العدد 1944 - الثلثاء 01 يناير 2008م الموافق 22 ذي الحجة 1428هـ

في انتظار بوش

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

تستعد دول منطقة «الشرق الأوسط» لاستقبال الرئيس الأميركي جورج بوش في جولة تبدأ بعد أسبوع وتستمر لمدة أسبوع. حتى الآنَ لم تحدد أسماء كلّ الدول التي سيزورها بوش في جولته. كذلك لم تتوضح النقاط التي سيشملها برنامج الزيارة.

أسماء الدول مهمّة لمعرفة خريطة الطريق السياسية التي سيسلكها والأولويات التي يفكّر بوش في تسجيل اختراقات بشأنها. فهل سيزورالعراق مباشرة ويلتقي برئيس الحكومة نوري المالكي في بغداد ويبحث معه تطوير اللقاءات «الفنية» و«التقنية» مع الجانب الإيراني؛ لترتقي إلى مستوى المفاوضات السياسية المباشرة أم يكتفي بلقاء المالكي في الأردن كما حصل قبل أكثر من سنة وانتهى الاجتماع المنفرد الذي عقد من دون حضورالعاهل الأردني بالتوافق على إعدام صدام حسين في نهاية العام 2006؟ هل سيزور لبنان لتوديع بلاد الأرز بعد أن نجح عدوان 2006 في زعزعة استقراره وإضعاف دولته؟ هل سيزور سورية ويلتقي الرئيس بشّارالأسد في دمشق بهدف تنشيط مسارالتفاوض السوري - الإسرائيلي أم يكتفي بالحد الدبلوماسي الذي يقتصر الآنَ على توجيه رسائل سياسية بواسطة وفود الكونغرس ووزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي؟ هل سيزورالأردن أم يتجاهله في جولته لحسابات سياسية غامضة؟

أسماء الدول مهمّة لتحديد المسار السياسي لخريطة طريق بوش في السنة الأخيرة من ولايته. فإذا زارسورية ولبنان والأردن إلى جانب فلسطين (رام الله) وتل أبيب فهذه تعتبر إشارات سياسية إلى وجود رغبة أميركية في إعادة إحياء ملف السلام في «الشرق الأوسط» من دون تلاعب بالمسارات الثنائية واستخدام ورقة ضد أخرى. وإذا زار سورية وقاطع لبنان والأردن فهذه إشارة مغايرة. وإذا زارالأردن وقاطع لبنان وسورية فهذه أيضا إشارة مخالفة. وهكذا. كلّ محطة تعتبر إشارة باتجاه. ومقاطعة محطات معينة لها دلالة سياسية. ومخاطبة محطات أخرى تعتبر أيضا خطوات تعطي إشارات سياسية ضد أخرى.

المحطات التي سيتوقف بها بوش في جولته تعكس في النهاية أولوية اهتماماته وتعطي فكرة عن تعامله مع استراتيجية أصيبت بالشلل النصفي في السنة الأخيرة من عهده. وهذه الاستراتيجية التي تعرضت لركلات جزاء دولية بسبب نمو قوة روسيا وعودة الرئيس فلاديمير بوتين إلى لعب دورالطرف الممانع للسياسة الأميركية في أوروبا الشرقية، تعاني الآنَ من ارتباك فعلي في الكثير من المناطق التي تحيط بالحدود الجنوبية لروسيا وتحديدا في تلك الدول (بحر قزوين وجواره) السوفياتية سابقا.

العالم يتغير

الولايات المتحدة في العام 2008 لم تعد تلك الدولة القوية والقادرة التي عصفت بالتوازنات الدولية وتلاعبت بمصالح الشعوب من دون اعتبار للقوى الكبرى بعد هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001. ففي هذه الفترة الفاصلة التي امتدّت سبع سنوات تغيّرت الكثيرمن المعادلات والمفاهيم وبرزت على سطح العلاقات الدولية تضاريس متنوعة المصادرتعترض على تفرد واشنطن في قيادة العالم. وهذا المتغيّربدأ يفرض شروطه ويؤثر جزئيا على مسارالعلاقات الإقليمية في دول «الشرق الأوسط الصغير أو الكبير». فالعالم بدأ يتنبه ولم يعد خارج الصورة التي أرادت إدارة واشنطن رسمها من دون مشاركة القوى الكبرى الأخرى. ويشكّل هذا المتحوّل الجيوبولتيكي (الجغرافي السياسي) نقطة تعطل الكثيرمن المشروعات الاستراتيجية التي دأبت إدارة بوش على تكرارها في السنوات الماضية. فالإدارة لاشك نجحت في احتلال أفغانستان وتمزيقه إلى دويلات قبلية. ونجحت كذلك في محاصرة سلطة ياسرعرفات في رام الله وتشطيرها في النهاية إلى حكومتين متنافستين. وهي أيضا نجحت في غزو العراق وتقويض دولته وافتعال «حروب» طوائف ومذاهب أسفرت عن ترسيم حدود واقعية لثلاث دويلات (فيديراليات مناطق) في بلاد الرافدين. وأيضا نجحت الإدارة في توجيه ضربة مؤلمة للمشروع العربي في لبنان من خلال تغطية عدوان حكومة إيهود أولمرت وتمويله وتسليحه في صيف 2006.

كلّ هذا العصف السياسي افتعلته إدارة بوش في أقل من سبع سنوات، ولكنها انتهت إلى طرق مسدودة فهي لا تستطيع تطوير الهجوم وهي الآنَ غير قادرة على إنتاج صيغة سياسية مقنعة تلبي احتياجاتها على الأمد الطويل. فالولايات المتحدة بحسب وصف أحد الباحثين الاستراتيجيين ربحتْ في العراق وتعادلت مع كوريا الشمالية وخسرت جولتها الأخيرة مع إيران. وإذا كان هذا التوصيف دقيق في عمومياته فإنه يحتاج إلى قراءة أخرى لتحديد تفصيلاته. والكلام عن ربح وتعادل وخسارة لابدّ أنْ يُعاد صوغه في قانون سياسي لتستقر التوازنات الإقليمية في ضوء متغيرات دولية. وهذا بالضبط ما يمكن فهمه من إعلان بوش عن عزمه لزيارة دول «الشرق الأوسط» في الأسبوع الثاني من مطلع الشهرالأوّل من 2008.

الجولة مهمّة في مختلف المعايير؛ لأنّها بالضبط تأتي في السنة الأخيرة من عهده وفي فترة تشهد ولايته معركة حامية بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي لوراثة إدارته في «البيت الأبيض». فهل الجولة وداعية تريد الاعتذارعن أفعال مجنونة ارتكبتها إدارته ضد شعوب «الشرق الأوسط»؟ هل الجولة تستهدف ترميم التصدع وإنقاذ ما يمكن إنقاذه في اللحظات الأخيرة؟ أم الجولة تريد استحداث صدمة سياسية تقلب قواعد اللعبة الدولية بناء على متغيرات في التحالفات الإقليمية وأولويات البرنامج الأميركي؟

الجواب يحتاج إلى نقطتين لتوضيح الزوايا الغامضة في الصورة. أوّلا، تحديد كلّ أسماء الدول التي سيزورها بوش. ثانيا، تعيين جدول أعمال جولته والأولويات التي سيتطرق إليها في برنامجه.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1944 - الثلثاء 01 يناير 2008م الموافق 22 ذي الحجة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً