العدد 1961 - الجمعة 18 يناير 2008م الموافق 09 محرم 1429هـ

شعبٌ قارئ ولكن...

مصباح الحرية comments [at] alwasatnews.com

مشروع مصباح الحرية

التعليم في العالم العربي خليطٌ بين الأنباء الجيدة والسيئة. فمن ناحية، يواصل التعلّم التقدم على امتداد الإقليم مع تقدم بعض البلدان بأكثر من البعض الآخر. ومن ناحية أخرى، إن العالم العربي مازال متأخرا عن معظم بلدان العالم، ويخرّج مواطنين غير مؤهلين للمشاركة في السوق العالمية التي تتطور سريعا.

قطاع التعليم العالي ينمو في معظم البلدان الـ22 العربية. هذا التوسع يبدو نتيجة لتجمع المبادرات الخاصة والعامة الموجهة تجاه تعليم الأعداد المتعاظمة من الشبّان في كل بلد من تلك البلدان. ومع ذلك، باستثناء حالات قليلة معزولة إن الغالبية العظمى من تلك المؤسسات تفتقر إلى الجودة الضرورية في التعليم والقيادة المستقلة والمناهج التقدمية التي من شأنها تدريب الطلبة على مواءمة حاجات أرباب العمل المتوقعين. ففي دراسة قامت بها مجموعة تصنيف الخبراء الدولية ومؤسسة سياسات التعليم العالي في واشنطن، نالت جامعة عربية واحدة فقط موقعا على قائمة تتألف من 3000 جامعة على امتداد العالم. وقد جاء ترتيبها في آخر تلك القائمة.

الخريجون العرب يجدون أنفسهم في مواضعَ غير ملائمة بشكل متزايد عندما يسعون إلى الدخول في أسواق العمل في بلدانهم، إذ لا تتطابق مهاراتهم في كثير من الحالات مع احتياجات السوق. على سبيل المثال، في المملكة العربية السعودية، نحو 5.5 ملايين عامل أجنبي يلعبون دورا أساسيا في الاقتصاد السعودي وخصوصا في قطاعي الخدمات والنفط. ومع ذلك، على رغم سياسة الحكومة الداعمة بقوة لتعيين موظفين من حملة الجنسية السعودية، فإن البطالة المستمرة وفق الإحصاءات الرسمية تُشير إلى أنها تبلغ 13 في المئة بين السعوديين الذكور، ويعتقد الكثير من الخبراء المستقلين أن هذه النسبة قد تكون عالية بما يصل إلى 25 في المئة.

الاستثمارات الكبيرة على امتداد سنوات عدة والتي قامت بها الحكومة السعودية لم تحقق نتائجَ مرضية. والنتائج السعودية هي مماثلة للنتائج التي تم تحقيقها في بلدان الخليج الغنية. فالإحصاءات تشير إلى أن الخريجين في كثير من الحالات غير قادرين على الاندماج بشكل ناجح في الاقتصادات الوطنية.

يعتمد تحسين التعليم العالي في العالم العربي على إصلاح المناهج ورفع توقعات الأساتذة من طلبتهم ليس فقط على مستوى الجامعات، ولكن أيضا على مستويات التعليم الابتدائي والثانوي. كما تظهر التجارب العالمية، فإن علامات الطلبة العرب في المدارس الابتدائية والثانوية هي بين العشرينات الأدنى في مادة الرياضيات والعلوم. نتائج المدارس الابتدائية العامة هي الأسوأ بما لا يقارن. إن حظ تلميذ يتخرّج من مدرسة حكومية في القاهرة أو دمشق أو الخرطوم أن يصبح رئيسا لشركة كبرى أو أن يصبح طبيبا متخصصا ضعيفٌ إلى أقصى الحدود. وإذا أخذنا في الاعتبار الكميات الكبيرة التي تنفقها تلك الحكومات على التعليم، فإن هذه النتائج المزرية والمؤشرات المرتبطة بها مفزعةٌ بكل بساطة وتتطلب معالجة فورية.

ليس فقط يجب إعادة تصميم المناهج بحيث تُعطى أولوية للرياضيات والعلوم، بل يجب على الأساتذة أيضا أن يعتبروا مسئولين عن أداء طلبتهم. أحد التفسيرات للعلامات الضعيفة التي حققها الطلبة العرب ناتجة من أن توقعات الأساتذة منخفضة أكثر مما يجب. وفي الوقت الذي يواصل فيه القادة العرب السعي إلى إيجاد الطرق الكفيلة بتحسين التعليم، فإن التدقيق في سوية الأساتذة يصبح أمرا حيويا. هل الغالبية العظمى من الأساتذة مؤهلون لأن يركن إليها تعليم الأجيال القادمة؟ ربما لا. إن استقطاب وتدريب كادرٍ جديد من الأساتذة من الدرجة الأولى، والذين يعوضون تعويضا جيدا، يتطلب بحثا معمّقا.

لقد شهد العالم العربي في السنوات الأخيرة نموا دراماتيكيا في عدد الجامعات الخاصة. لدى الأردن - على سبيل المثال - ما لا يقل عن 12 جامعة خاصة. هذه الجامعات التي أنشئت أخيرا ستسمح للبلدان من ذات الدخل المتوسط بالاعتماد أكثر على المصادر الخاصة للإنفاق على التعليم العالي. ومع ذلك، إن الخصخصة وحدها ليست الجواب الشافي.

وعلى غرار الجامعات الحكومية، إن تلك المؤسسات الخاصة يجب أن تعتبر مسئولة عن تخريج طلبة يحققون الحاجات الوطنية المطلوبة. الحكومات - ربما على مستوى إقليمي - ستحتاج إلى إيجاد مستويات أداء تسمح للجامعات التعليمية - سواء كانت خاصة أو عامة - بأن تحقق حدا أدنى من المستويات.

محو الأمية كان يشكل رسالة مهمة في العالم العربي ما بعد الفترة الاستعمارية. لقد حقق العرب إنجازا كبيرا على هذه الجبهة. وعلى رغم أن نحو 70 مليونا عربيا مازالوا أميين، فإن هذا العدد يتناقص بسرعة. ومع ذلك، هنالك فرق بين أن تُعلّم لتحقيق القراءة والكتابة وبين تقديم تعليم من سوية عالية.

وعموما، إن العالم العربي لم يطوِّر بعدُ أنظمته التعليمية من التركيز على محو الأمية من جهة إلى نظام يخلق مؤسسات ضرورية قادرة على دمج الفئات الشبابية في أسواق عملها والدفع ببلدانها إلى ميدان التنافس العالمي. وفي الوقت الذي يواصل فيه واضعو السياسة العربية معالجة مخططات التنمية المستقبلية، يجب عليهم التركيز على إصلاح مؤسساتهم التعليمية وتحسينها. إن الفشل في تحقيق ذلك سيؤدي من دون شك إلى زيادة الملايين من العاطلين عن العمل، وربما يهددون استقرار المنطقة. إن معالجة الإصلاح التعليمي يجب أن يُعطى الأولوية اليوم.

*نائب رئيس مجموعة هورون الاستشارية للصحة والتعليم في شيكاغو بالولايات المتحدة، ويقدم خدمات استشارية لمؤسسات تعليمية في الولايات المتحدة والشرق الأوسط وآسيا، والمقال ينشر بالتعاون مع «مصباح الحرية»

www.misbahalhurriyya.org

إقرأ أيضا لـ "مصباح الحرية"

العدد 1961 - الجمعة 18 يناير 2008م الموافق 09 محرم 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً