العدد 1951 - الثلثاء 08 يناير 2008م الموافق 29 ذي الحجة 1428هـ

رسالة ترحيب بالرئيس بوش... تصوروا

صلاح الدين حافظ comments [at] alwasatnews.com

حتى المرض مهما اشتد لا يعوقني عن واجب الترحيب بالرئيس الأميركي بوش في زيارته الحالية للمنطقة، وهي زيارة توديعية كما يبدو، إذ لم يعد أمامه متسع من الوقت بعدما قاربت مدته الرئاسية على النفاد، فإن كان الأمر كذلك فكيف لا نرحب به ونظهر له الود كعادة أهلنا البسطاء الطيبين، الذين طالما رحبوا بضيوف حملوا خلف ظهورهم الخناجر السامة!

إليك فخامة الرئيس أتوجه مرحبا وفي حلقي غصة، لا تمحوها ابتسامتك العفوية الباهتة ولا طلعتك التي لا تحمل إلا الغموض وربما التربص، أهلا بك في بلاد لا تعرفها جيدا ولا تعرف تاريخها، ولم تقرأ ثقافتها ولم تفهم عمق حضارتها، ولم تدرك سر صمتها الطويل قبل أن تنفجر في وجه قاهريها...

لقد أثبتت سياساتك على مدى سبع سنوات في البيت الأبيض أنك لا تعرف عن بلادنا سوى اسمها وأسماء عدد قليل ساستها، وأنك لا تعترف بها إلا أن تصطف ضمن حلفائك الأوفياء، وحائطا لصد أزماتك، وربما سجنا كبيرا لأعدائك ومعتقلا لخصومك، هذا وإلا حقت علينا اللعنة والكراهية.

ليتك سيدي تقرأ كتابا قديما أو جديدا عن هذا الوطن وهذه الدنيا البعيدة عن حقيقة فكرك، ولا أقول كتابا عن تاريخنا وخلفيتنا الثقافية والحضارية، لتعلم كيف نفكر، ولكن لتقرأ كتابا واحدا من مئات الكتب الصادرة في بلادك بأقلام بعض مواطنيك المحترمين، الذين مهما كانت انحيازاتهم، حاولوا اكتشاف الحقيقة والتعرف على أوضاعنا وواقعنا بشيء من الموضوعية.

ولأنك لم تفعل للأسف، فقد وقعت فريسة في أيدي الملقنين والمنظرين الذين التفوا حولك في حلقة مغلقة، يزرعون في وعيك كراهية لنا، منطلقين من فكر يميني محافظ، بل متعصب متشدد وأصولي، أكثر أصولية وتعصبا من العدو الجديد الذي أقنعوك بضرورة تدميره... الإسلام المتطرف!

وللأسف مرة أخرى فقد هويت في حفرة عميقة، حين استسلمت لأقاويل هؤلاء القادمين إلى مجلسك من دوائر التحالف الصهيوني المسيحي المتطرف، وحين قلت في بدايات حربك ضد أفغانستان، إنك تشن الحرب الصليبية الجديدة بوحي إلهي، لتقضي على الشر في هذه الدنيا... باسم الخير!

وربما لأنك لم تقرأ أصلا أي شيء عن الحروب الصليبية، التي شنها الغرب الاستعماري ضد بلادنا، زورا باسم السيد المسيح عليه السلام وتحت راية الصليب، فإنك بالتالي لم تقدر الوقع الخطير لهذه الكلمة على شعوبنا، ولم تدرك أنك تبعث فينا كل مشاعر الخوف وهواجس الحرب والكرب، ومعها مشاعر الاستفزاز والاستنفار لمواجهة حربك الصليبية الجديدة، تلك التي استنكرها مواطنونا المسيحيون قبل المسلمين، تماما كما فعلوا أثناء الحروب الصليبية القديمة، حين حاربوا جنبا إلى جنب ضد الغزو الغربي الصليبي بتحريض من أحد باباوات الفاتيكان آنذاك...

نرحب بك في وطننا، تعبيرا عن ثقافة إكرام الضيف، لكننا لا نقبل تصديقك لما يقوله لك حتى بعض أبنائنا من المتأمركين العرب، الذين اصطفتهم حكومتك، من أن التغيير في بلادنا نحو ما تريده لن يتم إلا بتدخلك المباشر وبكل قوة، كما حاولت أن تفعل من قبل وقوبلت بالصدود والاستنكار، ليس من الحكام ولكن من المحكومين، فنحن نكره الابتزاز قدر حبنا للحرية، ونعادي التدخل الأجنبي قدر عشقنا للاستقلال...

ولعلك تجد دقائق معدودات من وقتك الثمين، لتقرأ مثلا تجربة الاستعمار البريطاني في مصر، وكيف حاول وفشل في أن يجد حلفاء حقيقيين من شعبنا ضد شعبنا، وكيف انسحب خاسرا وانسحق عملاؤه من بعده وطوى التاريخ كل تاريخهم، فلا يغرنك تأييد من يقبض من هباتك ولا من يحمل نياشينك... هشيم!

فخامة الرئيس... أناشدك بحق السماء أن تقرأ مذكرات «اللورد كرومر» المندوب السامي الشهير الذي حكم مصر بالحديد والنار، في بدايات القرن العشرين، لكي تتعرف على تجربته الخائبة في ممارسة لعبة «فرق تسد» ومغامرة إشعال الفتنة الطائفية بين مسلمي مصر ومسيحييها، لكي تتأكد أن ألاعيب أجهزتك الحالية على وتر الفتنة الطائفية ستخيب أكثر مما خابت ألاعيب كرومر، فلا تلعبها سيادة الرئيس مع شعب ديانته في وطنه، ووطنه في إيمانه، وإيمانه في حريته واستقلاله...

فخامة الرئيس... لقد تساءلت يوما، لماذا تكرهوننا، وها نحن نؤكد لك للمرة الألف أننا لا نكره الشعب الأميركي، بل إننا نعجب بكل إنجازاته في العلوم والفنون، وغزو الفضاء والتكنولوجيا الحديثة، في التقدم الاقتصادي وفي الرعاية الاجتماعية، في احترام حرية كل فرد فيه وحقه في الحياة والعمل.

لكننا بصراحة، نكره سياستكم العدوانية الشرسة المندفعة لغزو بلاد أخرى، واحتلال شعوب حرة وسلب ثرواتها والتحكم فيها باسم العولمة والحرية الاقتصادية والأسواق المفتوحة، ونكره مغامراتكم العسكرية الغازية لبلاد بعيدة، تحت شعار الهيمنة الأميركية وفي ظل مشروع «القرن الأميركي» الذي ألهمك إياه عتاة المحافظين الجدد من خلصائك، أمثال ديك تشيني ورامسيفيلد وولفوفيتز وبيرل وكارل روف وبرنارد لويس، أولئك الذين التفوا حولك حين لاحت أمامك وأمامهم بشائر النصر، وانفضوا من حولك حيث لاحت بوادر الهزيمة.

نكره السياسات الانتهازية لحكومتك، التي استغلت دعوات نشر الديمقراطية في بلادنا، بأنها أثبتت أن المسألة لم تكن إلا ابتزازا للحكام، حتى يخضعوا تماما لمطالبكم ويصطفوا بانتظام كامل في الطابور الأميركي، ولم تكن سياسات صادقة تؤمن حقا وتعمل على نشر الديمقراطية، لقد تلاعبتم بالشعوب والحكام من أجل مصالحكم وفقط.

وبالمقابل نحن لا نكره اليهود والمسيحيين، باعتبارهم من أبناء إبراهيم عليه السلام، يفرض الإسلام على معتنقيه حتمية الاعتراف بالديانتين السماويتين السابقتين عليه، لكننا نكره استغلال الدين في ألاعيب السياسة، سواء جاء هذا الاستغلال من مسلم أو غيره، وها هو يأتي منك ومن حلفائك في «إسرائيل»، بأبشع صور العدوان والتحريض والكراهية، وصولا للحرب الدينية!

وليتك تتخلص قليلا من سطوة أفكار فيلسوفك برنارد لويس، وتستفتي ضميرك الديني ووازعك الأخلاقي، هل ما ترتكبه «إسرائيل» من عدوان مستمر ووحشي ضد الشعب الفلسطيني مثلا، يتوافق مع تعاليم السيد المسيح عليه السلام، وهل ما تمارسه أنت من انحياز لهذا العدوان يتسق مع نصوص الإنجيل!

فخامة الرئيس... زيارتك هذه المرة لمنطقتنا المنكوبة، مهمة على الأقل كي تعرف الصورة على ما هي عليه، وربما لكي تدرك حقيقة ما جرى ويجري في العراق جراء سياستك... دولة تفككت وشعب تمزق عرقياَ وتخاصم طائفيا وتعارك مذهبيا، أربعة ملايين هجروا بلادهم ومليون قتلوا في حربك، فتحولت أغنى دولة عربية إلى ركام من القرون قبل الوسطى، بينما جحيم العداء والعنف والتطرف ينتقل منها إلى ما جاورها، بفضل عطفك وحنانك!

وبهذه المناسبة لن ننسى فوضاك الخلاقة، «المدمرة» التي أشاعها بيننا وزراؤك وأجهزتك، فها نحن اليوم أكثر فوضى وغضبا وتمردا وفقرا وقهرا، مما كنا عليه قبل أن تفيض علينا بنظرياتك الملهمة للفوضى، وها هي الفتن الطائفية والصراعات العرقية تشتعل بين أبناء الوطن الواحد، بفضل تشجيعك وحكومتك المنهجية لها، فلا شكر على سياساتك هذه!

لقد أطلقت حربك العام 2001 ضد أفغانستان ثم في العام 2003 ضد العراق باسم الحرب الكونية ضد الإرهاب الإسلامي... فانظر اليوم ماذا فعلت يداك، لقد زاد الإرهاب شدة وزاد العنف حدة، واتسعت خطوطه وميادينه من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، حتى ضرب قلب أوروبا النابض، وها هي «طالبان» و «القاعدة» تتمددان بأذرع مدببة حادة تكاد تعصف بنا وبك، بينما مازلت أنت تبرر حروبك بادعاءات ثبت كذبها، وعلى الشعب الأميركي أن يدفع من رخائه، وعلى شعوبنا أن تتحمل عواقب اختياراتك ونتائج سياساتك وكلها للأسف كارثية، على رغم تصريحاتك الوردية عن الانتصار الذي لم يأتِ أبدا.

فخامة الرئيس... أثقلنا عليك، ولذلك نتمنى أن تتخلص قليلا من الإجراءات الأمنية، وتترك بهرج الاستقبال وفخامة القصور، وتنزل إلى الشارع، أو تذهب مع سفيرك بالقاهرة السيد ريتشارد دوني، إلى المقاهي الشعبية وموالد الأولياء ومجالس النميمة كما يفعل هو، لتسمع رأي البسطاء في سياساتك، بعيدا عن المحادثات الدبلوماسية المنمقة وعن مطالب ونصائح «ضيوف السفارات»، المدمنين، الذين لن يطلبوا منك إلا دفع أساطيلك إلى هنا، تحت راية الغزو الديمقراطي وباسم الإصلاح والتغيير.

فخامة الرئيس طال الكلام، ولم نستوفه حقه، ولكن عز المكان، ولذلك نرجو ألا تنسى أن تأخذ معك مساعداتك ومعوناتك قبل أن تغادر، فقد سئم شعبنا الابتزاز ومحاولات الإذلال، لأنه شعب عصي وإن كان فقيرا، يعرف معنى الكرامة ويقدس الحرية.

في ختام رسالتنا المفتوحة، التي نعتقد أنها تعبر عن قطاعات واسعة من الرأي العام، نودعك بالترحيب نفسه الذي أبديناه في البداية، وندعوك لتزور بلادنا، بعد أن تزول عنك أضواء الرئاسة، لتتعرف عن قرب على حضارتنا وفلسفة شعبنا، بعيدا عن صرامة الإجراءات الأمنية والاحتفالات الرسمية والبلاغات التدليسية.

مع السلامة إن كنت ترجو لنا مثلها، وإن لم تكن فنحن نبادلك الشعور نفسه!

خير الكلام:

قال خليل مطران:

قطعوا الأيادي هل تقطيعها

يمنع الأعين أن تنظر شزرا!

إقرأ أيضا لـ "صلاح الدين حافظ"

العدد 1951 - الثلثاء 08 يناير 2008م الموافق 29 ذي الحجة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً