العدد 1951 - الثلثاء 08 يناير 2008م الموافق 29 ذي الحجة 1428هـ

جولة بوش... والهزات الأمنية من غزة إلى هرمز

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

فجأة وقبل بدء جولة الرئيس الأميركي جورج بوش في «الشرق الأوسط» ضربت المنطقة هزات أمنية من قطاع غزة إلى مضيق هرمز. صاروخ أطلق من القطاع على عسقلان ادعت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية أنه من «صنع إيراني». صاروخان كاتيوشا أطلقا من جنوب لبنان على مستعمرة شلومي في شمال فلسطين. عبوه ناسفة استهدفت دورية تابعة لقوات اليونيفيل الدولية في منطقة نهر الأولي على مدخل مدينة صيدا الجنوبية. شاكر العبسي اطل فجأة في بيان نشر على الانترنت هدد فيه الجيش اللبناني وتوعد بالثأر والانتقام وتَكرار مذبحة مخيم «نهر البارد». البنتاغون (وزارة الدفاع الأميركية) أعلنت في بيان غريب من نوعه تحرش زوارق إيرانية ببوارج حربية في هرمز.

كل هذه الهزات الأمنية حصلت دفعة واحدة عشية بدء الرئيس بوش جولته. التوقيت يعطي إشارة متعارضة الاتجاهات. الدائرة الجغرافية تبدو متباعدة، ولكنها متقاربة من حيث إنها تعيد ربط الملفات الأربعة وتوحيدها تحت مظلة مشتركة. صاروخ غزة يحاول التذكير بخطورة القطاع ودوره في توتير الأمن بالتعاون مع قوة إقليمية. صاروخا الجنوب يحاولان التذكير بوجود مخاطر أمنية لاتزال تهدد «إسرائيل» من الجنوب اللبناني. العبوة التي استهدفت القوات الدولية تريد القول إن «القبعات الزرق» في الجنوب غير قادرة على القيام بمهماتها الأمنية التي نصّ عليها القرار 1701. العبسي الذي ينطق باسم تنظيم مختلق (فتح الإسلام) ويتنقل ذهابا وإيابا من غرب العراق إلى شمال لبنان ويورط المخيمات الفلسطينية والجيش اللبناني في حروب استنزاف لإضعاف الجبهة الداخلية قرر إصدار بيانه في توقيت مشبوه. بلاغ «البنتاغون» الذي صدر الإثنين بشأن حادث قال إنه حصل السبت الماضي أعاد التذكير بالقلق الأمني ومخاطر إغلاق خليج هرمز قبل وصول الرئيس بوش بيوم واحد.

كل هذه الحوادث مفتعلة في توقيتها وتستهدف إرسال إشارات متعارضة، ولكنها مترابطة في حلقاتها الأمنية لأنها تريد مجتمعة التذكير بالملفات الأربعة عشية بدء بوش جولته في المنطقة. فهناك الملف الفلسطيني المجاور للملف اللبناني، وهناك ملف القوات الدولية والمخيمات الفلسطينية، وأخيرا هناك العراق وإيران والملف الأمني في الخليج. وهذا الترابط الأمني بين فلسطين ولبنان والعراق وإيران (الخليج) يشكل سياسيا برنامج عمل جولة بوش.

إدارة بوش التي تعاني من شلل نصفي في السنة الأخيرة من عهدها أرادت شد الانتباه إلى جولة يقال إنها ستكون حاسمة في توضيح معالم الطريق السياسي للولايات المتحدة. ولكن الجولة التي تصادف توقيتها مع بدء ارتفاع حرارة التنافس الانتخابي على كسب بطاقة الترشح على الرئاسة لم تلقَ العناية الملحوظة من الإعلام الأميركي. فالأضواء مسلطة على الداخل وليست مكترثة لخطوات قررت إدارة فاشلة ومتهالكة اتخاذها في لحظات شدت انتباه الناخب الأميركي (دافع الضرائب) إلى الداخل.

لا يستبعد أن تكون الهزات الأمنية التي ضربت المنطقة من غزة إلى هرمز في توقيت واحد وعشية بدء جولة بوش مفتعلة بقصد إثارة الانتباه لقضايا خارجية انشغلت إدارة واشنطن في تحريكها أو اختلاقها خلال السنوات السبع الماضية وانتهت إلى أطوار أسوأ من الحالات التي كانت عليها سابقا. فالحوادث أرسلت إشارات سياسية وحركت الأجواء الأمنية وأثارت مخاوفَ وشدت انتباه الإعلام وسلطت الأضواء على زاويا تريد إدارة واشنطن مناقشتها مع مختلف الأطراف المعنية بها في المنطقة. كذلك انتزعت بعض الدقائق من الفضائيات الأميركية التي أهملت جولة بوش باعتبار القضايا التي يحملها أصبحت خاسرة أو على الأقل لا يملك تلك التصورات القادرة على ضبطها أو حلها.

هزات وارتدادات

الهزات الأمنية المتلاحقة نجحت جزئيا في إثارة الانتباه إلى جولة بوش في «الشرق الأوسط» وحركت إعلاميا بعض الملفات التي دخلت منذ فترة طور المعالجات السرية التي لجأت إليها الأجهزة الخاصة في الساحات الساخنة وتحديدا العراق ولبنان وفلسطين. فالهزات ولّدت موجة سياسية ارتدادية بدأت بإطلاق وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس تصريحها تعقيبا على بيان البنتاغون بشأن تحرش هرمز جددت فيه التذكير بالخطر الإيراني على المنطقة.

إيران هي الخطر و «إسرائيل» ليست كذلك. هذا هو العنوان (المانشيت الصحافي) الذي استنتجته رايس من الارتجاجات الأمنية المتلاحقة من غزة (صاروخ إيراني الصنع) إلى هرمز (تحرش زوارق إيرانية). والعنوان يشكل قراءة سياسية لمشكلات متفرعة تريد واشنطن تلخيصها واختزالها في بند واحد يركز الشبهات في جانب ويغطي الجرائم الإسرائيلية المتعاظمة يوميا في جانب آخر. وهذه التغطية الإعلامية كما يبدو تراهن عليها واشنطن للاستمرار في تسويق الأكاذيب وترويج بضائع فاسدة لم تعد مقبولة عربيا بعد أن ظهرت ميدانيا حقائقُ لم يعد بالإمكان إنكارها.

الحقيقة الأولى، إن الشعوب العربية لا تصدق الكلام الذي يصدر عن واشنطن حتى لو كانت تحاول مقاربة الصورة. صدقية الولايات المتحدة في الحضيض والمنطقة العربية لم تعد مستعدة لتقبل المزيد من المسرحيات في وقت تكون إدارة واشنطن تلعب بمصير الشعوب ومصالحها من وراء الكواليس. الحقيقة الثانية، إن الشعوب العربية لم تعد تتقبل تلك الوعود التي تطلقها واشنطن في وقت تستمر في دعم «إسرائيل» وتغذيتها وتسليحها وتمويلها وتغطيتها حتى تستكمل مشروع «التهويد» وما يعنيه من تشريد للشعب الفلسطيني وتوطين لمهاجرين في أرضه.

الحقيقة الثالثة، إن الشعوب العربية أصبحت تشكك في كل خطوة أميركية انطلاقا من المشاهدات العيانية والتجارب الميدانية. في أفغانستان انهارت الوعود وبدأ العنف ينتشر إلى باكستان مهددا وحدتها واستقرارها. في العراق تقوضت الدولة وتبخر «النموذج» وتحولت بلاد الرافدين إلى سوق لترويج العنف وتصديره إلى الجوار وباتت الساحة منطقة تجاذب إقليمي/ طائفي تشير الوقائع إلى احتمال نشوء ثلاث دويلات على أرضه. في لبنان استُنزِفت الدولة وقطعت أوصالها في عدوان 2006 الأميركي - الإسرائيلي ووجهت ضربات موجعة للمشروع العربي وباتت بلاد الأرز على شفير هاوية فتنة أهلية. في فلسطين بدأت سلطة محمود عباس التراجع أمام زحف الاستيطان الذي أطلق إيهود أولمرت برنامجه الجديد القاضي بالاستيلاء على مصادر رزق الناس والأرض التي يعد بوش بتأسيس «دولة قابلة للحياة» عليها قبل نهاية 2008.

الحقيقة الرابعة إن الشعوب العربية باتت في موقع لا يسمح لها إلا التشكيك في كل وعد تطلقه واشنطن في المنطقة. فالشعوب تتخوف من تأييد الإدارة وتقرأ الكلام معكوسا. فإذا قال بوش إنه يدعم محمود عباس فمعنى ذلك أنه يخطط للقضاء عليه. وإذا قال إنه يدعم حكومة فؤاد السنيورة فمعنى ذلك أنه يتآمر عليها. وإذا قال إنه مع دولة فلسطينية أو دولة لبنانية أو دولة عراقية أو دولة أفغانية أو دولة باكستانية فمعنى ذلك أن الولايات المتحدة وضعت خطة أمنية شاملة لتقويضها والقضاء على بقاياها... وربما إزالتها من الخريطة لمصلحة مشروعات التفكيك والتمزيق.

وسط هزات أمنية وارتدادات سياسية تبدأ جولة بوش في منطقة «الشرق الأوسط» وتشمل زيارات لتركيا ومصر وفلسطين و «إسرائيل» وأربع دول خليجية. ويرجح أن تتسع دائرة الجولة لتضم عواصمَ عربية غير معلنة على جدول الجولة.

حتى الآن لم تعلن كل أسماء الدول ولا البرنامج الذي سيعتمده في اتصالاته ومباحثاته. ولكن التصريحات التي أطلقها الرئيس أعطت تصورات عامة عن النقاط التي يريد التركيز عليها. المعلومات الصحافية عادة لا تكون دقيقة وأحيانا لا تعطي فكرة واضحة عن البرنامج باعتبارها تعتمد على تسريبات تحتاج إلى قرائن. لذلك من الصعب التعويل على أخبار الصحف والبناء عليها نظرا إلى وجود مجموعة اعتبارات تشكل موانعَ تحجز الكثير من المعلومات وتعطل إمكانات انتقالها إلى الإعلام.

الصورة إذا ستبقى أقربَ إلى ترجيح احتمالات على أخرى. والاحتمالات تعني فرضيات تحتاج إلى براهينَ حتى تصبح التحليلات أقربَ إلى اليقين وأبعدَ من الظن.

الهزات الأمنية المفتعلة التي جرت أمس دفعة واحدة تؤكد أن الجولة تريد إثارة الانتباه إلى مشروع تآكَلَ استراتيجيا ولم يعد يلقى ذاك الاهتمام حتى من إعلام أميركي مشغول بانتخابات وظيفتها الأولى إخراج «الرجل المختار» من واشنطن. وحين تكون نهاية مقدمات الانتخابات الرئاسية واضحة من الآن فإن شعوب المنطقة ستكون أذكى من أن تنخدع بوعود إدارة متهالكة تجرجر الخيبات من أفغانستان والعراق إلى غزة ولبنان.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1951 - الثلثاء 08 يناير 2008م الموافق 29 ذي الحجة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً