العدد 1937 - الثلثاء 25 ديسمبر 2007م الموافق 15 ذي الحجة 1428هـ

«قوس» الأزمات الدائمة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

شارفت السنة الميلادية على الانتهاء ولاتزال الملفات الساخنة الإقليمية والعربية معلقة. وكل التوقعات التي قرأت التطورات باتجاه إيجابي وصلت إلى طريق مسدود، في اعتبار أن تلك الملفات شديدة التعقيد وبعضها مزمن وبعضها الآخر موصول بنقاط مركزية يصعب فك ارتباطها من دون معالجة شاملة.

تعليق الأزمات في منطقة «الشرق الأوسط الكبير» يؤكد مسألة مهمة وهي ترابط حلقات السلسلة من جهة وخطورة هذه الدائرة الاستراتيجية وحيويتها الجغرافية في إطار العلاقات الدولية من جهة أخرى. فهذه المنطقة يطلق عليها «قوس الأزمات». وهذا القوس يمتد جغرافيا على هيئة هلال يبدأ من باكستان وأفغانستان شرقا وينتهي في فلسطين غربا وأحيانا يمتد إلى الصومال والسودان.

تحت هذا القوس المتلون بالطوائف والمذاهب والقبائل والأقوام تمتد بحيرة من الثروات تغذي مصادرها الطاقة الدولية بما نسبته 40 و60 في المئة من النفط والغاز. ولكل هذه الأسباب الموضوعية والذاتية شهد هذا القوس حالات من التقلب والانقلابات والاحتلالات والحروب والفوضى الدائمة على امتداد العقود الثلاثة الماضية. ويرجح أن تستمر التجاذبات الدولية والاستقطابات الإقليمية فترة غير معلومة حتى تستقر الفوضى على حركة استقطاعات تلبي رغبات الشركات المتعددة الجنسية ومصالح الدول الكبرى بالتوازي والتفاهم مع القوى الإقليمية الصاعدة.

المسألة معقدة وهي تزداد خطورة مع نمو حاجات الدول المتقدمة أو النامية وطموحها إلى تكوين احتياطات للطاقة أو ضمان استقرار مصادر معدنية وغازية تعتبر حيوية لاستمرار التطور المستقل للاقتصادات المحلية والعالمية. وبسبب عدم توصل القوى المتنافسة إلى تفاهمات تضبط نسبة توزيع الحصص سيبقى قوس الأزمات عرضة للتشنجات والتجاذبات والتحالفات المتغيرة أو المتلونة. كذلك ستظهر على سطح هذا القوس سلسلة تضاريس سياسية غير متوقعة، ولكنها ستبدو من الأمور العادية في منطقة وعرة في تركيبها الاجتماعي (السوسيولوجي) والثقافي النفسي (السيكولوجي).

التوقعات باحتمال التوصل إلى حلول في العام 2007 لم تكن دقيقة في حساباتها. كذلك احتمال التوصل إلى حلول في العام 2008 ليست دقيقة في توقعاتها، نظرا إلى تشابك الخريطة السياسية بالسكانية بالجغرافية بالثروات الطبيعية التي تشكل قاعدة للاقتصاد لا يمكن الاستغناء عنها في العقود الثلاثة المقبلة.

هذا لا يعني أن الحروب ستستمر إلى مدة 30 سنة إضافية من دون توقف أو راحة، وإنما الأمر يتطلب قراءة واقعية ترصد التقلبات والمتغيرات والمتحولات. والرصد يشير إلى أن المنطقة ستبقى في حالات قلق وتوتر من دون أن تظهر في الأفق القريب تلك العوامل التي ترسم احتمالات التوافق الشامل على حلول نهائية.

أفغانستان وفلسطين

أفغانستان مثلا التي دخلت طور الانهيار والتفكك منذ العام 1978 - 1979 لاتزال حتى الآن تعاني من تلك التقلبات في التحالفات الدولية والإقليمية والجوارية. وباكستان التي استقرت نسبيا حين تحولت إلى قاعدة خلفية وممرات لمواجهة الاحتلال السوفياتي سابقا أخذت تتعرض الآن إلى موجات من العنف «القبلي» بعد الاحتلال الأميركي لأفغانستان في نهاية العام 2001.

إيران التي دخلت في طور الثورة على الشاه في العام 1978 - 1979 لاتزال أيضا عرضة للضغوط والحروب والحصار والتهديدات لاعتبارات مختلفة ومتعارضة في آن. ويرجح أن يبقى وضعها يتأرجح نظرا إلى تقلب السياسة الدولية والمتغيرات التي تدخل على المصالح والتحالفات.

أما العراق - الذي غاب كدولة عن الخريطة العربية - حضر بقوة كساحة للتجاذب الدولي بعد احتلاله في العام 2003. وبلاد الرافدين التي تهدد وحدتها السياسية فيدراليات الطوائف والمذاهب والمناطق (المحافظات ذات اللون الواحد)، لم تستقر منذ العام 1978 - 1979 حين أخذ رفاق الحزب الواحد يغتالون بعضهم بعضا ويتهاوشون على السلطة إلى أن صادرتها قوة أسرية لمصلحة حكم العشيرة. وهذا التحول الدرامي أدخل العراق في سلسلة حروب ابتدأت في العام 1980 وتطورت في العام 1990 وأخيرا في العام 2003 ولم تتوصل تلك المنازعات إلى توافقات واضحة تعطي فكرة عن خريطة الرافدين الجديدة.

لبنان بدوره دخل تجربة الأزمات الدائمة منذ العام 1975 وهو لايزال يواصل خروجه من مشكلة ودخوله في أخرى من دون توقف أو تعب أو ملل. فقواه الأهلية على أنواعها جاهزة وحاضرة للانقضاض على بعضها بدعم أو تحريض أو مساعدة من تلك الشبكات الدولية والإقليمية والجوارية. وبلاد الأرز التي تمر بلحظة «فراغ دستوري»، مهددة بالمزيد من التصادم والتفكك والانهيار في حال فشلت الأطراف المعنية في تصنيع حل مؤقت لمشكلات لا تنتهي.

أزمة لبنان الأهلية معطوفة بدورها على أزمات إقليمية وجوارية. فهناك مشكلة احتلال الجولان وسياسة الهدنة (اللاحرب واللاسلم) وعدم تبلور تسوية بين سورية و «إسرائيل». وهناك مسألة فلسطين التي تعتبر القضية المركزية والمأساة المزمنة وهي نقطة توتر دائم ومرشحة للنمو نتيجة عدم التوصل إلى حل عادل يرفع النكبة عن الشعب المشرد إلى دول الجوار ومحيطها.

المحيط الفلسطيني ليس جغرافيا فقط وإنما له امتداداته التاريخية والبشرية والدينية والثقافية التي تتواصل في حلقاتها السياسية متجاوزة الحدود والحواجز والفواصل والموانع. فهذا المحيط تنجذب أمواجه إلى نقطة مركزية يصعب تجاهلها في سياق التعامل الدولي مع الأقاليم العربية والإسلامية من الخليج إلى المشرق والمغرب. فهذه النقطة لها دلالاتها الرمزية وإشاراتها الحضارية حتى لو استقرت إلى حين أو تم تجاوزها في أحيانٍ أخرى.

كل هذه القضايا الكبرى الممتدة على طول خط قوس الأزمات شكلت على امتداد العقود الثلاثة الماضية ملفات إقليمية وعربية ساخنة كان من الصعب تصور احتمال معالجتها في العام 2007. كذلك هناك صعوبات تمنع توقع احتواء انفعالاتها وتموجاتها في العام 2008. فهذه القضايا معقدة حتى لو ظهرت أحيانا تحت عناوين سياسية صغيرة. فالعناوين السياسية صغيرة حقا، لكنها ليست كذلك فعلا إذا نظر إليها من مواقع التاريخ والجغرافيا والاستراتيجيا ومصادر الطاقة وحاجة الدول الكبرى إليها

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1937 - الثلثاء 25 ديسمبر 2007م الموافق 15 ذي الحجة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً