العدد 1940 - الجمعة 28 ديسمبر 2007م الموافق 18 ذي الحجة 1428هـ

أضلاع المأساة المتكاملة... واقع إدارة الأزمات في البحرين ومآلها!

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

لا يختلف أي عاقل ومنصف ومحايد في تناوله حوادث الشغب المأسوية الأخيرة في ضرورة تبْيان الموقف الواضح والصريح من قِبل مختلف الأفراد والتيارات والقوى المجتمعية، والمبادرة إلى

إدانة هذه الأعمال التخريبية وقبلها إدانة منطق وعقلية التسليم واللجوء إلى حلول العنف الهجومية في كونه خيارا محتملا أو حتميا لفرض الآراء والرؤى والمطالبات السياسية، وسبيلا متحققا لفرض تطبيق مجندة، فمن دون شك إن تهديد الأمن والاستقرار العام للمجتمع والدولة ذو ثمن فادح جدا يستحيل أن يتحمّل دفعه أو تقتصر كلفه العالية فقط على فرد أو مجموعة من الأفراد حتى مؤسسة من المؤسسات. فما يعرفه كاتب المقال ويعرفه الجميع أن الحاجة إلى الأمن والاستقرار كانت ولاتزال وستبقى ركيزة الحاجات الإنسانية الضرورية وقاعدتها، فهي تستبق وتتفوق على الكثير من الحاجات الأخرى المرتبطة بالحريات وغيرها، ولكن من المهم ألا يكون منطق الكشف والإدانة الإجرائي ذاته هو جزءا وعنصرا فاعلا من الأزمة والخطر والتهديد القائم ذاته إما عبر استخدامه واستغلاله أداة للإثارة والتأليب والدفع به قدما لتحقيق أجندة سياسية مضادة لأجندة أصحاب الشغب، وإما أن يكون تعامل الجهات والسلطات المعنية مع الأزمة في حد ذاته أزمة تفاقم من حال فقدان التوازن والاستقرار بعدة أشكال مضادة فيما يفوق حجم الشغب والخراب المدان!

فمن خلال متابعة لصيقة ومتواصلة لوقائع حدوث عدد من الأزمات المتعددة المستويات في البحرين وسبل تصرف الجهات المعنية حيالها فإن المراقب لابد أن يدرك حجم وعمق المأساة والمعضلة العضال التي تعاني منها الدولة عموما في إدارة الأزمات، والتعامل معها بفاعلية متزنة وموضوعية تدرك لكل خطوة حجمها ووزنها وعواقبها، وتضع تصورا سياقيا عاما عن مراحلها المختلفة يكرسها جسر تعاون وتعويل وطني يربطان بين الدولة ومنظمات المجتمع المدني والأهلي.

ولعل أبرز الأمثلة بشأن الإخفاق والفشل في إدارة أزمة من الأزمات الوطنية التاريخية التي تهز أركان الاستقرار، وتخلق تصورات نوعية متباينة تهز أسس الثقة الجماعية المشتركة بين المجتمع والدولة كان فيما يتعلق بأزمة التقرير المثير للجدل التي أصبحت هنالك مصلحتان ورؤيتان عامتان للوطن والمواطن بفضل الجدار الكبير الفاصل بين المجتمع والدولة في التعامل مع هذه الأزمة غير المسبوقة، فعاشت الأزمة غير المنكفئة أسيرة بين تخبط الدولة وغموضها غير البنّاء في حجب وكشف متعلقات الأزمة وصدمة المواطن ومنظمات المجتمع من تلك الأزمة!

إن كان الاقتصار في المعالجة الأمنية والاستخباراتية لأزمة من الأزمات ومن بينها جرائم العنف والتخريب عادة ما يوصف بالعقم والتبلد والدوران في حلقة مفرغة، فاللجوء إلى اتباع الأساليب ذاتها وبالعقليات التسعينية ذاتها في التعامل مع حوادث الشغب الأخيرة وغيرها من أزمات، أضف إليه السعي الجهيد لإلقاء الظلال الداكن والثقيل لتلك الأساليب والعقليات على الخطابات الإعلامية والصحافية بشكل تتوه فيه الاختصاصات والمسئوليات والرؤى التي يفترض أن تكون مستقلة ومتضافرة بشكل متكامل في خدمة الصالح العام بما يساهم في إطلاق المفاهيم والأوصاف عموما وتسويد خطابات التحريض الأعمى بشكل مزايد وابتزازي بزعم أن الأمن مسئولية الجميع!

نحن - إن فقدنا القدرة على التفريق بين رجال الأمن والمخبرين من جهة وبعض الأبواق الصحافية وكتّاب المنصات وكتبة المساج والأندية الصحية في الجهة الأخرى، ومع كل ذلك اللغط والصخب المضاعف للآثار التدميرية للأزمة - لا ننكر ما ينطوي عليه الشعار الأخير من حقائقَ ومسلّمات بدهية وجوهرية، إلا أن التجارب العالمية أثبتت أن مثال تلك الإجراءات والأساليب العنفية والإقصائية - وإن أثبتت جدارة استئصالية لا تعوض في كسر شوكة المخربين والمشاغبين وتأديبهم - لم تعالج قط وتضع حدا لتطور ونماء النسيج الجذري الاجتماعي والسياسي المهيأ لنشوب تلك الظواهر الخطيرة والمهددة للاستقرار بشكل لا يمكن السكوت عنه، ولم تقضْ مضجع تلك التراكمات والعوامل المؤثرة في الأزمة.

وإن كنا لا ننكر تلك الرمزية السوداء الثقيلة لاستهداف رجال الأمن وسياراتهم من قبل حشود المخربين وكيف أنها ساهمت صوريا في كسر هيبة الدولة والانتقاص من دورها في مزاولة العنف المشروع لضبط وردع المخالفين والفوضويين والمحرضين إلا أننا في الوقت نفسه ندعو من يهمه الأمر إلى التساؤل بحرقة وصراحة عن مواقع هيبة الدولة التي تأثرت بعدد من المواضع والمواقف والمشاهد المعتادة، فهل ستستعاد هيبة الدولة بالمداهمات الليلية واقتحام البيوت؟ وهل ستسترد هيبة الدولة وكرامتها بسياسة العقوبات الجماعية؟ كما هل تتحقق وتثبت مفاهيم «الأمن الجماعي» و «الاستقرار العام» ذاتيهما وفعاليتهما حينما يسلب أمن المواطنين واستقرارهم واطمئنانهم؟

أليس من الشائن والمعيب أن تبدو الجهات المعنية بالتصدي لحوادث الشغب والتخريب - التي لا يختلف أحد في إدانتها وتجريمها - كما لو أنها بصدد تقليد من تطاردهم من المعتدين والمخربين وكأنما تسعى للنزول بمكانتها المهابة ومقامها المصون إلى المستوى ذاته من دون أي اعتبار لخطاباتها القانونية والحقوقية؟ هل بمثل ذلك النزول ستسترد الفحولة الأمنية، وذلك بدلا من أن تكون هذه الجهات قدوة وأسوة حسنة لجميع المواطنين بمن فيهم المخربون؟

أين كانت هيبة الدولة قبلها حينما فتحت الساحات الإعلامية والمنابر لمحرضي الفتن الطائفية ومثيريها في البلاد بدعم وإسناد من شبكات المتنفذين في الدولة من شلة «المحافظون الجدد - فرع البحرين»، فنحن لم نسمع ونر بصفتنا مواطنين تلك الوحدة الوطنية إلا في خطابات وتصريحات القادة وكبار المسئولين فقط؟

أليس محرضو الفتن الطائفية ومثيروها وداعموهم ومحركوهم من شذاذ الآفاق والمطبلين وعبيد الدرهم والدينار والعقار هم الأوْلى بأن يقعوا تحت طائلة تطبيق «قانون الإرهاب» من بعد «قانون مكافحة الاتجار بالبشر»؟

لا يمكن لعاقل ومنصف أن يحذف هذه الظواهر العنيفة من قوانين الطبيعة مهما بلغ شذوذها في الإخافة؛ فلكل فعل رد فعل مهما كان نوعه وشكله، ولا يمكنه أن يسقط أيضا من حساباته ورؤاه الدور المحوري الذي لعبته الكثير من العوامل التراكمية فيما وصلت إليه الأمور من انفلات وضياع وعلى رأسها فتور العملية الإصلاحية، وعدم جدية الدولة والحكومة في الاستجابة لمطالب تحقيق العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية بين جميع الأطراف، وتراكم حجم الخيبة والإحباط المتحققة من عجز البرلمان وإفلاسه وتجرده من أدواره ومهماته الرئيسية المتعارف عليها، وانسداد جميع قنوات الحوار وتبخر ماء الوعود البيضاء منذ طلوع الشمس!

الدولة والحكومة بدلا من أن تستمعان لنداء العقل والمنطق ونصائح أبنائها البررة، فتدعمان وتسندان وتتحالفان مع رموز الاعتدال من قوى المعارضة التي قبلت المشاركة في العملية السياسية والتي دخلت البرلمان لتوسيع رقعة المشاركة السياسية وتعزيز الثقة المجتمعية بالمشروع الإصلاحي، ولو تكلف ذلك بتحقيق عُشْر المطالب الوطنية، إلا أنها أبت وأحجمت عن الاستماع إلى هذا النداء وعكفت بالتالي على تسليط أذرعها وطاقاتها الميدانية في التضييق على «الوفاق» في البرلمان وإدخالها في مسرحيات ومقالب مدبرة في يوم وليلة ليس لها أول ولا آخر، فحققت بذلك لقوى التشدد والتطرف والمقاطعة شعبية ومشروعية اجتماعية وسياسية عالية لا تحسد عليها!

أليس في مثل هذا «الكريسماس» يحن وقت تبادل الهدايا بين الطرفين العدوين/ الصديقين عبر جوارب العنف والتلغيم؟ ألا يعد ذلك انقلابا على المشروع الإصلاحي؟

يبدو أن السلطة وأذرعها قد انتبهت لهذا الأمر والنداء بعد فوات الأوان فاستثنت «الوفاق» من قائمتها السوداء بعد أن لحق بالأخيرة ما لحق بها من سباب وشتائم ولعن الشارع بمناسبة ومن دون مناسبة، واحتفظ بمثل هذا المعروف كتّاب المنصات الذين لن نتعجب إذا ما قدموا يوما ما باقات الورود إلى أعمدة «الوفاق» مثلما قدموها من قبل إلى مفاصل التوليتارية على أمل سحق الشعب والمواطنين وقمعهم!

وبدلا من أن تسعى إلى احتواء الأزمة وتخفف من وقعها وتجري حوارا مع مختلف الأطراف استمرأت تلك الأبواق الصحافية أن تكون امتدادا أسودَ مفضوحا للعقلية والمنهجية التسعينية ذاتهما، فسعت لتكريس السطحية الفجة في تغطياتها الإعلامية المثيرة على أمل إشغال القارئ المغلوب على أمره بالحوادث والحوادث من دون أن يتدبر علميا وموضوعيا جذور الأزمات والقضايا فاتهمت الأعمال التخريبية وحدها بتدمير الاستقرار الاقتصادي وتخويف الاستثمار ورؤوس الأموال العالمية، وتم حينها التغاضي عن الأدوار الجوهرية الرئيسية لأزمة عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي، وغياب المصالحة الوطنية والعدالة، وتفشي التحريض الطائفي المسنود، واستقواء الفساد الإداري والمالي، وتراكم مشاعر الإحباط والقلق الشعبي من الفشل البرلماني المستحكم!

ألا يعد تضخيم المآسي بشكل مهول وإثارة أنباء متضاربة بشأنها من قبل بعض الأبواق الصحافية المأجورة مهددا للاستقرار العام للدولة، ويؤدي إلى هروب رؤوس الأموال أيضا؟ أليست مثل تلك المظاهر المألوفة على مستوى الدولة والحكومة للفشل في إدارة الأزمات وإعداد الفريق المؤهل والمرن للتعامل معها تؤدي إلى العواقب الوخيمة ذاتها؟ هل يكون حل الأزمات وإدارتها عبر التمرغ بعثارها وتمطيط آثارها؟

شتان حينها ما بين حراك باسل لمنظمات المجتمع المدني المكبلة بالقيود والألغام والأحابيل التشريعية تجاه تلك الأزمات والحوادث من ناحية، وبين «طنغورة» بعض عبيد الدرهم والدينار والعقار في الناحية الأخرى!

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 1940 - الجمعة 28 ديسمبر 2007م الموافق 18 ذي الحجة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً