثنين 24 ديسمبر 2007م الموافق 14 ذي الحجة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً